«المعادلة الصعبة».. كيف تساعد إسرائيل أوكرانيا دون إثارة غضب «الحليف الروسى»؟
خلال الأسابيع الأخيرة عززت إسرائيل من مساعداتها الاستخباراتية لأوكرانيا، كما نقلت المساعدات العسكرية إليها بصورة غير مباشرة، عبر حلف شمال الأطلنطى «الناتو»، ما يمكن تفسيره بأنه تغير فى السياسة الإسرائيلية لصالح أوكرانيا بعد سياسة «الحياد النسبى» التى اتبعتها إسرائيل منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
ويمثل التغير فى سياسة تل أبيب تجاه موسكو تحديًا كبيرًا لتل أبيب، فى ظل صعوبات استمرارها فى هذا النهج دون إغضاب الروس، ما يحتاج لمزيد من البحث حول الموقف الإسرائيلى من الأزمة الروسية الأوكرانية، وأسباب تغير الموقف الإسرائيلى فى الفترة الأخيرة، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية:
تقديم مساعدات عبر «الناتو» للتأثير على إدارة بايدن الغاضبة من نتنياهو
فى نهاية نوفمبر الماضى، زار وفد عسكرى أوكرانى إسرائيل طلبًا للتزود بالأسلحة والمضادات الدفاعية الجوية، وفق ما كشفه لاحقًا التليفزيون الإسرائيلى الرسمى.
وقالت صحيفة «هآرتس» بعدها إن إسرائيل وافقت على تمويل وشراء ما وصفته بالمواد الاستراتيجية لصالح المجهود الحربى الأوكرانى، وتم نقلها عبر دول أعضاء فى حلف شمال الأطلنطى بضغط من الإدارة الأمريكية، التى طالبت تل أبيب بعدم قصر دورها على المساعدات الإنسانية، وتلى ذلك مباحثات روسية إسرائيلية، حذرت فيها موسكو من مغبة دعم تل أبيب كييف بالأسلحة.
ومثل الأمر تغيرًا فى الموقف الإسرائيلى المعلن منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة أن إسرائيل تبنت موقفًا حذرًا سعيًا للحفاظ على العلاقات مع موسكو، ورفضت طلبات متكررة من أوكرانيا بتزويدها بالأسلحة الثقيلة، بما فيها أنظمة الدفاع الجوى والمعدت العسكرية، وامتنعت أيضًا عن الموافقة على فرض عقوبات اقتصادية على روسيا.
ولكن منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى مكتب رئيس الوزراء، ظهر بشكل واضح ذلك التغير فى السياسة الإسرائيلية حيال أوكرانيا، وبدأ ذلك بتصريحات علنية لـ«نتنياهو»، قال خلالها إنه سيعكف على دراسة إمكانية إمداد أوكرانيا بالسلاح تماشيًا مع مراعاة مصالح إسرائيل. وأوضح «نتنياهو» أن مسألة إمدادات السلاح تم بحثها ورفضها من قبل الحكومة الإسرائيلية السابقة، فى إشارة لحكومة رئيس الوزراء يائير لابيد، مضيفًا: «سأدرس هذا الموضوع وسأجيب عنه بأكثر الطرق ملاءمة».
ويرى المراقبون أن هناك عدة أسباب وقفت خلف التغير فى السياسة الإسرائيلية، أولها يتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، الذى أعلن أثناء حملته لخوض الانتخابات، التى أجريت فى نوفمبر الماضى، عن أنه سيساعد أوكرانيا بشكل أكبر إذا نجح فى تشكيل الحكومة. وفى فبراير، أعلن نتنياهو عن أن تل أبيب تدرس تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوى من منظومة القبة الحديدية، وردت روسيا بإبداء انزعاجها، وهددت برد انتقامى فى حال تسليم إسرائيل أسلحة إلى أوكرانيا.
وفسر البعض تصريحات نتنياهو حول إرسال الأسلحة إلى كييف بأنها محاولة لإرضاء الإسرائيليين الذين يرغبون فى مساعدة أوكرانيا عسكريًا، لأن، وحسب استطلاعات الرأى الأخيرة، أغلبية الإسرائيليين تؤيد إرسال تلك المساعدات.
فيما أشار آخرون إلى أن موقف نتنياهو يمكن اعتباره نتاج صراعه مع رئيس الحكومة السابق لابيد، وموقفه المحايد من الأزمة فى أوكرانيا. كما أوضح البعض أن هناك سببًا آخر حول علاقة الحكومة مع الولايات المتحدة، خاصة أن هناك رغبة قوية لدى نتنياهو لإرضاء الولايات المتحدة وعدم إغضاب إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، خاصة بعد التصعيد والعمليات الإسرائيلية فى الضفة الغربية فى الفترة الأخيرة، وتقنين ٩ بؤر استيطانية جديدة، ومحاولة تمرير ملف الإصلاحات القضائية، الذى لا توافق عليه واشنطن.
التحجج بالاستياء من تدخل إيران فى الملف ومواجهة المسيرات
إلى جانب الأسباب السابقة، يرى مراقبون أن المساعدة الإسرائيلية لأوكرانيا يمكن اعتبارها ردًا على المساعدة العسكرية التى بدأت إيران فى تقديمها لروسيا، مما سبب استياء إسرائيليًا من تصاعد التعاون بين طهران وموسكو.
ويأتى ذلك بعد التقارير المعلنة عن تزويد إيران لروسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة، مقابل نقل الروس لصواريخ «جافلين» المضادة للدروع إلى إيران، وسط خشية إسرائيل من نقل هذه الصواريخ إلى «حزب الله» اللبنانى وحلفاء النظام الإيرانى فى المنطقة.
وأوضحت تقارير إعلامية أن إسرائيل وافقت على شراء مواد استراتيجية بملايين الدولارات من أجل أوكرانيا، وتم تمرير هذه المواد من خلال دولة عضو فى حلف «الناتو»، كما وافقت تل أبيب على السماح لدول الحلف بتمرير أسلحة، تشمل معدات إلكترونية وأدوات تحكُّم بالنيران من صناعة شركات إسرائيلية، إلى الأوكران.
وكانت إسرائيل قد وقّعت اتفاقية منذ سنة ١٩٩٤ تمنحها مكانة «شريك» فى حلف «الناتو»، وهى المكانة التى تسمح لها بتعيين سفير وملحق عسكرى، والمشاركة فى التدريبات الجوية والبحرية للحلف فى دول البلطيق والجبل الأسود والمحيط الهندى. ولذا، وفى مواجهة المسيّرات الإيرانية التى لعبت دورًا مهمًا فى الحرب بأوكرانيا خلال الشهور الأخيرة استخدمت إسرائيل ما تملكه من بنك معلومات كبير عن تلك المسيّرات الإيرانية، تم بناؤه على مدار أعوام فى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ومررت معلومات مفصلة عن أنواع المسيّرات الإيرانية إلى «الناتو» والأوكران، وبصورة خاصة المسيرة الانتحارية «شاهد ١٣٦».
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن مسئولين أمريكيين وإسرائيليين قولهم إن واشنطن تستخدم مخزوناتها الكبيرة فى إسرائيل لإمداد أوكرانيا بقذائف المدفعية، وأن نحو نصف القذائف، التى يصل عددها إلى ٣٠٠ ألف قذيفة والمخصصة لأوكرانيا، تم شحنها من إسرائيل لأوروبا لتسليمها لبولندا ومن ثم لأوكرانيا. وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل أعربت فى البداية عن مخاوفها من أن ينعكس ذلك على العلاقات مع روسيا، مشيرة إلى أن مخزون الذخيرة الأمريكية فى إسرائيل يعود إلى حرب ١٩٧٣، عندما نقلت واشنطن معدات عسكرية جوًا إليها، وبعد الحرب أقيمت مخازن هناك لاستخدامها فى حال اندلاع أى أزمة بالمستقبل.
مناورة ادعاء التوازن عبر استمرار التواصل مع الروس وتقديم المساعدات للأوكران فى الوقت ذاته
فى الخطاب الذى ألقاه وزير الخارجية الإسرائيلى الجديد، إيلى كوهين، أثناء تسلمه منصبه، ألمح كوهين إلى أن إسرائيل ستغير سياستها حيال روسيا، وقال إنه ينوى التحدث مع وزير الخارجية الروسية سيرجى لافروف، الأمر الذى لم يفعله أبدًا مَن سبقه فى هذا المنصب، وهو يائير لبيد، كما قال أيضًا إن إسرائيل يجب عليها التحدث بصورة أقل علنية عن الحرب فى أوكرانيا. وسارع كوهين إلى بدء منصبه بمحادثات هاتفية منفصلة مع وزيرى خارجية الولايات المتحدة وروسيا، وردًا على ذلك أعرب السيناتور الأمريكى الجمهورى ليندسى جراهام، «المقرب لإسرائيل»، عن معارضته لهذا التصريح، ولإجراء المكالمة بين وزير الخارجية الإسرائيلى مع نظيره الروسى. وفسَّر بعض المراقبين تصريحات كوهين، والمكالمة المثيرة للجدل، بأنها ليست من تلقاء نفسه، بل هى مناورة من نتنياهو لإضفاء نوع من التوازن على الموقف الإسرائيلى حيال روسيا، خاصة أن ثمة علاقة جيدة وصداقة خاصة تربط بين نتنياهو والرئيس الروسى فلاديمير بوتين. وأشار إلى أن نتنياهو سيواصل الحفاظ على العلاقات مع البلدين، فى ظل سعى إسرائيل لضمان استمرار نشاط عمل الوكالة اليهودية فى روسيا، التى ترعى الآلاف من اليهود. وأضح أن أى محاولة من قبل إسرائيل لاستفزاز روسيا ستنعكس سلبًا على التفاهمات الأمنية بشأن حرية عمل إسرائيل العسكرى فى سوريا، خاصة أنّ الروس يحتفظون بقوة عسكرية فى سوريا، الأمر الذى قد يؤدى إلى تعزيز النفوذ الإيرانى، ويسرع نقل شحنات الأسلحة من طهران إلى «حزب الله». وأكد أن نتنياهو يفهم أن من مصلحة إسرائيل أن تفتح خطًا للتواصل مع روسيا، لأن المصالح معها لا تزال موجودة، وذلك دون التخلى أيضًا عن تقديم المساعدات إلى أوكرانيا.