سوسن جميل حسن: لم يفارقنى الوجع طوال عام كتبت فيه «اسمى زيزفون»
- الرواية حكاية وطن تحاصره أزمة كبيرة.. وخروج الدين من فضائه الروحى مرتبط بأزمات العصر ومتطلباته
- تشغلنى الصدوع التى كشفت عنها الحرب وزادتها عمقًا فى بنيان المجتمع السورى
على الرغم من إقامتها منذ بضع سنوات فى العاصمة الألمانية «برلين»، فإن الروائية السورية سوسن جميل حسن، ما انفكت تُسائل الواقع السورى الأليم فى كتاباتها السردية؛ وأحدثها رواية «اسمى زيزفون»، التى وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية أخيرًا.
لن يخفى على قارئ «اسمى زيزفون» أن الرواية تقدم سردية وطن بأكمله تكالبت عليه شتى عوامل التدمير. تبدأ الرواية من موت لم يتحقق؛ إغماءة تصيب زيزفون فيأبى الموت أن يصطحبها فى هذه اللحظة تاركًا لها فسحة لاستدعاء ستين عامًا من حياتها ومن حياة وطنها المتهالك، طالبة السلوى فى حياة صارت إلى العدمية أقرب وإلى الظلام أدنى.
تُدير زيزفون عبر ما تكتبه فى دفاترها سجالًا مع الماضى سواء الخاص أو العام، فتستعيد عبر التداعى الحر للأفكار أحلامها وأمنياتها التى أخذت تتقلص إلى أن تلاشت تحت وطأة واقع اجتماعى ينوء بحمل أحلام أفراده، تروى زيزفون سيرتها التى أبت أن يطمرها النسيان، وخيباتها التى تعكس فى مرآتها إخفاقات وطن بأكمله.
أرادت بطلة الرواية أن يكون اسم «زيزفون» هو ما يمثلها فى الحياة؛ إذ إن أوراق أحلامها الوارفة كانت تترعرع يومًا بعد الآخر لتطمر اسمًا آخر لم يشبهها. لم يكن هذا التحدى، لما هو مقرر سلفًا، الوحيد فى حياة زيزفون؛ فقد خاضت البطلة حروبًا أخرى مع الأفكار المتكلسة رافضة أن ترسم مسار حياتها وتبلوره، لكن قوتها لم يُكتب لها النجاح أمام تحالف قوى الرجعية المختلفة وتآزرها، فقد «ماتت الأحلام وسرقها تجّار الحرب والدم والثورات».
لا تتوقف دفاتر زيزفون فى الرواية على مجرد تسجيل السنوات العاصفة الأخيرة فى سوريا، لكنها تبتغى مساءلة الحريق السورى عبر الماضى الممتد إلى ستة عقود، وفى خضم ذلك ترى الرواية المآلات المأساوية فى سوريا فى مرآة مشروع الحداثة العربية الذى تعثّر ولم يُقيض له النجاح.
تقدم الرواية عبر الحفر العميق فى تحولات القرية السورية أسئلة حول التحديث الذى طال كل مظاهر الحياة إلى حد صار معه سباق استهلاكى محموم لا يعى مقاصده، وفى المقابل لم تطل تلك التحولات الحداثية العقول التى بقيت غارقة فى رجعيتها؛ فالمجتمع ظل متشبثًا بقيم اجتماعية بالية محكومة بالحط من الأنثى وسلب حقوقها لصالح الذكر، وظلت الأفكار الدينية بل الطائفية حاكمة وموجهة، بل إنها ظلت صانعة للسلطة المسلطة على رقاب الضعفاء والمهزومين.
أصبحت القرية مسخًا صنعته تحولات مجتزأة مسّت الظاهر ولم تطل الباطن، «لم تعد الضيعة ضيعة، ولم تصبح كالمدينة، فقدت حيويتها ونضارتها وصارت بلا هوية»، ولم تقد الحياة العصرية على تخوم حداثة عقلية متعثرة إن لم تكن موءودة سوى إلى الواقع الراهن بكل مآسيه، فما المظالم السياسية والدينية والسياسية إلا نتاج تاريخ طويل من التعثرات التى أوصلت سوريا إلى حريق؛ «جدران سوداء تفتح عيونها على الفراغ».
يناقش هذا الحوار مع الروائية السورية سوسن جميل حسن بعضًا من ملامح روايتها «اسمى زيزفون»، لننطلق من ذلك نحو تبيّن موقع الرواية فى سلسلة أعمال الكاتبة وما تتطلع لتحقيقه عبر الكتابة عن واقع قاتم تشهده بلادها.
■ ما الذى يمثله وصول رواية «اسمى زيزفون» لقائمة جائزة البوكر الطويلة بالنسبة إليك؟ وما المكاسب المعنوية التى تمثلها الجوائز من وجهة نظرك؟
- وصول روايتى إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، وهى جائزة مرموقة، مدّنى بمشاعر مبهجة، ففى كل عام يترقب القراء صدور هذه القائمة، وبمجرد إعلانها تنشغل المواقع والصحف والمنابر الإعلامية بتداول الخبر، ثم تُسلّط الأضواء على العمل ويبدأ القراء بطلبه، وهذا أمر جيد بالنسبة للكتاب، إذ يضعه تحت الأضواء، وأن يصبح العمل فى دائرة الضوء فهذا أمر إيجابى ويمنح الكاتب نوعًا من المكافأة التى تقدّر جهده من ناحية، وتشعره بالرضا لكون العلاقة المنشودة مع القارئ راحت تكبر وتتوسع من ناحية أخرى، وهذا أمر مهم جدًا للكاتب.
■ لا تحكى رواية «اسمى زيزفون» حكاية امرأة سورية فقط وإنما هى تاريخ سوريا فى ستين عامًا.. فماذا كان دافعك لنبش الذاكرة بكل ما يحمله ذلك من أسى لا سيما أنك تقيمين خارج الوطن؟ ما المشاعر التى انتابتك أثناء كتابتك هذا العمل؟ وكم من الوقت استغرق؟
- بالطبع هى ليست حكاية امرأة، إنما حكاية وطن واقع فى أزمة كبيرة وشائكة وإشكالية، من خلال سيرتها. ما أردت من خلال هذا النص السردى كان تفكيك التاريخ بقصصه، واستدراج التحولات التى طرأت على المجتمع والقضايا المفصلية التى كان لها تأثير كبير على حياة السوريين ومجتمعهم، إلى ساحة الوعى، فى محاولة لفهم الأمور بعيدًا عن الخطابات الرسمية، والسرديات الخاصة، فما وصلنا إليه فى سوريا يتطلب منا المحاولة الجادة لفهم الأمور والأسباب التى أوصلت البلاد والشعب إلى هذا المصير.
كتبت الرواية مع الوجع الذى لم يكن يفارقنى ولا لحظة، صحيح أننى مقيمة فى برلين، ولقد كتبتها خلال عام كامل، لكننى عشت أول ثمانى سنوات من الأزمة فى سوريا، لم أستقر بالكامل فى برلين إلا منذ أربع سنوات، جربت فى أثنائها تجربة العيش فى الغربة، بينما بلادى الروحية تئن، ويتردد وجع أنينها فى صدرى.
■ شهدت زيزفون فى الرواية تساقط أحلامها الواحد تلو الآخر بل إن كل منفذ للأمل أُغلق بلا رحمة، ففى الماضى كانت الأحلام الكبرى والصغرى بينما الراهن ليس سوى حريق سورى متأجج.. إلى أى مدى صرت تظنين أن لا مفر من اليأس من حاضر سوريا ومستقبلها؟
- هو، كما يبدو من مناخ الرواية، ليس يأسًا بالمعنى المطلق، بل هو تصوير لواقع قاتم، ربما أبتغى من خلاله أن أحدث صدمة ما فى وعى القارئ، خاصة السورى، نحن أحيانًا نغفل أنفسنا وما يحصل من تغيرات على وجهنا إذا لم ننظر فى المرآة، كذلك المجتمعات، خاصة عندما تكون غارقة فى لجة واقع شبيه، يأتى الأدب ويضعها أمام نفسها.
صحيح أن الأمر يبدو ميئوسًا منه، بسبب الكلفة الفظيعة التى دفعها الشعب السورى، وآخرها الزلزال، لكن لا يمكن أن تستمر الحال على ما هى عليه، ولا أى حال تستمر، هذا منطق الأمور، لا بد من انتهاء المأساة، إنما متى وكيف، فهذا ما لا يستطيع الأدب أن يقوله أو يقدم أجوبة عنه، على الأدب إثارة الأسئلة، وهذا شأن مهم جدًا.
■ تبدو «اسمى زيزفون» مساءلة لأسباب إجهاض الحداثة فى سوريا، وفى بلداننا العربية بشكل عام.. هل باتت فكرة الحداثة، التى حملها المثقفون العرب فى الماضى على كاهلهم، محض حلم لم يُقيض له التحقق؟ وما أسباب إخفاقه؟
- لا أظن أن الأفكار تموت، فالإجهاض فى جانب من معانيه يعنى الموت، موت الأجنة، لكن يمكن القول إن هناك أزمة حقيقية من ضمن أزمات عديدة أدت دورًا مؤثرًا بالمشروع النهضوى الذى ابتدأ فى المنطقة العربية فى القرن التاسع عشر، ثم عانى من الوهن والضعف، وغلبة القوى مدعية الحداثة، بينما تعمل على فرضها من فوق دون قاعدة شعبية مساهمة، من جهة، وتلك المعادية لها من جهة أخرى.
لعبت أيضًا الأنظمة السياسية، التى تسلمت الحكم فى المراحل بعد استقلال الدول العربية فى تواريخ متقاربة دورًا مؤثرًا، إذ صادرت الفضاء العام للشعوب وفرضت رقابتها وسطوتها على المنتج الثقافى والإبداعى والفكرى لشعوبها، وفرضت كما أشرت، حداثتها المغشوشة، إذ كيف تكون حداثة فى ظل فكر محاصر ومصادر، ويعانى من الركود؟، بالإضافة إلى النكوص نحو الماضى، والدعوات للعيش فيه ووفق شرائعه، وهذا ما تمكن منه رجال الدين، وبروز التيارات الدينية السياسية. لكن الحداثة لا بد أن تنهض ومشاريعها من جديد، لا يمكن أن تبقى الأحوال على هذه الشاكلة إلى الأبد، ولا بد من القول إن جذوة التغيير مطمورة اليوم تحت رماد الحرائق التى طالت الدول والشعوب العربية فى غالبيتها، لا بد لها من التوهج من جديد.
■ تُلح الرواية على الفساد الكبير المتسبب به رجال الدين سواء باستغلالهم جهل البسطاء فى الماضى وفى مكاسبهم السياسية اللاحقة.. إلى أى مدى تظنين أن المعضلة الدينية تكمن وراء كثير من أزمات الوضع العربى بصفة عامة؟
- هذا صحيح، فخروج الدين من فضائه الروحى وممارسته الشعبية، وتلقفه من قِبل طبقة من رجال الدين، لديهم طموح سياسى ومشروع سياسى ونزوع نحو السيطرة الممتدة، دون تقديم بديل أو برنامج لمعاناة الناس ومشكلاتهم الجماعية، مرتبط إلى حد كبير بأزمات العصر ومتطلباته أيضًا.
أدى ذلك الوضع إلى تكريس قيم الشمولية والعبودية والطاعة، طاعة أولى الأمر كدليل على الالتزام والتقيد بأركان الإيمان، وحصر المرأة فى قالب ينتقص من إنسانيتها ويجعلها فى مرتبة دونية، والخطاب المتطرف والعنصرى تجاه الآخر، خاصة الغرب وكل قيمه، ومحاربة التعدد والاختلاف فى المجتمعات، والتركيز فى الوقت نفسه على أن الدين هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة الطغيان والأنظمة الاستبدادية، بعدما أفرغت هذه الأخرى أرواح مواطنيها وجعلت الملاذ الدينى، بل الطائفى أيضًا، هو الملجأ الوحيد لها، وزرع أفكار وربطها بالإيمان عن بعض القيم والمفاهيم التى تبنى عليها المجتمعات والدول المستقرة فى عصرنا الحالى، وشيطنة هذه الأفكار كالديمقراطية والعلمانية والحريات الفردية، وغيرها.
■ عانت زيزفون طوال حياتها من القمع الذكورى والفساد السياسى والأعراف المجتمعية البالية.. أين تلتقى سيرتك مع سيرة زيزفون؟ وفيم تفترقين عنها؟
- «اسمى زيزفون» رواية بعيدة جدًا عن سيرتى، ولا ألتقى إلا فى العموميات مع سيرة زيزفون، فأنا نشأت وكبرت بين دمشق حيث مكان ولادتى، واللاذقية حيث عشت أطول فترة من حياتى، فى أسرة منفتحة متحررة إلى حد بعيد من الموروث، تهتم بالتعليم والثقافة والمعرفة، والدى شاعر وكاتب، وله دور كبير مع والدتى، التى كانت حريصة على نيلنا الشهادات العليا، فى نشأتنا على قيم منها الحرية واحترام العقل، والكرامة الإنسانية.
ربما عانيت من الثقافة الذكورية فى حياتى خارج البيت، عانيت منها فى العمل، فى الشارع، فى محاصرتى ببعض الأعراف مجتمعيًا، وفى القوانين أيضًا، فأنا أعيش فى بلاد قانون الأحوال الشخصية يبخس المرأة حقها، كذلك أشترك معها فى الوقوع تحت سطوة الفساد، والقمع السياسى، مثلى مثل باقى من يعيشون أو يعشن، فى ظل أنظمة من هذا النوع.
■ إن كانت أعمالك الروائية تحمل ملامح من ذاتيتك.. فما رؤيتك لتداخل الجانب الذاتى فى العمل الأدبى؟ وهل يمكن للكاتب أن يتنصل منه؟
- من الطبيعى أن تتناثر بعض الخبرات الذاتية أو الذكريات، أو القناعات والأفكار، وربما الميول أيضًا، على مجمل النصوص أو الأعمال السردية للكاتب، لكنها لا تشكل صورة عنه، بل هى جزء من أدوات اللعب لديه، الكتابة الإبداعية فى جانب كبير منها ذاتية.
إذا أردت أن أحكى عن تجربة الكتابة بالنسبة إلىّ، فأنا أباشر النص انطلاقًا من فكرة قد تومض فى بالى، أو شحنة عاطفية تجاه أمر ما تتملكنى، أكتب وأنا مأسورة بالكامل لحالة الكتابة، وعندما أخرج من النص، وأترك مسافة زمنية محددة بينى وبينه، فأنا أعود وأقرأه بعين، يمكن القول إنها نقدية بدرجة ما، أتبين المواقع التى تسلل إليها بعض من ذاتى، وهل أثرت على النص إيجابًا أم سلبًا، وهل قسرت الشخوص على أمر لا يناسبها أو يتعارض معها، وهل رجّحت شخصية على أخرى، بغير ما يحتمل النص أو يروم؟ هذه نيات ومحاولات لا بد منها بالنسبة للكاتب، تستثنى منها كتابة السير الذاتية بالطبع، فلهذه نواظم أخرى.
■ أيهما أفاد من الثانى بصورة أكبر؛ هل غيّرت ممارستك الكتابة من ممارستك الطب الذى يغلب على بعض ممارسيه جمود المشاعر أو على الأقل تحييدها أم أنك قد دخلت إلى عالم الطب بعيون فنيّة تلتقط الخصوصية الذاتية لكل إنسان تلتقيه؟
- بدأت بالكتابة الإبداعية متأخرة بعض الشىء، هذا لا يعنى أن الكتابة كانت طارئة علىّ، فأنا مارستها طيلة حياتى، كنصوص ذاتية وخواطر، وبعض المحاولات الشعرية، ما يمكن القول عنه إنه كان تمرينًا على الكتابة، لكن الطب أفادنى بأشياء كثيرة، ربما أهمها ما نسميه فى لغة المهنة «التشخيص التفريقى»، وهو يبدأ بوضع المريض على سرير الفحص، ثم مباشرة معاينته سريريًا بأدواتنا المتوافرة، ثم وضع الاحتمالات المرجحة، بعدها غربلتها لنقترب من التشخيص الأكثر صحة بالنسبة لحالة المريض.
هنا لا بد من القول إن مهنة الطب فى جانب منها يمكن الكلام عن فنيتها، هذا الجانب يختلف بين طبيب وآخر، يعنى له علاقة بملكات ما أو موهبة معينة، بالنسبة إلىّ كان الجانب الذاتى حاضرًا فى مقاربتى مريضى، فمثلًا كنت أعتمد بشكل كبير على يدى فى فحصه، من مصافحته فى البداية، إلى أن تجوس يدى جسده كله فى محاولة لالتقاط العلامات المرضية والفيزيولوجية فى الوقت نفسه، وهذا الأسلوب تسلل إلى كتابتى الأدبية أيضًا.
■ ما الهم الذى يسيطر عليك فى كل ما تكتبين؟ وإلى أى مدى أسهمت تلك السنوات العاصفة لسوريا فى صياغته وبلورته؟
- دائمًا ما شغلتنى حياة الناس البسطاء، منذ ما قبل الأحداث التى عصفت بشعبنا بعد الانتفاضة، شغلتنى حياتهم بكل بؤسها وشقائها وعذاباتها، وفى الوقت نفسه كانت تستثير أسئلة متنوعة فى بالى، حول بعض أوجه الحياة والقيم والمفاهيم، وكيف تتشكل منظومات قيمهم ومعارفهم، ورموز وعيهم، مسألة الحب، الصداقة، الآخر والعلاقة به، المرأة، الدين، الطموح، الأحلام، يعنى التفاصيل التى تملأ الحياة، وكيف تتدخل فى صناعة وتشكيل هذه المفاهيم والرموز والقيم.
جاءت هذه السنوات العاصفة، فجعلتنى أمعن النظر فى الآماد الجديدة، والأعماق الجديدة، للإنسان السورى، للشعب السورى، وللإنسانية بشكل عام، راعنى بعض التحولات الدراماتيكية، دمار الإنسان السورى والمجتمع السورى، ومدى الخراب الذى لحق بهما، شغلنى موضوع المستقبل، وقضية الأجيال القادمة التى غرّبتها الحرب وسلبتها طفولتها وأمنها وأمانها وأحلامها، شغلتنى الصدوع التى كشفت عنها الحرب وزادتها عمقًا، كما صدوع الزلزال الأخير، إنما فى بنيان المجتمع، يمكن القول إن قضية الإنسان فى بلادى هى شاغلى الكبير.
■ إن كانت أعمالك بمثابة تفكيك وتعرية لأوجه الفساد السياسى والمجتمعى والأخلاقى.. فما الذى تنتظرين من الكتابه تحقيقه؟
- علينا أن نكتب، أما القراءة، فلا بد سيأتى يوم وتقرأ الأجيال القادمة، ونحن، بحسب تعبير ستيفان زفايغ، شهود على هذه المرحلة، فإذا نقلنا لهذه الأجيال ولو جزءًا من الحقيقة، فنكون قد عملنا شيئًا ذا قيمة، وهذا الواقع مترع بكل أشكال الفساد والأوهام والتضليل، خاصة فى عصر الميديا والاتصال والثورة الرقمية، وملىء بالمشاكل، والاستقطاب فى الوقت نفسه، الاستقطاب السياسى والدينى والطائفى والإثنى، والمناطقى وغيرها الكثير، ما خلق حالة من تغييم الوعى، أتمنى لو يستطيع الفن، بأنواعه، والأدب فتح بعض الثغرات لإدخال النور إلى عتمة النفوس والعقول التى أحدثتها سنوات، بل عقود من الاستباحة لحياة شعوبنا.
■ ما الذى تمثله رواية «اسمى زيزفون» فى مشروعك بالكتابة؟ ولم اخترت نشر هذا العمل فى مصر؟
- «اسمى زيزفون»، ربما كغيرها من سابقاتها، هى جزء من روحى، قد تفترق بأننى كتبتها فى ظروف الغربة، وفى وقت كانت مشاكل بلادى تزداد تعقيدًا وتتأزم حياة الناس فيها وخارجها بسرعة كبيرة، لكنها تشكل حلقة فى سلسلة كتاباتى، التى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضايا المجتمعية، وعندما اخترت مصر للنشر فيها، فلرغبتى فى أن أكون معروفة للقارئ المصرى، فهذا يهمنى جدًا، ولقد لمست اهتمام القراء بروايتى، إذ تواصلت معى جهات كثيرة بعد انتشار الرواية، أفرادًا ومجموعات، صحفيين وكتّابًا، ومجموعات قراءة، أشعر بالغبطة وأنا ألمس هذا الاهتمام.