توقيت زيارة دمشق
خمسة أيام فقط، فصلت بين حلول الذكرى الخامسة والستين لتوقيع ميثاق وحدة مصر وسوريا، وقيام وزير خارجيتنا، بزيارة العاصمة السورية دمشق. وبغض النظر عن الأسباب المعلنة للزيارة الأولى من نوعها منذ ما يوصف بالربيع العربى، نرى أن اختيار توقيتها يشير بوضوح إلى أن الجمهورية الجديدة، أو دولة ٣٠ يونيو، التى تضع تماسك الكيان العربى نصب أعينها، أرادت أن تستعيد محطة مضيئة فى تاريخنا، تجسدت فيها أسمى معانى العروبة والتكاتف والإخاء.
استجابة لإرادة الشعبين، قام الرئيسان جمال عبدالناصر وشكرى القوتلى، فى ٢٤ فبراير ١٩٥٨ بتوقيع ميثاق «الجمهورية العربية المتحدة». وفى ٢٧ فبراير ٢٠٢٣، نقل سامح شكرى، وزير الخارجية، للرئيس بشار الأسد، رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، أكد فيها، بحسب البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية العربية السورية، تضامن مصر مع سوريا واستعدادها لمواصلة دعم السوريين فى مواجهة آثار الزلزال، معربًا عن اعتزازه بالعلاقات التاريخية بين البلدين، وحرص القاهرة على تعزيز هذه العلاقات وتطوير التعاون المشترك.
بشهادة العدو قبل الصديق، حافظت دولة ٣٠ يونيو على نهج سياسى متوازن تجاه الأزمة السورية. ومن واقع الترابط الفعلى، الذى يجعل العرب جميعًا أعضاءً لجسد واحد، ومع حجم التحديات، الذى يفوق قدرة أى دولة على التصدى لها منفردة، طالب الرئيس السيسى، مرارًا، باستلهام روح القومية العربية، للحفاظ على هويتنا، وتحرير إرادتنا، وتسوية أزمات دول المنطقة، التى تعرقل جهودنا فى التنمية والتكامل. وسيرًا فى الاتجاه نفسه، أكد وزير الخارجية، من دمشق، أنّ العلاقة السورية المصرية ركن أساسى فى حماية الأقطار العربية. وشدّد على أن مصر ستكون دائمًا مع كلّ ما يمكن أن يساعد سوريا وما من شأنه خدمة مصالح شعبها الشقيق.
لعلك تعرف أن مصر قامت فور وقوع زلزال ٦ فبراير، بإرسال فرق للإغاثة ومساعدات إنسانية. ولعلك تعرف، أيضًا، أن الرئيس السيسى أجرى اتصالًا تليفونيًا مع الرئيس الأسد، فى اليوم التالى لوقوع الزلزال مباشرة، أى قبل عشرين يومًا من ذهاب وزير الخارجية إلى دمشق. كما كان الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، واحدًا من رؤساء البرلمانات العربية، الذين زاروا دمشق، الأحد الماضى، وأكد، من مطار دمشق الدولى، قبل لقائه الرئيس السورى، دعم البرلمانات العربية لسوريا ووقوفها إلى جانب شعبها، وأشار إلى أن سوريا ستعود إلى مكانها الطبيعى فى الجامعة العربية، والبيت العربى.
المهم، هو أن الرئيس الأسد شكر جمهورية مصر العربية على ما قدمته من مساعدات لدعم جهود الحكومة السورية فى إغاثة المتضررين من الزلزال.. وأكّد أنّ سوريا حريصة على العلاقات التى تربطها مع مصر.. وأشار إلى أنّه يجب النظر دائمًا إلى العلاقات السورية المصرية من منظور عام وفى إطار سياقها الطبيعى والتاريخى.. وقال إنّ العمل على تحسين العلاقات بين الدول العربية، بشكل ثنائى، هو الأساس لتحسين الوضع العربى بشكل عام. كما نوّه الأسد، طِبقًا للبيان الصادر عن الرئاسة السورية، بأنّ مصر لم تعامل السوريين الذين استقروا فيها خلال مرحلة الحرب على سوريا كلاجئين، بل احتضنتهم فى جميع المناطق، ما يؤكد الروابط التى تجمع بين الشعبين، والأصالة التى يمتلكها الشعب المصرى.
.. وأخيرًا، نرى أن زيارة وزير خارجيتنا إلى سوريا، خلال شهر توقيع ميثاق «الجمهورية العربية المتحدة»، فرصة لتجديد مطالبة مصر، ورئيسها، المتكررة، بضرورة تبنى مقاربة عربية شاملة، لتعزيز قدرتنا الجماعية على مواجهة مختلف الأزمات، استنادًا إلى أسس واضحة تقوم على تكريس مفهوم الوطن العربى الجامع من ناحية، والدولة الوطنية ودعم دور مؤسساتها الدستورية من ناحية أخرى، مع نبذ الطائفية والتعصب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وقطع الطريق أمام أى محاولات لدعمها أو منحها غطاءً سياسيًا أو توظيفها من قِبل بعض القوى الإقليمية أو الدولية لإنشاء مناطق نفوذ لها فى العالم العربى.