الناقد محمد عزب: جاهين وحداد وحجاب تجمعهم تيمة الهوية والانفتاح على الثقافات
هل ثمة تقاطعات ونقاط اتصال تجمع بين شعراء العامية؟، هل يمكن أن تكون تيمة رئيسية تجمع بين جاهين وحجاب وفؤاد حداد والأبنودي؟.. في التقرير التالي يجيبنا الناقد محمد علي عزب.
قال الشاعر والناقد محمد علي عزب: «تميز شعر سيد حجاب بين شعراء جيله بالحس الإنساني وتوظيف ثيمات من تراث بيئة الصيادين في شمال الدلتا، هذا بالنسبة إلى الرؤية الثورية الاجتماعية، التي اشترك فيها شعراء الستينيات، كل شاعر بطريقته، ورغم أن حجاب قال بنفسه إنه جاهيني إلا أنني أري أن في ذلك مجاملة لصلاح جاهين الذي اكتشف حجاب وقدمه في باب شاعر جديد يعجبني في مجلة صباح الخير سنة 1964م، تقاطع حجاب مع صلاح جاهين في اعتصار موسيقي اللغة واستثمار الطاقة الإيقاعية الكامنة فيها، كما تقاطع معه في الاحتفاء بمفردات البيئة الشعبية المصرية».
وأشار «عزب» إلى أن «تقاطع سيد حجاب مع فؤاد حداد في توظيف رموز وثيمات من التراث الإنساني، ويعود ذلك للثقافة الموسوعية لكل من حداد وحجاب، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن هذا التقاطع لا يعني محاكاة بل يعني تجاور الحقول والمنابع اللغوية والثقافية التي يأخذ الشاعر منها مادته الخام ويشكل سبيكته الشعرية بطريقته الخاصة، وكما أشرت سابقًا فإن حداد تميز عن شعراء العامية من جيله في الستينات بالحس الإنساني المحلق في فضاءات الإنسانية، فهو يتحدث في ديوانه أصوات مرة عن مأساة الزنوج في أمريكا، ومرة عن عاشق زنجي لفتاة بيضاء في أمريكا، ويوظف رموز وإشارات من الثقافات العالمية في شعره، فكان انحيازه دائمًا للبسطاء من أبناء جماعته الشعبية والإنسان في كل مكان على وجه الأرض، وكان أهم ملمح في التصوير الشعري عند حجاب هو الاستعارات التي تجسد المعنويات وتشخص الكائنات لاستخضار ملامح العالم الذي يشير إليه النص أمام مخيلة القاريء وقد تناولت ذلك في كتابي النقدي عن سيد حجاب "تجليات طائر العمر الجميل" الصادر عن إقليم القاهرة الكبري وشمال الصعيد سنة 2017م».
ولفت «عزب» إلى أن «لسيد حجاب خمسة دواوين عامية في غاية الأهمية هي "صياد وجنيه"، و"أصوات"، و"العتمة"، و"في نص الطريق"، و"قبل الطوفان الجاي"، أما أغاني المسلسلات الدرامية التي بدأ كتابتها حجاب سنة 1978م بأغنية مسلسل بابا عبده، وكانت البداية الأكثر إشراقًا وتبشيرًا بلون كتابي رائده ومؤسسه سيد حجاب هي أغنية مسلسل الأيام سنة 1979م، وأغاني حجاب الدرامية ليست مجرد أغان تدور في فلك نص المسلسل الدرامي صاغها الشاعر بمفردات شبه مباشرة، بل هي أغان شعرية / قصائد مغناة من العيار الثقيل، تتصل بالمسلسل الدرامي وتنفصل عنه في آن واحد، وقد سميت ذلك في كتابي النقدي "تجليات طائر العمر الجميل" شعرية الاتصال والانفصال».
وتابع محمد على عزب: كان حجاب يقرأ النص الدرامي ويصل إلى لحظة ينفعل فيها بثيمة من ثيمات المسلسل يقبض على جوهرها ويصوغه شعرًا غنائيًا رائقًا، وكانت القصيدة المغناة/ أغنية المسلسل تتصل بالمسلسل من حيث كونها مصاحبة له في عرضه بالتلفاز ومشتبكة بجوهره، وفي نفس الوقت تنفصل عنه من حيث كونها نص شعري يمكن أن تسمعه مغني أو تقرأه بعيدًا عن المسلسل الدرامي، حيث أن له استقلالًا شعريًا، وكتب حجاب أكثر من مائة أغنية على مدار أربعين عامًا، وقد صدرت في ديوان يعرف بديوان الأغاني لسيد حجاب، وتشترك هذه القصائد المغناة / الأغاني الدرامية رغم تباين موضوعاتها في أنها تمثل مواقف عاشتها ذات إنسانية واحدة، كما أن السمات الفنية في بناء تلك الأغاني الشعرية بها بصمة ذات شاعرة واحدة، وإلى جانب ذلك هناك روابط جمالية ودلالية بين تلك الأغاني الشعرية، الروابط الجمالية تتعلق بالصياغة والحس الإنساني والتصوير القائم على التشخيص والتجيسد وتوظيف التراث الشعبي، أما الروابط الدلالية فمنها متلازمة الزمن والطريق التي تكررت وتنوعت صور حضورها الشعري في أغاني سيد حجاب الدرامية، وبذلك كان حجاب رائدًا في هذا المجال، وأغاني سيد حجاب الدرامية من عيون الشعر العامي المصري، والمفارقة الطريفة أن النص الشعري يقرأ أولًا ثم يتحول إلى أغنية، أما أن يغني أولًا ثم يقرأ فهذه هي المفارقة».