«أيام الشمس المشرقة».. ميرال الطحاوى تنطلق من الإسقاطات والرموز إلى رحابة الفلسفة والبحث عن الإنسان
- تطرح الرواية الطبقية كوضع اجتماعى وإسقاط ورمز يبنى خريطة جغرافية
- يحلق السرد على تفاصيل المكان الجغرافى ويصفه بين طيات أوراق النص فيخرج به لصورة موازية للواقع
- خط «نجوى» السردى هو تمثيل لكل الرموز والأسئلة الفلسفية التى طرحتها الكاتبة فيما ورد قبله
تشيد ميرال الطحاوى فى رواية «أيام الشمس المشرقة»، الصادرة عن دار «العين»، والمرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، بيئة جغرافية تطرح ثنائية الإنسان/المكان، وتخلق شخصيات تتأثر به وتؤثر فيه وتعبر عن كنهه ورمزه.. شخصيات هى السؤال الأهم للنص، سؤال معاناة الإنسان فى كل زمان وكل مكان، وسؤال عن سجية الإنسان، وسؤال عن معالم الحياة المعاصرة، وبالأخص فى البيئة الشرقية، بداية من علاقة الإنسان بالدين فى بلادنا، وانطلاقًا إلى الإنسان ومعاناة الإنسان المعاصر مع قضاياه، مثل: الفقر والجنس والطبقية والزواج والجهل والرأسمالية والعبودية القاطنة فى غيابة المعاناة، والزحف إلى طبقة أعلى.. لكنه زحف يلاقى بالقتل أو التأكيد على أنهم مجرد عبيد عند أسياد.
تبنى الرواية بناءً فلسفيًا ينطلق من الإسقاطات والرموز السياسية والاجتماعية، والتعبير عن الفقر والطبقية إلى رحابة الفلسفة والبحث عن الإنسان؛ ليعبر النص عن ثنائية الإنسان/الموت، الإنسان/الماضى، الإنسان/الزمان، الإنسان/الحب، الإنسان/الحنين، الإنسان/القدسية والدين، الإنسان/الدين، وعن طريق هذه الثنائية تتناول سؤال الهوية.. هوية شخصيات واقعية تتخذ الإنسان كوسيلة للتعبير عن الإنسان والإنسانية، وكهدف للفن.. شخصيات تبنى لها الكاتبة المصرية ميرال الطحاوى أبعادًا نفسية واجتماعية.
تطرح الرواية الطبقية كوضع اجتماعى، وإسقاط ورمز يبنى خريطة جغرافية ومن هذه النقطة تنطلق للثنائيات الفلسفية، ورحابة الفلسفة وأسئلة الإنسان، لذلك يطرح النص ضمن خطوطه السردية علاقة الإنسان بالوضع الاجتماعى واجترار ذكريات الماضى، ومحاولة التشبث بوضع أفضل، مما يطرح السؤال الأكبر عن الإنسان ووضعه من المجتمع.
وعلى موال الفلسفة تبنى «الطحاوى» عالمًا تربض به شخصياتها، متأثرة بالبيئة الجغرافية وبالماضى، وتطرح هذه الشخصيات فلسفة وفطرة وأسئلة، حتى تصل للحيوانات، مثل القطة «لوسى»، التى تعبر عن علاقة الإنسان بالوحدة والعشق، وهى العلاقة التى تطرحها شخصيات مثل: «نعم» و«أحمد الوكيل»، فتبنى ميرال الطحاوى بناءً فلسفيًا يستخدم كل عناصر النص للتعبير عنه، ويخلق الفلسفة على عدة مستويات، مثل السجية والأسئلة الإنسانية والإسقاط على الواقع.
من أهم ما يقوم عليه البناء الروائى لهذا النص هو الصدق الفنى. يحلق السرد بنظرة الراوى العليم على الشخصيات، وأهمها «نعم الخباز»، الرابضة فى بيئة جغرافية تسمح لها بالتعبير عن السجية البشرية، والأوضاع الاجتماعية، وتحمل من الذكرى والحكايات ما يبنى سردًا موازيًا للحاضر الروائى، وشخصيتها تبعث على خلق علاقات اجتماعية تعطى للنص ميزة العلاقات الإنسانية، التى ينبثق من خلالها العنصر الثانى فى البناء الروائى، وهو العلاقة الإنسانية التى تولد شخصيات تصنع حكايتها وتنسج من خلالها الرموز والحياة والإنسان.
تستخدم ميرال الطحاوى تقنية التشويق النابع من البناء الدرامى، وتعرية الشخصيات وبواطن ماضيها، وثنايا نفسها وفلسفتها، وتخلق تكنيكًا سرديًا يقوم على اشتقاق حكاية من شخصية، بفعل العلاقات الإنسانية؛ حيث يخرج كل مشهد بين «نعم» وشخصية روائية جديدة بخط سردى جديد يقدم رؤية جديدة للنص؛ فاستحضار الذاكرة وتعرية ما يقطن بها من ماضٍ يمثل علاقة الإنسان بالماضى وتأثيره عليه يخلق حالة من التشويق الدرامى.
يحلق السرد على تفاصيل المكان الجغرافى، ويصفه بين طيات أوراق النص، فيخرج به لصورة موازية للواقع، صورة تصف الواقع برمز فلسفى وسياسى واجتماعى.. هذا الوصف الذى يخلق شخصيات تعبر عن الإنسان وأماكن تعبر عن الأوضاع؛ فالتفاصيل فى وصف الأماكن، وحتى تأثيرها على قاطنيها، تخلق واقعًا حيًا.
مع سرد خط «نجوى» السردى، التى تعرفت عليها «نعم الخباز» وحاولت إدخالها إلى جنبات حياتها يطرح النص مزية تظهر فى سرده وهى المشاعر.
تسرد الرواية مشاعر الشخصيات، التى تولد انفعالاتها وأسئلتها الفلسفية، والتى تتحول فى هذا الخط السردى بشكل أوضح إلى تأريخ اجتماعى للمصريين والعرب، وتطرح محاولة الطبقة الأكثر شيوعًا للزحف إلى طبقة أعلى، وهو ما تطرحه «الطحاوى» فى البداية بذكر ما تتمناه «نعم» من أبنائها، ومحاولاتها أن تكون فردًا من طبقة اجتماعية جديدة.
تمثل ميرال الطحاوى تطور علاقة المصريين بالدين والاغتراب بعد الانفتاح، وموقع الإنسان من مجتمعه، ككل، وتبنى تاريخًا اجتماعيًا للمصريين.
خط «نجوى» السردى هو تمثيل لكل الرموز والأسئلة الفلسفية التى طرحتها الكاتبة فيما ورد قبله، وهو أيضًا تضييق لمحيط السرد، ليقف فى نقطة معينة تخرج من خلالها إلى الفلسفة وثنائيتها، وهى «التأريخ الاجتماعى»، والنظر فيما يربض بنفس المصريين، وبالأخص الطبقة الوسطى، من هموم، ومن هذه النقطة تخرج ثانية للتعبير عن الإنسان، سواء بالطريقة الموجودة بالفعل فى النص أو بطرق جديدة لتقديم الرمز، مثل ظهور السيمائية بشدة فى هذا الخط السردى؛ فتظهر العلامات واللوحات للتعبير عما تسقط عليه الكاتبة، مثل ظهور لوحات إيروتيكية فى صومعة «يوسف الأزهرى»، والكتابة عن اللوحات الاستشراقية.
تبنى الشخصيات بجانب نفسى وتأريخ يعبر عما يحلق به النص إلى سماء الفلسفة والواقعية.
الشخصيات فى هذا النص، بتعددها وخروجها من نبع تولد الشخصيات وهى «نعم الخباز»، هى العنصر الأساسى للبناء، ولذلك فإن بناءها قام على رؤية فلسفية وواقعية للعالم والمجتمع والإنسان، وكانت العنصر الأساسى لبناء النص، الذى يبنى المعاناة كواقع وكتمهيد للفلسفة.