تصعيد مخطط.. نتنياهو وأجهزة الأمن الإسرائيلية يدفعون باتجاه معاقبة السلطة الفلسطينية
ينذر تصاعد وتيرة الصدام بين السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس «أبومازن»، وسلطات إسرائيل بقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بالدخول فى نفق مظلم، قد يؤدى فى آخره إلى انفجار الأوضاع والفوضى التى لن يخرج أى طرف منها منتصرًا.
بدأ الصدام بين الطرفين بلجوء السلطة الفلسطينية لمحكمة العدل الدولية لإبداء رأيها بشأن التبعات القانونية لاحتلال إسرائيل الأراضى الفلسطينية قبل ٥٥ عامًا، حيث قوبلت هذه الخطوة بقرار إسرائيلى باستقطاع جزء من أموال الضرائب التى تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية، وتفاقم التصاعد بين الجانبين بإعلان «أبومازن» وقف التنسيق الأمنى، فما مستقبل العلاقات بين الجانبين؟ وما التقديرات التى تحكم سلوك كل طرف فى إدارة هذا الصراع؟ هذا ما نسعى للإجابة عنه فى التقرير التالى.
الاحتلال استقطع 39 مليون دولار من أموال السلطة لتعويض أسر ضحايا العمليات الفدائية
كان واضحًا منذ اليوم الأول لحكومة «نتنياهو» أن الصدام سيكون عنيفًا بين رام الله وتل أبيب، بعد أن تقدمت السلطة الفلسطينية بطلب إلى محكمة العدل الدولية فى لاهاى لبحث «شرعية الاحتلال الإسرائيلى»، ثم جاء الرد الإسرائيلى على الخطوة بأن الحكومة الحالية لن تستقبل الحرب السياسية والقضائية للسلطة الفلسطينية ضد دولة إسرائيل مكتوفة اليدين، وسترد بكل ما يلزم.
وبعد أيام قليلة، أعلن الكنيست الإسرائيلى عن سلسلة من العقوبات الجماعية، منها تجميد خطة بناء للفلسطينيين فى المنطقة ج، واقتطاع ١٣٩ مليون شيكل «نحو ٣٩ مليون دولار» من أموال السلطة الفلسطينية من أجل تعويض أسر الضحايا الإسرائيليين الذين قُتلوا فى هجمات فلسطينية.
كذلك سحب بطاقات العبور إلى إسرائيل من كبار رجالات السلطة ممن أيدوا اقتراح اللجوء لمحكمة العدل الدولية، وإقرار حزمة عقوبات ضد الفصائل فى الضفة الغربية ممن تعتبرها إسرائيل «معادية».
وبعد العملية العسكرية الإسرائيلية فى معسكر جنين للاجئين التى أدت إلى مقتل ١٠ فلسطينيين، أعلنت السلطة الفلسطينية عن وقف التنسيق الأمنى، تلى ذلك جملة خطوات إسرائيلية عنيفة، منها شرعنة ٩ بقع استيطانية فى الضفة الغربية.
رغم الضجيج، والتصريحات شديدة اللهجة بين الجانبين إلا أنه فى الكواليس دارت العديد من المشاورات، إذ تحدث كبار المسئولين الإسرائيليين مع كبار المسئولين فى السلطة الفلسطينية المقربين من «أبومازن» لخفض التصعيد، ودفع فى هذا الاتجاه وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، الذى أجرى العديد من المباحثات فى هذا السياق فى محاولة لإعادة التنسيق الأمنى ورأب الصدع.
رغم الخطوات الإسرائيلية العنيفة إلا أن تل أبيب أكدت للسلطة الفلسطينية أنها ليست معنية بالتصعيد، وليس لديها نية لإضعاف أو حل السلطة، لكن المحيطين بـ«عباس» أكدوا انزعاجه من التحركات الإسرائيلية.
الضغوط الاقتصادية وزيادة وتيرة المداهمات والاعتقالات تنذر بانفجار الأوضاع فى الضفة
بالنسبة للسلطة الفلسطينية فإن أزمتها مع حكومة إسرائيل تتعلق بمسارين: الأول اقتصادى والآخر أمنى، حيث كشفت مصادر فلسطينية لصحيفة «إسرائيل اليوم» عن الغضب المتأجج داخل أروقة السلطة بسبب سلسلة الإجراءات التى أقرها المجلس الوزارى المصغر للشئون الأمنية والسياسية «الكابينت»، وأبرزها ما يتعلق باقتطاع أموال التعويضات من الأموال المخصصة للسلطة.
يرى الجانب الفلسطينى أن الخطوات الإسرائيلية تفاقم الضغوطات الاقتصادية التى يئن من قسوتها شريحة عريضة من الفلسطينيين ممن يكويهم غلاء المعيشة والارتفاع الجنونى للأسعار نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية والمشكلات الأصلية بالداخل، وأبرزها أن غالبية الموظفين العموميين فى السلطة الفلسطينية ورجال جهاز الأمن تلقوا نحو ٨٠٪ من رواتبهم فى السنة الأخيرة، فيما هدد بعضهم بتنظيم احتجاجات والدخول فى إضرابات بسبب ذلك، ومن المتوقع أن تزداد حدة الأزمة بعد العقوبات الإسرائيلية، ما يعنى أن احتمالية خروج الفلسطينيين إلى الشوارع تبقى قائمة ومطروحة بقوة.
وبالنسبة للمسار الأمنى، فإن السلطة الفلسطينية تنظر إلى أى تحرك إسرائيل عسكرى، خاصة حملات الاعتقالات والمداهمات داخل الضفة الغربية، على أنه تهديد حقيقى لمكانتها بين الجماهير، حيث تظهرها بمظهر العاجز المستكين، الأمر الذى يهدد بفقدانها السيطرة على الضفة وخلق مساحات أوسع لنشاط حركتى حماس والجهاد الإسلامى تحت غطاء حماية الضفة فى ظل ارتخاء أو انفلات قبضة السلطة.
اليمين المتطرف يساعد على التصعيد.. وأجهزة الأمن ترفض وتؤكد أهمية منع الانزلاق إلى الفوضى
داخل أروقة القيادة فى تل أبيب هناك أزمة حقيقية وانقسامات بين أعضاء الحكومة بشأن كيفية التعامل مع السلطة الفلسطينية، حيث تدفع الأحزاب المتطرفة مثل حزب «القوة اليهودية» باتجاه ممارسة المزيد من الضغط على السلطة.
بينما يرى «نتنياهو» ضرورة الحذر فى التعامل مع السلطة الفلسطينية، خاصة فى ظل مراقبة المجتمع الدولى والعالم لخطوات الحكومة الإسرائيلية وتعرضها لانتقادات شديدة.
ويخشى رئيس حكومة إسرائيل مع كبار قيادات الأجهزة الأمنية من أن يؤدى التصعيد إلى انهيار السلطة الفلسطينية اقتصاديًا وأمنيًا.
فالقيادة فى تل أبيب، خاصة «نتنياهو»، لديها تخوف من أن تلك الخطوات الخطيرة للحكومة التى تتعلق بالاستيطان والمداهمات فى جنين، قد تؤدى إلى انهيار السلطة الفلسطينية، دون أن تكون إسرائيل مستعدة لليوم التالى، سواء بكل ما يتعلق بالحياة اليومية للفلسطينيين، وهو وضع إسرائيل ليست مستعدة له ولا تريده.
خلال اللقاءات فى رام الله، خصص وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، وقتًا طويلًا لتسليط الضوء على تخوفات الإدارة الأمريكية من مواصلة توجيه الضربات إلى السلطة الفلسطينية، كما سعى للتوسط لدى الرئيس الفلسطينى من أجل إعادة نشر قوات الأمن التابعة للسلطة من جديد فى جنين ونابلس.
وكانت المستويات الأمنية فى إسرائيل قد عبرت بشكل واضح عن خشيتها من قرار السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمنى مع الجيش الإسرائيلى، إذ يرى جهاز الأمن الإسرائيلى أهمية بالغة فى التنسيق المستمر مع السلطة الفلسطينية ومدى فاعليته، على الرغم من ضعف سيطرتها فى بعض المناطق بالضفة الغربية، خاصة الجزء الشمالى فى معسكرى جنين ونابلس.
فقد أكد مسئولون فى تل أبيب أن وجود السلطة الفلسطينية عامل يسهم فى الاستقرار ومهم فى منع حالة الفوضى، خاصة فى ظل الظروف الحالية.
وقال مصدر أمنى إسرائيلى، فى تصريح لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية، إن إلغاء التنسيق الأمنى قبل نحو عام ونصف العام- على خلفية الإعلان عن «خطة القرن» الأمريكية أدى إلى تعميق التنسيق بين حماس والجهاد الإسلامى وتنامى نفوذهما فى مناطق السلطة الفلسطينية- له تداعيات خطيرة على إسرائيل.
حتى هذه اللحظة، لم يتم تطبيق إعلان السلطة وقف التنسيق الأمنى بشكل كامل مع إسرائيل، فلا يزال الطرفان ينسّقان فى القضايا الطارئة، إلا أن القطيعة السياسية بين الطرفين لا تزال كاملة، بينما يتم التنسيق الجزئى عبر قناة اتصال فتحها وزير الأمن السابق، بنى جانتس، مع «عباس»، بينما غالبية الرسائل الأمنية تمرَّر للسلطة عبر منسّق أعمال الحكومة و«الشاباك».
وكشف موقع «واينت» العبرى، عن أن «نتنياهو» تصدى لعدد من الاقتراحات العقابية تجاه السلطة، أكثر قسوة وتطرفًا اقترحها أعضاء فى حكومته، وأنه أكد أهمية التصرف بحذر فيما يتعلق بالعقوبات لئلا تنهار السلطة الفلسطينية، وهو ما لا ترغب به المستويات الأمنية فى إسرائيل.
وأوعز «نتنياهو» إلى الحكومة بتعيين فريق للنظر فى الخطوات الواجب اتخاذها حيال السلطة لكن فى حدود معقولة، على أن يترأس بنفسه الفريق إلى جانب أربعة وزراء آخرين هم وزير الأمن، يوآف جالانت، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الخارجية إيلى كوهين، ووزير الشئون الاستراتيجية، رون ديرمر.
وأكد رئيس الحكومة أن إسرائيل لا تستطيع أن تلحق الضرر بالشعب الفلسطينى والاقتصاد الفلسطينى، لما لذلك من تداعيات خطيرة قد تضر إسرائيل فى المقام الأول.