الروائى محمد توفيق: الرقابة الذاتية تخنق الإبداع بل تجهضه قبل أن يوجد
تعقيبا على التغييرات التي تقوم بها دور النشر، سواء بالحذف أو الإضافة في الأعمال الإبداعية، وهو ما قامت به إحدى دور النشر مؤخرا مع المترجم سمير جريس، وقال الكاتب الروائي محمد توفيق: “بالنسبة للحساسيات أو التابوهات المجتمعية وتفاعلها مع النص الأدبي هناك مسائل ثلاث مثارة، تتعلق أولا بالتأليف، وثانيا بالترجمة، وثالثا بالنشر”.
وأضاف “توفيق” في تصريحات لـ"الدستور”: “فيما يتعلق بالتأليف، فالكتابة الأدبية متمردة أو ثورية بالضرورة، أي ساعية لتغيير المجتمع من خلال كشف المستور، وفضح الزيف، وخلخلة السرديات الراسخة عن طريق إبراز ما بها من تناقضات، ولذلك لا نندهش من أن أهم أديبين عربيين في القرن العشرين، وهما طه حسين ونجيب محفوظ، تعرضا لهجمات شرسة من قبل مؤسسات رسمية وتيارات شعبوية في آن، وصلت للحظر والإقصاء بل لمحاولة الحبس والقتل”.
وتابع: “الأديب إذن لا يزدهر ولا ينتج أدبا خالدا إلا في مناخ الحرية، وإن لم تكن هذه الحرية عامة فلتكن على الأقل متبلورة في عقله، ثابتة في وجدانه، لذلك فإن الرقابة الذاتية تخنق الإبداع بل تجهضه قبل أن يوجد، فعلى المبدع أن يكون متحررا تماما لحظة الكتابة. وهذا لا يعني أن يتجاهل التابوهات الاجتماعية تماما، ولكن إن أراد أن يأخذها في الاعتبار فليكن في مرحلة المراجعة قبل النشر”.
واستكمل صاحب رواية “همس العقرب”: “أما بالنسبة للترجمة، فالمترجم مؤتمن على نقل النص من إطاره اللغوي والثقافي إلى اللغة المستهدفة بأكبر قدر ممكن من الحرص والدقة والحياد، ومن غير المقبول أن يتدخل في المحتوى لمراعاة حساسيات سياسية أو اجتماعية أيا كانت، وإن فعل ذلك فإنه لا يخون النص الأصلي فحسب، وإنما يدلس على القارئ ويخدعه أيضا، والأكرم له أن يمتنع عن ترجمة هذا العمل تحديدا”.
ــ أي تعديل في النص لا يجب أن يتم إلا بموافقة المؤلف
وشدد “توفيق” على: “وعلى مستوى النشر، فمن الطبيعي أن يكون الناشر أكثر إدراكا للحساسيات الإجتماعية، وأشد مراعاة لها وميلا للمواءمة معها، ومن الطبيعي أيضا أن تتضاعف هذه الحساسيات في حالة كتب الأطفال لأنها تساهم في تشكيل وعي الأجيال الجديدة، ولكن أي تعديل في النص – بخلاف تصحيح الأخطاء الشكلية – لا يجب أن يتم إلا بموافقة المؤلف. وفي حين أن هذه الخطوط العريضة تحظى بتوافق عام في المجتمعات المتحضرة، فإن الخلافات تثار عندما لا يكون المؤلف على قيد الحياة، فلا يستطيع قبول التعديلات أو رفضها، وخاصة عندما يكون النص معبرا عن مفاهيم أو مصطلحات كانت سائدة في زمنها، لكنها أصبحت غير مقبولة في الوقت الحالي، كالمفاهيم والتعبيرات العنصرية مثلا، وفي هذه الحالة تكون المسألة تقديرية، وقابلة للأخذ والرد، ويتعين التفرقة بين الأعمال الموجهة للكبار وتلك الموجهة للأطفال، فمن المقبول في رأيي حذف الإشارات العنصرية أو تلك التي تتضمن تنمرا على فئات اجتماعية ضعيفة أو مهمشة في كتب الأطفال، في حين أنه من غير المعقول أن يتلاعب الناشرون في نصوص شيكسبير التي لا تراعي الحساسيات الراهنة”.
وتابع: “ختاما من المهم أن ندرك أن الحرية المطلقة غير متاحة في أي مجتمع، إلا أن توسيع مساحة الحرية بشكل مطرد ومستمر هو السبيل الوحيد لتقدم المجتمعات، وعلينا أن نراهن على وعي المواطن، وألا نسمح للتيارات الظلامية أن تفرض رؤيتها الرجعية علينا”.