من اليوتوبيا إلى الديستوبيا.. كيف قدّمت روايات الخيال العلمي تنبؤات مرعبة؟
عندما استأجر الممول الأمريكي جي بي مورغان مخترع المصباح الكهربائي توماس إديسون لتوصيل الكهرباء إلى قصره في نيويورك، حذره والده جونيوس مورغان من أن الضوء الكهربائي مجرد جنون عابر.
وفي عام 1903، قيل لهوراس راكهام، المحامي الخاص لمصنع السيارات هنري فورد، إن السيارات لن تحل محل العربات التي تجرها الخيول.
في المقابل، كتب جول فيرن عن المركبات التي تعمل بالبنزين وأسلحة الدمار الشامل والاحتباس الحراري منذ أكثر من قرن مضى، كما توقع كتاب الخيال العلمي مجموعة متنوعة من الاختراعات الحديثة؛ من السيارات إلى زراعة الأعضاء.
يشير موقع "big think" إلى أن الأعمال الديستوبية تحديدًا المكتوبة منذ عقود لم تعد تُقرأ على أنها أعمال خيالية؛ في بعض الأحيان، كان الكتاب قادرين على التأثير في مجرى التاريخ.
في كتابه "أرض عجائب الغد" الصادر عام 1961، أعلن بريندان ماثيوز أن التكنولوجيا، قريبًا، ستسمح لنا بالقضاء على الشيخوخة وسوء الأحوال الجوية.
التنبؤ بالمستقبل
إن التنبؤ بالمستقبل بدرجة من الدقة أمر صعب، لكنه بالتأكيد ليس مستحيلاً. وكما قال الكاتب التشيكي كاريل شابك، الذي يُعتقد أن مسرحيته "روبوتات روسوم العالمية" التي كتبها عام 1920 صاغت مصطلح الروبوتات لأول مرة، إنه يمكن دائمًا قراءة جزء من المستقبل من استقراء الحاضر. فكلما زاد فهمك للعلم والمجتمع والطبيعة البشرية، زادت قدرتك على القراءة.
في حين أن بعض الكتابات من الخيال العلمي معروفة أكثر من البعض الآخر، فإنه لا يوجد نقص في الكتب التي تحتوي على تنبؤات دقيقة بشكل صادم للمستقبل.
العلم مقابل الخيال العلمي
توقع الأدب الكلاسيكي مجموعة متنوعة من الاختراعات الحديثة. على سبيل المثال، تنبأت قصة "فرانكشتاين" لماري شيلي، وهي واحدة من أولى قصص الخيال العلمي الحقيقية، بتطور الإلكترونيات الحيوية وزرع الأعضاء والهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي.
بصورة أعمق، تنبأت رواية شيلي المنشورة عام 1818 أيضًا بالمواجهة التي لا مفر منها بين العلم والدين والأخلاق، وهي مواجهة مستمرة اليوم دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة.
قد يكون الكتاب الذي يحتوي على أكبر عدد من التنبؤات الدقيقة هو "باريس في القرن العشرين" لجول فيرن. يعد فيرن، مؤلف رواية "رحلة إلى مركز الأرض" و"عشرون ألف فرسخ تحت البحر"، أحد أكثر كتاب الخيال العلمي تأثيرًا في كل العصور. لكن روايته "باريس في القرن العشرين" أثبتت أنها نبوءة بشكل خاص.
كتب فيرن خلال ستينيات القرن التاسع عشر عن المركبات التي تعمل بالبنزين وأسلحة الدمار الشامل والاحتباس الحراري وتغيير الأعراف الجندرية.
من اليوتوبيا إلى الديستوبيا
قبل أن تكون هناك ديستوبيا، نوع فرعي من الخيال العلمي نحن جميعًا على دراية به هذه الأيام، كان هناك خيال يوتوبي.
اعتمد الكتاب والمفكرون من أفلاطون إلى توماس مور على أحدث الأفكار السياسية والفلسفية والعلمية لبناء مخططات لحضارة مثالية.
في القرن التاسع عشر، بدأ مؤلفون مثل إتش جي ويلز وجاك لندن بقلب الصيغة القديمة رأسًا على عقب واستكشاف كيف يمكن أن يؤدي التقدم البشري إلى مستقبل غير مرغوب فيه بشكل واضح.
تحوي كل رواية ديستوبيا على الأقل على أصداء الواقع. في رواية "لا يمكن أن يحدث هنا" المنشورة عام 1935 للكاتب الأمريكي سنكلير لويس، نجد أن باز ويندريب؛ السياسي الديماجوجي الذي تم انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة هو رمز لأدولف هتلر وموسوليني.
بينما "في تقرير الأقلية" المنشور عام 1956، والتي كتبها فيليب ك.ديك، يستخدم رجال الشرطة الخوارزميات للقبض على المجرمين قبل ارتكابهم للجريمة، وهو هدف طويل الأمد في أبحاث الذكاء الاصطناعي بالواقع.
في رواية "نحن" ليفغيني زامياتين التي كان لها تأثير أساسي على رواية جورج أورويل" 1984"، وفي "ترتيلة" لأيان راند، و"عازف البيانو" لكيرت فونيغوت، تدور الأحداث في دولة شمولية عقلانية يسمى فيها الناس بالأرقام، ويتبعون التعليمات من ديكتاتور شديد القوة. تسخر الأعمال من رغبة رجال الأعمال الرأسماليين والديكتاتوريين الشيوعيين على حد سواء في تحويل الناس إلى آلات مطيعة لا يمكن تمييزها.
تصر شخصيات زامياتين على الحق في عدم الكمال، وارتكاب الأخطاء، والتصرف بإرادتهم. لكن زامياتين لم يكن أول كاتب يقدم ذلك، كما لاحظ النقاد الأدبيون.
فقد وقف زامياتين على أكتاف رواية لفيودور دوستويفسكي بعنوان "ملاحظات من تحت الأرض" نشرت عام 1864، وفيها تنبأ المؤلف الروسي بظهور الأنظمة الشمولية في القرن العشرين التي سعت للسيطرة على كل جانب من جوانب حياة رعاياها.
كتبت "ملاحظات من تحت الأرض" على وجه التحديد ردًا على صعود الحركات الاشتراكية في روسيا في القرن التاسع عشر. تعاطف دوستويفسكي مع الرغبة في إنهاء الظلم ورفع مستوى الفقراء، لكنه في الوقت نفسه كان يعتقد أن كل اليوتوبيا؛ الاشتراكية أو غير ذلك، محكوم عليها بالفشل لأن الناس يقدرون الحرية قبل كل شيء.