«لآدم سبع أرجل».. ثنائية الكلاسيكية والتجريب فى رواية واحدة
بشخصيات تعبّر عن الإنسان الرابض بين السلطة والقمع تشيد الروائية والقاصة المصرية دعاء إبراهيم روايتها «لآدم سبع أرجل»، الصادرة عن «منشورات الربيع»، منطلقة من ثنائية الإنسان/السلطة، وخالقة نصًا يقوم بناؤه على تحويل الفلسفة إلى حدث حى، والرمز إلى مشهدية روائية، وجمل حوارية بين الشخصيات وبعضها كنظرة محدودة للشخصية أو، حتى، بين الشخصيات المحدودة وبعضها، والتى تخلق رؤية متعددة الزوايا للنص وفلسفته؛ فالأصوات السردية متعددة.
رواية تخلق من المكان عنصرًا حياديًا لا يخلق تأثيرًا بقدر ما يخلق رمزًا وساحة لعرضه.. ضيق المكان ووصفه، أيضًا، يوفر فكرة السلطة؛ حيث السجن والمصنع الضيق والبيت القابع به الأب. السلطة هنا هى السؤال الذى تنطلق منه مفردات الفلسفة وأسئلة النص وبناؤه الدرامى. السلطة بكل أشكالها وطبقيتها، بداية من السلطة الأبوية حتى الإلهية مرورًا بكل أشكال السلطة.
يطرح النص سؤال السلطة وكنهها من المنظور العام للفلسفة ومن المنظور الخاص للأوضاع الاجتماعية والسياسية؛ فتتخذ من السلطة الأبوية بابًا للذكورية الشرقية والتشدد الدينى وتأثير السلطة الأبوية، ككل، وتتخذ من السلطة الحاكمة، الممثلة هنا فى السجن والكمين، بابًا ورمزًا للحياة السياسية.
تقبع الرواية بين ثنائية التجريب/الكلاسيكية فى كل ثناياها وتفاصيلها، بداية من الجمع بين النص المسرحى وتقديم الرمز الفلسفى لاسم «آدم» معبرًا عن الإنسان، ومتخذًا من كل العناصر فى النص، حتى العنكبوت وهو العنصر الأهم، ما يعكس لـ«آدم» كينونته وفلسفته وسجيته، التى تنطلق من سؤال السلطة لتشمل كل أسئلته، وتقدم الرموز بنظرة المجرب العائش فى «ما بعد الحداثة»؛ فيظهر التجريب والجمع بينه وبين الكلاسيكية كعنصر أساسى للبنية الروائية لهذه الرواية. أيضًا، يظهر النص المسرحى وبناؤه بشكل واضح فى النص، كذلك البنية القصصية، وهو ما يؤكد على التجريب وثنائية التجريب/ الكلاسيكية.
وعلى ذلك النهج تتخذ من كل العناصر أداة للتعبير عن فلسفتها وثنائيتها، ولبناء نص يحمل من التجريب والكلاسيكية الكثير. تتخذ دعاء إبراهيم من عنصر الفن عنوانًا للتعبير عن الفلسفة؛ فتكون أغنية «بعيد عنك» لأم كلثوم وألحان بليغ حمدى هى العنصر الفنى الأساسى لتأويل الفن، الذى هو الرواية هنا المتأثرة بالكتابة المسرحية والقصصية.. تصيغ «بعيد عنك» ثنائية الإنسان/ القدر، والإنسان/العشق، والإنسان/الفقد، والإنسان/المواجهة، وغيرها منطلقة من نقطة السلطة.
وتحت ثنائية الكلاسيكية والتجريب يأتى السرد، الذى يتخذ من تعدد الأصوات السردية لوحة لبناء ملحمة كائنة فى عدد قليل من الصفحات والمشاهد الروائية. الكلاسيكية فى حد ذاتها فى السرد تجريب؛ حيث الكلاسيكية فى الكتابة المسرحية، والكلاسيكية فى بناء شخصية السجان الذى فقد ابنه، وما ينبع من رموز فلسفية منه، مثل القمع والفراق والإنسان الذى يولد فى سجن؛ فهو هذا النص الذى يكتب عن السجن.
التجريب، أيضًا، يظهر فى تقنية الإيهام. تسرد الكاتبة، حتى بمنظور الراوى العليم، من نظرة الشخصية، فنرى فلسفتها وحياتها وما يطرأ عليها من أحزان وأحلام وأفراح وأتراح.
ولأن النص الروائى وحدة فنية تعبر بالضرورة عن ذاتية كاتبها، وهى بالضرورة رمزية، فإن هذا النص هو التمثيل الصريح والواضح للرمز الفلسفى وموقعه من النص الروائى.
الشخصيات فى هذا النص الروائى بعبثيتها وتقديمها للفلسفة وتمثيلها لأهم جوانب النص، وهو الفلسفة وثنائية الكلاسيكية/التجريب، وهم العنصران اللذان يبنيان أهم جوانب البنية الروائية للنص، هى المحرك الرئيسى للفلسفة؛ حيث الفلسفة تسيطر عليهم وهم يحولونها لأحداث أدبية حية. أيضًا، فكرة التناسخ التى تخلق حالة من عرض الفلسفة بشكل أدق، وعرض النص من زوايا فنية مختلفة معتمدة على الشخصيات.
ولذلك تعرض الكاتبة التصاعد الدرامى للأحداث بشكل لا يقتصر على الزمن بقدر ما يعتمد على مشاعر الشخصيات، فالزمن لا يمثل العنصر الأهم هنا؛ بل الشخصيات والفلسفة والمشاعر. مشاعر الشخصيات تتغير، فيتصاعد الحدث والفلسفة ويظهر البناء الدرامى وتصاعد الأحداث فى نص دعاء إبراهيم هذا.
نص يبحث عن الإنسان فى السجن والسلطة، ويعبر عن الأدب بالتخييل والتأويل.