«البيان الأخير ضد فيلم أحب الغلط».. لطف الكتابة يعالج قسوة التاريخ
يشيد الأديب والصحفى والمترجم المصرى إبراهيم عبدالمجيد فى كتابه الأحدث «البيان الأخير ضد فيلم أحب الغلط»، الصادر عن دار «بيت الياسمين»، تأريخًا لتاريخ مصر، بداية من الحدث المحورى فى تاريخها الحديث، والنقطة الأهم، من وجهة نظر الكاتب، ثورة يوليو ١٩٥٢، ويكتب من عيون الفنان، الذى يشحذ من الذاكرة تأريخًا لتاريخ بلاده ومشاهد من حياته، بأفراحها وأتراحها ونصرها وجراحها، ويؤرخ بكتابة أدبية إبداعية مجتمعة مع التقريرية، لتخلق بثنائية التقريرية/ الإبداع تكاملًا للزوايا التى يرى بها الحدث وما ينساب حوله من انطباعات. الكتابة تحمل التاريخ كأساس للحل، والذكرى كبداية للتاريخ. الذكرى تبعث على الكتابة بثنائية الكتابة الإبداعية/ الكتابة التقريرية.
ينطلق الكتاب من إصابة الأديب المصرى بقفلة الكاتب، فيقطن بداخله إحساس أن التفرغ لكتابة المقالات فقط لعام كامل أعطاه فرصة ليرى العالم وسياسة بلاده بوضوح. ينفجر السؤال الأهم وهو «الوهم»، والطريق إلى الحل، فيبدأ الكتاب.
لذلك يذكر الأديب فى تقديم كتابه الأحدث:
«الأزمات التى تمر بها البلاد لها أكثر من وجه سياسى واجتماعى واقتصادى وتعليمى وثقافى. رأيت للأسف كما لم أر من قبل أنها كلها اجتمعت على جعل الأوهام حقائق والحقائق أوهام».
ولأن البحث عن الحل يستوجب عليه معرفة ما كان فى البلاد، يلج الكاتب بوابات ذاكرته، ويبعث بذكريات وعين الطفولة والشباب ونظرة المثقف صاحب التأثير والتجربة، الذى عاش ما يؤرخ، وما يبحث من خلاله عن حل أحداث عضال، وذكريات نضال..
يسرد الكتاب بسرد إبداعى، أدبى، وحس قصصى اعتاد الكاتب على صياغته، كما اعتاد على الجمع بين ثنائية السرد الإبداعى/ السرد التقريرى، فيبدأ الكتاب بجلب ذكريات الطفولة من غياهب الذاكرة، ويكتب عن سنوات إلحاقه بحضانة أطفال، ثم انضمامه لمدرسة ابتدائية وانتقاله منها لأخرى خاصة، وانتقاله لمدرسة أخرى وهو فى الصف الرابع الابتدائى، وكل هذه الذكريات تزامنت مع بداية ثورة يوليو ١٩٥٢، والسؤال عن كنه الحدث، والبحث عن إجابة شافية للسؤال، من عيون الطفل والفنان؛ حيث يسرد الأديب المصرى ذكرياته فى البيوت الفقيرة، وذكريات أبيه مع أوراق الانتخاب، وشعور أصحاب البيوت الفقيرة من حوله بالامتنان إلى الزعيم المصرى جمال عبدالناصر، ورد الفعل تجاه القومية العربية، والاتجاه إلى العدوان الثلاثى، الذى عصف بعقل الطفل، فأولد داخله الشعور بالنضال، وأهمية الوطنية والإجابة عن سؤالها ومعناها، ومعنى القومية العربية.
«تحول سوق المنشية إلى سوق سوريا؛ لظهور البضائع السورية والتجار السوريين. كان كل شىء مبهجًا خاصة أن العدوان الثلاثى فشل كما قال لى الأهل والأصحاب والمدرسون».
ويتجه بالحكم الناصرى إلى هزيمة يونيو ١٩٦٧، ويتحدث عن العهد الناصرى، فيرى أن القومية العربية لها أخطاؤها؛ ويتناول الكاتب، أيضًا، وضع الإعلام بعد الثورة، وعلاقته وعلاقة الشعب بها، وهو ما يعبر عن علاقة الشعوب بوسائل الإعلام، فيكتب:
ومن نقطة الناصرية، والكتابة بنظرة ابن الجيل والشاحذ من الذاكرة والباحث عن الحل فى ثنايا التاريخ، يتجه إلى من أطلق شعار «العلم والإيمان»، وثنائية المصريين/الدين، وقضى على القومية ويسارية الدولة، وهو محمد أنور السادات.
يبدأ الكتاب الفصل المتحدث عن فترة حكم محمد أنور السادات بكتابة سينمائية، وسرد مشهدى لجنازة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، يعرض فيها مدى حب الشعب للزعيم الراحل..
ثم ينتقل الكتاب بوعود الرئيس الجديد عام ١٩٧١، وبداية ظهور نضال المثقفين والفنانين مثل: أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام وأمل دنقل، الذى كان سببًا فى إغلاق مجلة «سنابل»، بعد نشر قصيدته «الكعكة الحجرية».
يذكر الأديب ما عاش وما بقى من أثر بسبب «الانفتاح»، وكيف أنه كان الطريق إلى الرأسمالية وتأكيد الطبقية وسيطرة القطاع الخاص، وتحكم أمريكا ومنتجاتها.
يتجه الأديب من الجانب الاقتصادى إلى الفكرى للمجتمع، وهى علاقة مترابطة، فيكتب عن المنابر، والأفكار الوهابية التى عمت القلوب، وقتلت العقول، وأطلقت ذقونًا قاتلة.
وفى نهاية الحديث عن عصر السادات يتطرق «عبدالمجيد» لعقد مقارنة بين عهد «ناصر» وعهده، للوصول إلى الحل، والطريقة المثلى، فيقول:
قبل أن يبزغ عصر حسنى مبارك على أوراق كتاب «البيان الأخير ضد فيلم أحب الغلط» يظهر الأديب المصرى ما كان من الجماعات الإسلامية، الإرهابية فى مصر، خاصة فى الحياة السياسية..
يتحدث عن مقتل «السادات»، وما تبعه من حادث أسيوط المريع، ثم يتناول أكثر من أثر فى عقل الشعب، وحوله من التحرر ورؤية الطيران رؤى نور الشمس إلى التمسك برؤية سطحية للدين، ومن بينهم دعاة بنظرة سطحية، استخدموا النقل لا العقل. وتطرق إبراهيم عبدالمجيد إلى تأثير التشدد الدينى على الحياة الثقافية، مثل: اغتيال فرج فودة، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، واتهام إبراهيم أصلان بالإلحاد، والمناداة بمنع رواية «الصقار»، للكاتب سمير غريب على، الصادرة عن «الهيئة العامة المصرية للكتاب» فى سلسلة «كتابات جديدة»، وغيرها من القضايا الكثيرة التى تمهد للفصل التالى من الكتاب ومن تاريخ مصر، وهو حكم الإخوان المسلمين.
ويعتبر سرد هذه الأحداث وغيرها تعريفًا بما خلفه السادات، وما عاشه حسنى مبارك، وما يمهد الطريق الذى يسير عليه الإخوان المسلمون إلى مقاعد الحكم، ومقاليد العرش..
وهو كذلك يوضح البناء الذى يبنى ويقوم عليه الكتاب، وهو التأريخ من وجهة نظر أديب وفنان.. إنسان عاش اللحظة؛ فيؤرخ إبراهيم عبدالمجيد عصر حسنى مبارك من وجهة نظر المثقف، ويكتب من هذه النقطة، دون مباشرة، عن هيكل وشكل حكم حسنى مبارك، وعن علاقة المثقف بالسلطة، ومن نقطة الثقافة تلك يكتب عن سلبيات النظام، المتمثلة فى توريث الحكم، وترك الإخوان المسلمين يشاركون فى الحكم، عن طريق المقاعد البرلمانية، وهو إرث استمر حتى بعد أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، وتولى حكومات وعدم استقرارها، وانتهاء الحكم الرئاسى لممثل الإخوان محمد مرسى، الذى كان وجهًا للديمقراطية الزائفة.