«قهوة البصاصة».. فاروق فلوكس يحكي مشاهد قديمة من وسط البلد
يحكي الفنان فاروق فلوكس في كتابه الصادر حديثا عن دار صفصافة للنشر والتوزيع تحت عنوان " الزمن وأنا.. مذكرات فاروق فلوكس بين الهندسة والفن والحياة"، عن مشاهد كثيرة من وسط القاهرة.
يقول فاروق فلوكس: "كنت في ميدان عابدين أتعلم كل يوم شيئًا جديدًا، في مكان "عمارة ستراند" الآن، كانت توجد سينما "ستراند" التي كانت تعمل كسينما صيفي ليلًا، كنا نستخدمها نحن أطفال وشباب الحي في تعلم الـ "باتيناج" نهارًا بسبب بلاطها الأملس والمستوي المريح.
بعد ثورة 23 يوليو، باع الخواجات أصحاب السينما دار العرض، وبنيت مكانها عمارة ستراند عام ١٩٥٨، لتصبح من أرقى وأشيك عمارات وسط البلد لتنافس عمارات الإيموبليا ووهبة واللواء وفيلبس، كان من أشهر سكانها الموسيقار محمود الشريف وصلاح ذو الفقار ومحمود فرج والإذاعي إسلام فارس "مقدم برنامج وقال الفيلسوف"، والذي اشتهر في السينما بدور الشيطان في فيلم "هجرة الرسول".
أصبحت "ستراند" أشهر عمارة تضم عيادات الأطباء، وكان من بين تلك العيادات عيادة الدكتور أحمد حسن سعيد زميلي في مدرسة القربية والذي أصبح رئيس قسم أمراض العيون بكلية طب القصر العيني، أسفل عمارة ستراند كان يوجد مقهى يجلس عليه كبار السن لمتابعة النساء حتى سميت "قهوة البصاصة".
كان مجتمع عابدين بحق مجتمع تتعلم منه دون أن تدري بسبب تنوعه الديني والثقافي وتعدد الأصول المحلية والأجنبية، بما يجعل لديك تقبل لثقافة ووعي كل ما يحيط بك.
قرأت أول رواية في حياتي أعطتني إياها صديقة لأختي كانت تسكن بجانب "سوق الاثنين" عندما عرفت أنني أحب القراءة، وهي رواية "حديث عيسى ابن هشام" لمحمد المويلحي، كان أمام هذا البيت صيدلية دائمًا يزور صاحبها رجل له وجه مألوف، عرفنا فيما بعد أنه سلامة إلياس الممثل المعروف، كان يهوديًّا مصريًّا وطنيًّا وإنسانًا لطيفًا للغاية، حتى أنه عندما تأسست دولة إسرائيل على أرض فلسطين المغتصبة لم يهاجر إليها وأوصى بدفنه في مصر.
في يوم من الأيام، أعطتني أمي خمسة عشر قرشًا لشراء لحمة رأس من محل "بحة" الشهير بسوق الناصرية، فوجدت رجلًا يلعب لعبة الورق، يتلاعب بخفة وسرعة في ترتيب الثلاث ورقات، وأنت عليك أن تبحث عن السنيورة والسنيورة هي البنت، إنه تحدٍّ كبير يحتاج سرعة بديهة ودقة.
استهواني الموضوع، لعبت وخسرت وظللت أبكي، ثم ذهبت إلى المعلم "بحة" ورويت له ما حدث فقال لي: "ولا تزعل"، أكرمني وأعطاني الوجبة كلها مجانًا، لكني ذهبت إلى أمي ورويت لها حقيقة ما حدث فنهرتني ولم تضربني، أعادت الفلوس إلى المعلم "بحة" وشكرته، خصمت مني مصروفي لمدة أسبوع، ومن وقتها صرت أحب المعلم "بحة" وأصبح أولاده أصدقائي حتى الآن.