أستاذ ورئيس قسم.. للأسف!
الجامعة، بوصف الدكتور طه حسين، «لا يتكون فيها العالِم وحده، وإنما يتكون فيها الرجل المثقف المتحضر الذى لا يكفيه أن يكون مثقفًا بل يعنيه أن يكون منتميًا للحضارة، فإذا قصّرت الجامعة فى تحقيق خصلة من هاتين الخصلتين، فليست خليقة أن تكون جامعة، وإنما هى مدرسة من المدارس المتواضعة وما أكثرها، وليست خليقة أن تكون مشرق النور للوطن الذى تقوم فيه، والإنسانية التى تعمل لها». وما بين التنصيص ننقله من كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر»، الصادر منذ ٨٥ سنة.
قطعًا، لم يقرأ هذا الكتاب، أو غيره، ذلك الذى وضع على باب مكتبه ورقة تقول الآتى: «إعلان هام لجميع للطلاب.. ممنوع مرور الطلاب من أمام مكتب السيد الأستاذ الدكتور رئيس مجلس القسم منعًا للمسائلة القانونية»، وهى الورقة التى تكشف بوضوح عن استمرار معاملة بعض أعضاء التدريس بالجامعات للطلبة بشكل سيئ، بغض النظر عما بها من أخطاء إملائية، لا يقع فيها حاصل على الابتدائية، ويستحق عنها رئيس قسم القوى الميكانيكية بهندسة شبين الكوم، «المساءلة» الأكاديمية، والتشكيك فى صحة ما تضمنته سيرته الذاتية، التى قال فيها إن «اللغة العربية» هى لغته الأم، وإنه يجيد الإنجليزية، تحدثًا وكتابة!.
حتى يصبح عضو هيئة التدريس فى الجامعات المصرية أستاذًا، يمر بأربع مراحل: معيد، مدرس مساعد، مدرس، وأستاذ مساعد. ومع أن الموقع الرسمى لجامعة المنوفية يقول إن المذكور، واسمه بالكامل إسماعيل محمد صقر السيد، لا يزال فى المرحلة الرابعة، «أستاذ مساعد»، إلا أنه ربما يكون قد حصل على الأستاذية منذ فترة قصيرة، أو قصيرة جدًا. إذ إن المولود فى ١٨ سبتمبر ١٩٧٣، حصل على بكالوريوس الهندسة، سنة ٢٠٠٠، وبعد ٨ سنوات حصل على درجة الماجستير، وصار مدرسًا مساعدًا، وبعد ست سنوات أخرى، تحديدًا فى فبراير ٢٠١٤، نال درجة الدكتوراه، وأصبح مدرسًا. وعليه، يمكنك استنتاج أنه تخطى تلك العتبة، وترقى إلى أستاذ مساعد فى منتصف السنوات التسع الماضية، ثم صار أستاذًا منذ شهور أو أسابيع!.
يمكنك أيضًا، أن تستنتج بسهولة مستواه العلمى، أو الأكاديمى، من الفاصلين الزمنيين الطويلين، نسبيًا، بين تخرجه فى الكلية، وحصوله على درجتى الماجستير ثم الدكتوراه. وبحسبة بسيطة، ستعرف أنه تخلّف سنتين دراستين، على الأقل، عن أقرانه، أو زملائه، نرجّح أن إحداهما، راحت فى الثانوية العامة، إما رسوبًا أو لرغبته فى تحسين مجموعه، حتى يتمكن من الالتحاق بكلية الهندسة!.
المهم، هو أن موجة الاستياء، أو القرف، التى أثارتها الورقة، على شبكات التواصل الاجتماعى، دفعت الدكتور أحمد القاصد، رئيس جامعة المنوفية، إلى تكليف عميد الكلية، بالتحقيق فى الواقعة، التى زعم بطلها، إذا جاز وصفه بذلك، «الغرض من اللافتة هو عدم مرور الطلاب أثناء انعقاد الاجتماعات؛ منعًا لإحداث الطلاب حالة من الهرج أثناء مرورهم، دون الالتفات إلى مراعاة الآداب العامة»، طبقًا لما نقلته عنه زميلتنا فى جريدة «الشروق»، مروة حماد، التى نقلت، أيضًا، ادعاءه بأن مكتبه مفتوح للجميع، وأنه يستمع للطلاب يوميًا، وكذلك لأعضاء هيئة التدريس، ويتواصل معهم بشكل مباشر!.
حال قبول هذا التبرير، غير المنطقى أو الساذج.. وإذا انتهى التحقيق، دون عقاب رادع، لن تفشل الجامعة، فقط، فى تحقيق الخصلة الثانية، التى تحدث عنها عميد الأدب العربى، منذ ٨٥ سنة، بل ستكون، أيضًا، بعيدة، كل البعد، عن أولى، وأهم، أولويات دولة ٣٠ يونيو، أو الجمهورية الجديدة، التى تسعى إلى تحقيقها، منذ تسع سنوات، بالتعليم، وبغيره: بناء الإنسان، وصياغة شخصية المواطن بالشكل الذى يجعله قادرًا على حماية بلاده، وعلى أن يخوض معركتى البقاء وبناء مستقبل أفضل له وللأجيال المقبلة.
.. وأخيرًا، نعتقد أنك قد تضحك، حتى تدمع عيناك، حين تجد فى السيرة الذاتية للمذكور، الذى يسىء معاملة طلابه، أو لأى «أستاذ دكتور» فى كلية الهندسة، أن لديه «مهارات فى الكمبيوتر» من بينها إجادة التعامل مع «برنامج الويندوز» وميكروسوفت أوفيس: وورد، إكسيل وباور بوينت!.