رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بلوك» محمد صبحى

يُعرف «البلوك» كمصطلح متداول الآن بأنه قرار بإلغاء صداقة افتراضية قائمة على مواقع التواصل الاجتماعى، ولكن عند الفنان الكبير محمد صبحى هو مطلب وجرس إنذار لكل ما هو غريب، ويُشكل خطرًا على واقعنا ومستقبلنا، وهذه هى رسالة، صبحى، التى يقدمها من خلال عمل مسرحى كبير تحت عنوان «عائلة اتعملها بلوك»، وهو عمل درامى مسرحى ضخم اسُتخدمت فى إخراجه كل أدوات الفن المسرحى الحديث من حوار مكتوب بعناية فائقة، يُقدم من خلاله الوجبه المسرحية الهادفة مغلفة بالكوميديا والاستعراض والغناء ويزيد من إبهار العرض المزج بين العرض المسرحى والسينمائى من خلال إدخال بعض المشاهد التاريخية التى تخدم فكرة العمل المسرحى وتسهم فى إيصال رسالته.
يبدأ العرض بالدخول لحياة أسرة مصرية فى مرحلة ثورة 19 ليشرح كيف كانت تعيش وكيف كانت تتمسك بالتقاليد والقيم، محافظة على ترابطها رغم الطبقية والملكية والاحتلال، ليكون الزعيم سعد باشا زغلول رمزًا لهذه المرحلة، التى لم تشبها السلبية التى استجدت فى حياتنا فيما بعد، فتكون وفاة سعد باشا هى فيصل بين مرحلتى النضال الوطنى فى عصر الاحتلال ونضال ما بعد ثورة يوليو لينتقل الزمن بعد ذلك لحال الأسرة خلال حرب الاستنزاف ليكشف ما استجد على الأسرة المصرية من متغيرات.
لكن رغم النكسة لم تتغير المبادئ، وكما حافظت الدولة على خطط التنمية التى بدأها الزعيم جمال عبدالناصر وبجانبها كانت تسير مصر فى خططها للنهوض بالتعليم والثقافة والصناعة، وكانت النتيجة ثبات الأسعار بما فيها سعر «الوقرد» وهو المصطلح الذى أطلقه، صبحى، على الدولار وقتها فى إشارة إلى ضآلته وقيمته فى حياتنا رغم النكسة.
فى الوقت الذى يحقق جيشنا العظيم أعظم البطولات والانتصارات على الجبهة ويستمر بناء السد العالى، يظهر المعلم «أو المدرس الخصوصى» الذى بدأ يظهر فى حياة الأسرة، ولكن ظهور مختلف عما نعرفه الآن، فلم يكن يهدف لجمع المال أو استغلال الأسرة، ولكن المعلم الذى يُخرج من جيبة مكافأة مالية لطالبته المتفوقة وهو يحافظ على لغته ووقاره وهيبته، لتنتقل الأسرة بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر بحالة الحزن والحسرة على رحيله إلى مرحلة العبور العظيم فى حرب أكتوبر.
وهنا يظل جمهور محمد صبحى متفاعلًا مع الأحداث التى تتنقل بين المراحل الزمنية بسلاسة وكأنها لوحات فنية يتم رسمها على خشبة المسرح، وتدخل الأسرة فى مرحلة مختلفة بعد ذلك بقوانين الانفتاح، فتتغير الديكورات بتغيير شكل الحياة فى مصر لندخل فى عصر الطفيليات التى ظهرت وامتكلت الثروة، فتُفضل البنت الجميلة المتعلمة والمثقفة الارتباط بالسباك بدلًا من الطبيب وهو سلوك جديد ارتبط وقتها بالنمط الاستهلاكى الجديد للأسرة، وتكون مكتبة المنزل المتوارثة من الأجداد مع أخشاب الأرابيسك هى الرمز الذى يتمسك به رب الأسرة ويرفض بيعها رغم ضغوط أبنائه ومغريات أحد أثرياء عصر الانفتاح.
فى هذا الوقت يظهر خلف شرفة منزل الأسرة مظاهر التحولات العمرانية فتتبدل المبانى القديمة ذات الارتفاعات المنخفضة بالعمارات الشاهقة، وتفرض أزمات الإسكان على الأسرة اللجوء إلى مخالفات البناء، فى الوقت الذى تتحول فيه الأغانى من «أسلمى يا مصر» إلى «السح الدح أمبو» لتشهد الأسرة عصر النهب المنظم والإرهاب الذى يغتال رئيس الدولة بعدما أفرج عن التيار الإسلامى وأخرجهم من السجون.
ثم تتعرض الأسرة لأكبر عملية نهب لثرواتها من خلال شركات توظيف الأموال، لتزيد بعدها حدة الانهيار ومع تفشى الفساد واستيراد الأغذية الفاسدة يبدأ الانهيار الفعلى للتعليم من خلال المدرس الراقص الذى اتخذ من الطبلة وسيلة من وسائل الشرح للطلبة، ثم يظهرالموبايل ويسيطر على حياة الأسرة بالكامل، فيتحول الموبايل من وسيلة تواصل إلى أداة للربح السريع على حساب أدق خصوصيات الأسرة المصرية.
كل تلك الأحداث وأكثر فى عرض مسرحى غاية فى الجمال والروعة استمر فيه الفنان محمد صبحى فى أداء أدواره المركبة والتى تعتمد على الحركة والغناء ويشاركة البطولة وجوه شابة ومواهب تندهش، كيف استطاع أن يجمع بينهم الأستاذ، صبحى، فى عمل واحد ليقدم كل نجم منهم دورا مختلفا فى مراحل تاريخية وإنسانية واجتماعية متعددة، وتندهش أكثر حين تكتشف أن جميعهم من الموهوبين بشدة فى فن التمثيل وهم أيضًا نجوم ومواهب فى الغناء وتشاركة البطولة النجمة وفاء صادق وصاحبة الصوت الغنائى القوى أنجيليكا أيمن.
ويشارك فى البطولة أيضًا فرقة «استوديو الممثل» كمال عطية، ومصطفى يوسف، ومحمد يوسف، ومحمد سعيد، ورحاب حسين، وداليا حسن، ومنة طارق، وليلى فوزى، ومحمود أبو هيبة، ومحمد شوقى طنطاوى، ومايكل وليم، ولمياء عرابى، وحلمى جلال الدين، وداليا نبيل، ومحمد عبدالمعطى، ووليد هانى، والطفلان عبدالرحمن محمود ومريم شريف.
العرض شاهدته لجنة من الرقابة على المصنفات الفنية وأجازت عرضه، وأشادت بمضمونه ورسالته دون أى ملاحظات رقابية، وهو ما يحسب للرقابة ولهذا العصر ولفن محمد صبحى.