«لغز أم كلثوم».. سيدة الغناء العربي في كتابات المثقفين
رغم وفاتها منذ ما يقرب من خمسة عقود، فما زالت أم كلثوم تحظى بشعبية وإعجاب كبيرين في أوساط متذوقي الغناء والموسيقى العربية، ولا تزال هناك الكثير من المؤلفات التي تُكتب عن ملامح من حياتها واشتباكها مع الأحداث البارزة في عصرها، فضلًا عن مؤلفات إبداعية تستلهم ملامح من سيرة الفنانة الراحلة.
كانت علاقة أم كلثوم بالمثقفين فريدة، إذ حظيت بمكانة كبيرة لديهم، لم يحتلها سواها من الفنانين على مدار التاريخ العربي.
في كتاب "لغز أم كلثوم" يتحدّث رجاء النقاش عن الاحترام والتقدير الذي أبداه مثقفون على اختلاف انتماءاتهم للفنانة الراحلة، فيشير إلى الأشعار التي كُتبت عنها والتي قلما حظي بها فنان آخر.
يقول النقاش: العقاد كان قليل الكتابة عن فن الغناء في مقالاته وكتبه وقصائده، وغزير في إنتاج الشعر، ومع ذلك لم يكتب أبياتًا عن مطرب أو مطربة باستثناء أم كلثوم التي كتب عنها قصيدة طويلة.
قصائد في أم كلثوم
جاء في قصيدة العقاد: أم كلثوم يا بشيرا من الله بالرجاء، أنت من وحيه، ولله في الفن أنبياء، ذلك الصوت صوتك العذب من عرشه نداء، فيه سر من جنة الخلد لكنه ضياء، فيه للمرتجى سلام وللمشتكي عزاء، فيه حرز من الهموم وعون على القضاء.
لم يكن العقاد هو الوحيد ممن كتبوا شعرًا في الفنانة الكبيرة، وإنما كتب عنها الشاعر العربي جميل صدقي الزهاوي قصيدة يقول فيها: "الفن روض أنيق غير مسئوم، وأنت بلبله يا أم كلثوم، لأنت أقدر من غنى بقافية، لحنا يرجعه من بعد ترنيم".
كذلك، نجد ما فإن الشاعر السوداني محمد المهدي المجذوب عبّر عن إعجابه الكبير بها حينما قال: "عندما أسمع أم كلثوم أحس من وراء صوتها بتراثنا العربي كله في أنقى وأجمل صورة".
وقد كتب المجذوب قصيدة عن أم كلثوم قال فيها: "منابع النيل أعشاش وأجنحة، من صوتك العذب حيانا وأحيانا، أمسى على الشوق ميعادا نخف له، ونستريح به أهلا وأوطانا، نصغي إليه كما يصغي ويمسكنا، وعدا جديدا علا حبا وإيمانا، يا أم كلثوم هذا النيل خضرته، فيض بصوتك أعطارا وألوانا".
لم يتوقف الأمر على الإعجاب الذي عبّر عنه المثقفون الكبار بقصائدهم عن أم كلثوم، بل إن كثيرًا من المثقفين صرحوا عن مواطن إعجابهم بهم، ومنهم الكاتب اللبناني أمين الأعور الذي قال عنها: "صوت أم كلثوم يمثل قمة حلقة من التراث الكلاسيكي الغنائي، فالغناء العربي قد بدأ بالتجويد الذي يعتمد على الصوت دون الموسيقى، وفي صوت أم كلثوم وحده تجسدت قمة التراث العربي وانطفأت إلى جانبها جميع الكواكب الصغيرة الأخرى".
نسيج نادر لا يجود به الدهر
وفي الكتاب الذي حمل عنوان "أم كلثوم"، نقلت رتيبة الحفني أبرز ما قيل عن أم كلثوم من قبل المثقفين الكبار، ومنهم يوسف السباعي الذي قال عنها: "إنها فنانة الشعب التي أعطت فأجزلت العطاء، وقدمت فبذلت بسخاء، ومن خلال صوتها أذابت روحها ووهبتها لخير وطنها، عاشت عدة أعمار فنية، كانت فيها همزة الوصل بين أجيال وأجيال، إنها نسيج نادر لا يجود به الدهر إلا بعد أجيال وأجيال، وسيبقى فن أم كلثوم تراثا خالدا تتغنى به الدنيا وسيظل مشعلا هاديا يضئ طريق الفن العربي".
أما توفيق الحكيم فقد قال عنها: "أم كلثوم تؤدي كل قصيدة وكل أغنية وكل لحن الأداء الكامل إنها صفة الفنان الأصيل".
وكان الأديب البارز طه حسين قد عبر عن إعجابه بها قائلًا: "أم كلثوم بصوتها النادر في امتيازه سواء في الجمال أو في سلامة نطق اللغة العربية أسهمت عندما غنت القصيدة في إثبات جمال اللغة وطواعية موسيقاها حتى في أصعب الكلمات لموسيقى الغناء، وكان لصوتها فضل في انتشار الشعر العربي على ألسنة العامة والخاصة".
وأيضًا، كان الكاتب الراحل مصطفى محمود من أبرز المعجبين بالفنانة الراحلة وقال عنها: "أم كلثوم في الغناء مثل طه حسين في الأدب، تمثل العربية الفصحى في الأداء والإعراب السليم للحروف الغنائية والجزالة في الصوت والنغم".
وتابع: صوتها يشبه في نقائه وشرقيته سلالة الخيول العربية الأصيلة وهي تخطر في اختيال مثل الخيول في رقصها في أبهة وجلال وفخامة، وهو يذكرني بمائدة حافلة من موائد رمضان.