هل يهدّد بوتين بغزو لاهاى؟!
فعلتها الولايات المتحدة بعد مرور شهرين، فقط، على إنشاء «المحكمة الجنائية الدولية»، وأصدرت، فى ٢ أغسطس ٢٠٠٢، قانون «حماية رجال الخدمة المدنية»، Servicemen Protection Act، المعروف باسم «قانون غزو لاهاى»، الذى يتيح للرئيس الأمريكى استخدام القوة العسكرية فى أى دولة تحتجز مسئولًا أو جنديًا أو مواطنًا أمريكيًا بناءً على طلب من تلك المحكمة. وعليه، لن يكون غريبًا لو أصدرت روسيًا قانونًا شبيهًا، ردًا على الاتهامات التى جرى توجيهها، يوم الجمعة الماضى، للرئيس فلاديمير بوتين.
تتهم المحكمة الجنائية الدولية، الرئيس الروسى بـ«المسئولية عن ارتكاب جريمة حرب مفترضة تتمثل فى ترحيل مئات الأطفال الأوكرانيين، وربما أكثر، إلى روسيا الاتحادية»، وقالت، فى بيان، إنها «وقفت على أسباب معقولة تجعلها تعتقد أنه ارتكب بشكل مباشر هذه الأفعال الإجرامية، أو شارك آخرين فى ارتكابها». وبهذا الاتهام، يكون بوتين هو ثالث رئيس دولة توجّه له المحكمة اتهامات، وهو لا يزال فى السلطة، بعد السودانى عمر البشير والليبى معمر القذافى، مع أن روسيا، وأوكرانيا أيضًا، خارج اختصاصها القضائى.
تم اعتماد «نظام روما الأساسى»، الذى تأسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، فى ١٧ يوليو ١٩٩٨، ودخل حيز التنفيذ فى أول يوليو ٢٠٠٢، وفى منتصف السنوات الأربع، قامت روسيا بالتوقيع عليه، سنة ٢٠٠٠، لكنها سحبت توقيعها فى ٢٠١٦، اعتراضًا على موقف المحكمة من ضمها شبه جزيرة القرم. أما أوكرانيا، التى لم توقع على هذا النظام من الأساس، فقيل إنها منحت المحكمة الولاية القضائية، للتحقيق فى جرائم الحرب المرتكبة على أراضيها. وما قد يثير مزيدًا من الدهشة، أو السخرية، هو أن الرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى لا تعترف بلاده بالمحكمة، وصف هذا الاتهام بأنه «يمثل نقطة قوية للغاية»!
بالإضافة إلى «قانون غزو لاهاى»، هددت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، مرارًا، قضاة المحكمة، بملاحقتهم وفرض عقوبات عليهم، حال قيامهم بتوجيه اتهامات إلى أمريكيين أو إسرائيليين أو أى حلفاء آخرين للولايات المتحدة. وبالفعل، قامت إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، فى سبتمبر ٢٠٢٠، بفرض عقوبات على كبار مسئولى المحكمة، وعلى رأسهم فاتو بنسودا، المدعية العامة السابقة، لمجرد أن الأخيرة أعلنت عن اعتزامها التحقيق «فى مزاعم ارتكاب جنود أمريكيين جرائم حرب فى أفغانستان». صحيح أن إدارة بايدن ألغت هذه العقوبات، فى ٣ أبريل ٢٠٢١، لكن أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، قال وقتها إن بلاده «ما زالت تعترض بشدة على إجراءات المحكمة المتعلقة بأفغانستان والأوضاع الفلسطينية».
شغلت بنسودا، Fatou Bensouda، موقعها بين منتصف يونيو ٢٠١٢، ومنتصف يونيو ٢٠٢١. وظلت تحتفظ، منذ سنة ٢٠١٤، فى درج مكتبها، بثلاثة ملفات قدمها الفلسطينيون: «العدوان على غزة»، ويشمل استخدام القوة المفرطة والأسلحة المحرمة دوليًا وارتكاب مجازر ضد مدنيين.. «الأسرى داخل السجون الإسرائيلية»، ويتضمن اتهامات بسوء معاملة الأسرى والإهمال الطبى الذى أدى إلى وفاة بعضهم. وتناول الملف الثالث «الاستيطان»، وإرهاب المستوطنين، الذى أسفر عن مقتل مدنيين فلسطينيين.
لم تلتفت بنسودا إلى الملفات الثلاثة، إلا قبل ثلاثة أشهر، تقريبًا، من مغادرتها المنصب، وأعلنت فى ٣ مارس ٢٠٢١، أن مكتبها سيفتح تحقيقًا رسميًا فى جرائم الحرب داخل الأراضى الفلسطينية «المحتلة»، تأسيسًا على قرار تمهيدى سابق يقضى بأن الأراضى الفلسطينية تقع ضمن الاختصاص القضائى للمحكمة. وبرغم أنها ساوت بين الجانى والضحية، وأكدت أن التحقيق سيشمل جميع «الجرائم المشتبه فيها»، سواء ارتكبها إسرائيليون أو فلسطينيون، إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية، عارضت «بشدة» هذا القرار!
.. وتبقى الإشارة إلى أن قائمة الرؤساء الذين استأسدت عليهم «المحكمة الجنائية الدولية» ووجهت لهم اتهامات، بعد مغادرة منصبهم، تضم الصربى سلوبودان ميلوسيفيتش، الذى توفى سنة ٢٠٠٦، قبل انتهاء محاكمته، والإيفوارى لوران جباجبو، الذى تمت تبرئته من كل الاتهامات، سنة ٢٠١٩، بعد محاكمة استمرت ثلاث سنوات، وكان أحدث المنضمين إلى تلك القائمة رئيس كوسوفو هاشم تقى، الذى ستبدأ محاكمته الشهر المقبل.