سوريا فى القلب
شهدت الدبلوماسية المصرية مؤخراً تحركات غير مسبوقة على كل الأصعدة السيادية والسياسة والاقتصادية وجميعها تؤكد أن الدولة المصرية لها الدور الريادى المؤثر فى المنطقة العربية بصفة خاصة وعلى الساحتين الدولية بصفة عامة.
إلا أن اتصال الرئيس عبدالفتاح السيسى بالرئيس السورى بشار الأسد فى أعقاب ذلك الزلزال المدمر الذى أصاب الشمال السورى ثم زيارة رئيس مجلس النواب حنفى جبالى ضمن وفد البرلمان العربى وأخيراً تلك الزيارة المهمة التى قام بها وزير الخارجية سامح شكرى- شكلت منعطفاً بالغ الأهمية يدفع بالسياسة المصرية أن تتعلق بها قلوب العرب ويجدون فيها ذلك الأخ الأكبر الذى طالما كان فى المقدمة لإغاثة أى دولة عربية تتعرض لأى أزمة أو طارئ أو اعتداء خارجى حتى ترد عنه ذلك بكل التجرد والعروبية الموجودة لدينا منذ الأزل .
كان الموقف المصرى تجاه الشقيقة سوريا سبباً فى أن يعيد المجتمع الدولى النظر فى مواقفه السياسية تجاهها ويدرس اتخاذ قرارات إنسانية لمعاونة الشعب السورى بغض النظر عن الموقف الدولى تجاه النظام الحاكم هناك.
شاءت الظروف أن ألتحق بالعمل بالسفارة المصرية فى دمشق لعدة سنوات عاصرت فيها الفترة الأخيرة من حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد والفترة الأولى من رئاسة بشار الأسد وقد شاهدت بنفسى تلك المحبة التلقائية لكل ما هو مصرى فقط لمجرد أنه مصرى الجنسية وتلك المعاملة المتميزة التى يختص بها المواطن السورى شقيقة المصرى دون سابقة معرفة .. لعل ذلك هو ما كان السبب الرئيسى لمعاملة الشعب السورى الأصيل للمهاجرين السوريين الذين تركوا بلادهم إبان الحرب الأهلية السورية عام 2011 ونزحوا إلى مصر بالملايين حيث وجدوا الأمن والأمان بها وبدأو فى ممارسة نشاطهم التجارى كما لو كانوا فى بلادهم وحققوا نجاحات كبيرة حيث أصبحت المصانع والمطاعم السورية محل أنظار المصريين من جميع الأعمار خاصة الشباب بل إن هناك العديد من تلك المصانع تقوم بتشغيل عشرات المصريين لديهم فلا تستطيع التفرقة بين المصرى والسورى فى هذه الأماكن ... ومن الواضح أن الرئيس بشار الأسد يثمن ذلك تماماً خاصة عندما نوه إلى أن مصر لم تعامل السوريين الذين استقروا فيها كلاجئين بل احتضنهم الشعب المصرى فى جميع المناطق مما يؤكد عمق الروابط التى تجمع بين الشعبيين والأصالة التى يمتلكها الشعب المصرى ووجه الشكر إلى مصر وشعبها العظيم على استضافة وحسن معاملتهم للسوريين النازحين اليها كأشقاء.
وعلى الرغم من أن الاتصال الذى قام به الرئيس عبد الفتاح السيسى وتلك الزيارات التى تمت من قبل المسئولين المصريين إلى سوريا تحمل طابعاً إنسانياً بالدرجة الأولى فإنها فتحت المجال لإعادة النظر فى العلاقات العربية - العربية بشكل عام والعلاقات المصرية – السورية بشكل خاص بحسبان أن ذلك يعتبر مطلباً شعبياً دائماً إلا أن الموقف المصرى الرسمى يتميز بالاتزان وعدم الاندفاع إلى الإعلان عن موقف سياسى داعم للنظام السورى، حيث إن الانقسام السياسى الداخلى فى سوريا ما زال هو سيد الموقف لأنه فصل بين أبناء الشعب الواحد حتى فى وقت الزلزال... إلا أن ذلك الموقف الإنسانى يقيناً من الممكن أن يكون مدخلاً لتحسين العلاقات بين سوريا ودول العالم المختلفة وفى مقدمتها الدولة المصرية.
الواقع أنه لا توجد خلافات مباشرة بين القاهرة ودمشق فى أى قضية من القضايا التى تتعلق بالأمن القومى العربى بل بالعكس فإن النظام السورى حالياً يقوم بتوجيه ضربات أمنية متلاحقة لعناصر تنظيم داعش الذى يتواجد فى بعض المحافظات السورية مثل محافظة إدلب والحسكة وحققت نجاحات كبيرة فى القضاء على أعداد كبيرة منهم واحتواء عائلاتهم ومحاولة دمجهم مرة أخرى فى المجتمع السورى المعتدل، وهى ذات السياسة التى تنتهجها مصر تجاه العناصر المتطرفة التى يتم القضاء عليها أو إيداعها فى المؤسسات العقابية، بيد أن مصر بحكم وضعها السياسى الدولى ترى أن إعادة العلاقات الكاملة مع سوريا يجب أن تتوازى مع تغيير رؤية المجتمع الدولى للنظام السورى الحاكم حالياً... ومن هنا فإننى على يقين أن مصر سوف تكون من أولى الدول التى سوف تعيد علاقتها الكاملة مع سوريا .. أما عن تلك العلاقات التى تربط شعبى الدولتين المصرية والسورية فهى علاقات تاريخية مرتبطة بأحلام الوحدة العربية وانتصارات أكتوبر 1973 وبالفن العربى الأصيل والمطاعم والمصانع التى يعمل فيها المصرى بجانب شقيقه السورى وذلك الاحترام الذى يلقاه المواطن السورى وهو يقيم فى بلده الثانى مصر معززاً مكرماً وهو ما يجعلنا نأمل أن تعود سوريا فى أحضان الوطن العربى بعد إعادة ترتيب بيتها من الداخل بما يحقق العدالة والمساواه بين أفراد شعبها بالكامل ... ودائماً سوريا فى قلب كل مصرى.. وتحيا مصر..