رؤية خبير..
القاعدة وزعيمها الجديد
لم يكن حديث الرئيس فى يوم الشهيد عن الإرهاب الذى تعرضت له البلاد ومحاولات فصل سيناء عن الدولة المصرية الأم قد جاء من فراغ، بل على العكس تمامًا فإن رؤيته لما حدث كانت حقيقية، وكنا جميعًا كرجال أمن نرصدها ونشعر بها.
لقد كانت جميع التنظيمات الإرهابية تحاول أن تنهش فى جسد الدولة المصرية المنهك فى هذا الوقت بما فيها تنظيم القاعدة، واليوم تتحدث أجهزة الاستخبارات العالمية عن تحرك جديد لهذا التنظيم، حيث وردت تقارير تفيد بتولى الإرهابى الهارب محمد صلاح زيدان المكنى «سيف العدل»، الموجود حاليًا فى إيران- قيادة تنظيم القاعدة، بعد مقتل رئيسه السابق الإرهابى أيمن الظواهرى فى مدينة كابول بأفغانستان فى يوليو 2022 .
وتشير المعلومات إلى أن الإرهابى المذكور من مواليد محافظة المنوفية عام 1960 وسبق اعتقاله عام 1987 بتهمة محاولة إحياء تنظيم الجهاد ومحاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا، وأفرج عنه لعدم كفاية الأدلة فى عام 1989 حيث تمكن من السفر إلى أفغانستان وانضم إلى تنظيم القاعدة، وشارك فى وضع خطة تفجير السفارة الأمريكية فى تنزانيا وكينيا وكذلك فى التخطيط لتفجير مبنى التجارة العالمى فى أمريكا، ثم استقر به الحال للإقامة فى إيران، وكان تحت السيطرة والإقامة الجبرية بها حتى عام 2015 بسبب الضغوط الدولية على إيران.
ومنذ هذا التاريخ، بدأ يعمل فى إعادة هيكلة تنظيم القاعدة وإنشاء فروع إقليمية لها فى بعض الدول خاصة فى إفريقيا، ونجح بالفعل فى عمل عدة تحالفات مع بعض الحركات المسلحة هناك، والتى تميل فى معتقداتها الفكرية إلى تنظيم القاعدة وعلى خلاف أيديولوجى مع تنظيم داعش.. وتأتى الصومال على رأس تلك الدول، والتى تمكن تنظيم القاعدة من التواجد بها بشكل مكثف، إلا أن الحكومة الحالية هناك بدأت توجه لهم هجمات متتالية، كان آخرها الشهر الماضى حيث نجحت فى تصفية حوالى 500 عنصر من عناصر التنظيم.
الواقع أن تنظيم القاعدة يمر حاليًا بأضعف فتراته منذ مقتل زعيمه أسامة بن لادن وهو الأمر الذى أفقده تأثيره وقدراته فى أى عمليات إرهابية كبيرة، مثل تلك التى قام بها فى تفجير مركز التجارة العالمى فى نيويورك 2001.. كما أن هناك العديد من الانقسامات الداخلية على زعامة التنظيم إلا أنه لم يتم الاستقرار على شخصية محددة إلى أن أعلنت الخارجية الأمريكية بناء على معلومات استخباراتية أن الموعو/ محمد صلاح زيدان «سيف العدل»، قد أصبح زعيمًا لتنظيم القاعدة خلفًا لأيمن الظواهرى وأنه يقيم حاليًا فى إيران.
من الواضح أن إيران التى تنكر وجود سيف العدل على أراضيها تحاول أن تبعث رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية أنه من الممكن أن يكون لديها أوراق ضغط يمكن استخدامها فى أى مفاوضات مع الجانب الأمريكى، خاصة أن الحرس الثورى الإيرانى له علاقات وثيقة مع العديد من التنظيمات المتطرفة، بل إنه يستضيف أشخاصًا معارضين لحكومات دولهم وينتمون لجماعات متشددة فكريًا وعقائديًا لتحقيق مصالحها، ومن هنا فإننا نجد أنها تستضيف عناصر من جماعة الإخوان الإرهابية والقاعدة وتنظيم النصرة وتحرير الشام وكلها يخضع لسيطرة الحرس الثورى الإيرانى ولا يتحرك إلا بتعليمات من قياداته إذا استدعى الأمر ذلك.
إننى أتحدث اليوم عن هذا الموضوع من منطلق أن التنظيمات الإرهابية موجودة وسوف تظل موجودة ولكن تحت سيطرة دول وأجهزة استخباراتية تحركها وقتما تشاء وحيثما تشاء، وهو الأمر الذى أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى لضرورة توخى الحذر والحيطة وعدم الركون إلى تلك الحالة من الضعف والركود الذى ينتاب حاليًا معظم التنظيمات الإرهابية نتيجة انتباه العالم لخطورتها ومحاربتها وتحجيمها بل والقضاء عليها فى العديد من الدول، إلا أن ذلك لا يعنى أن تلك التنظيمات لن تحاول استعادة نشاطها وفاعليتها مرة أخرى عندما تسمح الظروف بذلك وهى رؤية قائد يعرف جيدًا أبعاد وأهداف هذه التنظيمات التى تتحرك وفق توجيهات تتلقاها من أجهزة ودول معينة لتحقيق أهداف محددة لصالح تلك الدول مقابل الدعم المادى واللوجستى الذى يتم تقديمه لتلك العصابات الإرهابية.
وعودًا إلى بدء.. فإن ما أعلنه المتحدث الرسمى بالخارجية الأمريكية عن وجود الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة فى إيران يدل على حالة التخوف الذى يعترى الولايات المتحدة الأمريكية من أن يبدأ هذا التنظيم فى توجيه ضربات انتقامية ضدها، للانتقام منها بعد قيامها بتصفية معظم قادة التنظيم، وعلى رأسهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، خاصة أن الولايات المتحدة قد أعلنت بكل صراحة أنها هى التى قامت بتصفيتهما.. ومن هذا المنطلق، فإن معظم أجهزة الاستخبارات الغربية التى تدور فى فلك الولايات المتحدة الأمريكية سوف تركز فى الفترة القادمة على متابعة أى أنشطة لتنظيم القاعدة خاصة فى القارة الإفريقية وتحديدًا مناطق الساحل وغرب إفريقيا واليمن وشمال سوريا، للتأكد من عدم قيام التنظيم بأى أنشطة له فى هذه المناطق خاصة بعد الإعلان عن تولى سيف العدل زعامة التنظيم لما له من خلفية عسكرية وعلاقات وطيدة مع التنظيمات المتواجدة فى تلك المناطق والتى تدين له بالولاء .. ومن هنا فإننى أتوقع أن نشهد تحركات أمنية على نطاق واسع تتعاون فيها أجهزة الاستخبارات الأجنبية لمواجهة أى أخطار أو مخططات أو ضربات يقوم بها تنظيم القاعدة تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدول التى تدور فى فلكها.
المهم هنا أننا يجب أن ننتبه جيدًا لما أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى وأن نتعاون مع الأجهزة الأمنية فى مصر، للإبلاغ عن أى شخص قد نرى أن تصرفاته وسلوكياته قد خرجت عن النمط السوى والسلوك الوسطى المسالم وذلك حتى يمكن لتلك الأجهزة أن تتعامل معه لإعادته إلى الطريق القويم والبعد عن التعصب والتطرف والتشدد، لكى يكون عنصرًا إيجابيًا فاعلًا فى الحفاظ على أمن واستقرار البلاد، ويسهم فى نهضتها ورخائها وازدهارها.. وتحيا مصر.