إسرائيل تستعد لمواجهة «غضب الطبيعة»
وقوع الزلزال المدمر فى تركيا وسوريا، الأسبوع الماضى، والذى أسفر عن مصرع الآلاف، زاد المخاوف لدى إسرائيل من احتمال تعرضها لسيناريو مشابه، خاصة فى ظل وجود دراسات تحذر من احتمالية وقوع زلازل قوية على طول صدع البحر الميت، وهو ما يتكرر مرة على الأقل كل قرن من الزمان، وحدث لآخر مرة فى عام ١٩٢٧.
وفى إطار ذلك، انشغل الرأى العام الإسرائيلى بالسيناريوهات الممكنة للتعامل مع الزلزال المحتمل، والكوارث الناجمة عنه، خاصة بعدما نقلت وسائل الإعلام تقريرًا عن سلطة الطوارئ الإسرائيلية أوضح أن هناك ٧٧ سيناريو مختلفًا لزلازل مقبلة، فكيف تستعد إسرائيل لمواجهة غضب الطبيعة؟ وما أهم الخطوات التى اتخذتها للتعامل مع أزمة الزلزال التركى وتوابعه؟
تحذيرات من «زلزال محتمل» يهدم 26 ألف مبنى ويترك 170 ألفًا بلا مأوى
فى أعقاب الزلزال التركى، أفادت القناة الـ١٢ بالتليفزيون الإسرائيلى بأن تقريرًا صدر عن سلطة الطوارئ الوطنية الإسرائيلية يتحدث عن وجود ٧٧ سيناريو مختلفًا لزلازل مقبلة قد تضرب إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية، تتراوح قوتها من الخفيف إلى المدمر.
وبموجب التقرير، فإن هناك أكثر من ٢٦ ألف مبنى معرضة للهدم حال وقوع زلزال مدمر، ما يترك ١٧٠ ألف إسرائيلى دون مأوى، إما بسبب انهيار منازلهم أو لأن المساكن التى يعيشون فيها ستكون غير آمنة، فيما سيتعرض أكثر من ٨ آلاف إسرائيلى لإصابات متفاوتة تحتاج للعلاج، مع مصرع المئات.
وأظهر التقرير أن إسرائيل بها ٦٠ ألف مبنى معرضة للخطر يمكن أن تنهار أو تتضرر بهزة أرضية، وتضم تلك المبانى نحو ٦٠٠ ألف وحدة سكنية، تتوزع فى ١٠ مدن إسرائيلية معرضة للخطر حال حدوث الزلازل.
وحول احتمالية تحقق هذا السيناريو، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خبراء قولهم إنه لا توجد أى مؤشرات حديثة على وقوع زلزال قوى قريب فى إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية يمكن أن يكون ناجمًا عن الزلزالين القويين، اللذين هزّا تركيا وسوريا، رغم صعوبة التنبؤ بذلك باستخدام التكنولوجيا المتاحة حاليًا.
ونقل موقع «تايمز أوف إسرائيل» عن زوهر جفيرتسمان، مدير هيئة المسح الجيولوجى الإسرائيلية، قوله: «من الصعب وجود صلة مباشرة بين الزلزال فى تركيا وحدوث هزات أرضية أخرى فى إسرائيل»، مؤكدًا أن الهيئة لم تجد نشاطًا خارجًا عن المألوف.
كما نقلت عن رون آفنى، المحاضر فى دراسات الزلازل فى جامعة «بن جوريون» فى النقب، قوله: «بما أن صدع شرق الأناضول، الذى وقع على طوله زلزالان هائلان يوم الإثنين الماضى، مرتبط بالشق السورى الإفريقى، فإن أى زلزال كبير يمكن أن ينجم عنه زلزال كبير فى وقت لاحق، ويمكن أيضًا ألا يحدث ذلك».
وفى هذا الإطار، نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» تحذير قيادة الجبهة الداخلية فى الجيش الإسرائيلى من إمكانية حدوث موجات تسونامى جراء الزلازل والهزات الأرضية التى تعرضت لها تركيا وشمال سوريا، وشعر بها سكان إسرائيل والمناطق الفلسطينية، وبيانه الذى يحوى تعليمات التصرف السريع فور الشعور بهزات أرضية.
كما نقلت توجيهات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ورئيس مجلس الأمن القومى تساحى هنغفى، حول إجراء تقييم سريع للوضع بخصوص جاهزية إسرائيل للتعامل مع هزة أرضية محتملة.
التوسع فى أعمال الإغاثة لمزيد من التقارب مع الأتراك
بعيدًا عن الاستعدادات الداخلية للتعامل مع كوارث مشابهة، انطلقت، الثلاثاء الماضى، بعثة مساعدات تابعة للجيش الإسرائيلى تضم ١٥٠ رجل إنقاذ، إلى تركيا، وهى البعثة التى أطلق عليها اسم «غصن الزيتون»، للمساهمة فى أعمال الإغاثة بعد الزلزال الذى ضرب تركيا وسوريا، وذلك بناء على طلب تركى.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى: «هذه هى البعثة الـ٣١ للوحدة خلال الـ٤٠ عامًا الأخيرة، ونحن نشعر بالتزام كبير بتقديم يد المساعدة لجارتنا وللمواطنين، وسنبذل أقصى جهودنا لإنقاذ ومساعدة الشعب التركى».
كما أجرى وزير الأمن الإسرائيلى، يوآف جالانت، تقييمًا للأوضاع مع رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية هرتسى هاليفى، والمدير العام لوزارة الأمن إيال زامير، وقرر إقامة مستشفى ميدانى إسرائيلى فى تركيا.
وسارعت الحكومة الإسرائيلية إلى دعم تركيا، ورسمت وزارتا الخارجية والدفاع الإسرائيلتان، على حد سواء، صورة لحكومة تعمل فى وحدة لمساعدة جارتها وحليفتها، بما تمتلكه من خبرة فى تقديم المساعدة فى أعقاب الكوارث الطبيعية، فضلًا عن توفير فرق البحث والإنقاذ والمساعدات الإنسانية، بتوجيه من قيادة الجبهة الداخلية للجيش الإسرائيلى، على غرار ما تم تقديمه فى السابق لدول مثل اليونان وهاييتى.
وأوضح محللون إسرائيليون أن تقديم المساعدة مرتبط بتحسن العلاقات الإسرائيلية التركية، خاصة أن إسرائيل ترغب فى إظهار مدى اهتمامها للشعب التركى، من خلال مساعدة المتضررين وتصدير صورة إيجابية عن العلاقات بين الدولتين. وعلى جانب آخر، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن موافقته على إرسال مساعدة إلى سوريا، زاعمًا أنه تلقى طلبًا من دمشق حول ذلك عبر قنوات دبلوماسية، لأنه لا توجد علاقات رسمية بين البلدين. وقال «نتنياهو»، أمام نواب حزبه «الليكود»، إن إسرائيل «تلقّت طلبًا عبر مصدر دبلوماسى لتقديم مساعدة إنسانية لسوريا ووافقت على ذلك»، مضيفًا أنه سيجرى إرسال المساعدة قريبًا، وهى مزاعم نفتها دمشق تمامًا فى وقت لاحق.
تدريبات بالمدارس على الإخلاء السريع وتحديث توجيهات التعامل مع الكوارث
فى بيانها بعد وقوع الزلزال، طلبت قيادة الجبهة الداخلية فى الجيش الإسرائيلى تحديث المبادئ التوجيهية للسلوك السليم خلال الزلزال، وأشارت إلى أنه يمكن للجميع الحصول على التحذيرات من خلال تطبيق على الهاتف.
فيما أفادت الصحف العبرية بأن الجبهة أجرت دورات تدريبية فى المدارس، وعقدت عدة تدريبات حول كيفية الإخلاء السريع للطلاب، مشيرة إلى وجود أنظمة تحذير فى الوقت الحالى تختلف عن مثيلتها بالماضى، ما يساعد فى الحماية حال التعرض للهزات الأرضية.
وذكرت أنه فى فبراير ٢٠٢٢ كشفت هيئة المسح الجيولوجى الإسرائيلية النقاب عن تقنيات متطورة قادرة على استشعار أول إشارة لأى زلزال، ما يسمح لقيادة الجيش الإسرائيلى بإرسال إنذار فى غضون ١٠ ثوانٍ، وذلك فى أعقاب زلزال يناير ٢٠٢٢، بقوة ٣.٧ درجة، كان مركزه فى غور الأردن.
وأوضحت أن نظام الإنذار المبكر الذى كشفت عنه هيئة المسح الجيولوجى، والذى يحمل اسم «تروعا»، استند إلى نظام طورته جامعة «بيركلى» الأمريكية، وبدأ العمل به فى عام ٢٠١٩.
كما ذكّرت بتصريحات زوهر جفيرتسمان، مدير هيئة المسح الجيولوجى الإسرائيلية، وقوله، وقت الإعلان عن «تروعا»، إن التكنولوجيا الحالية لا يمكنها أن تتنبأ بعد بموقع أو توقيت أو شدة الزلزال، ولكن من خلال التقاط الهزة الأولية الأضعف التى تسبق الهزة القوية يمكن أن تخرج المعلومات بسرعة على أمل أن يكون هناك وقت للاحتماء لدى أكبر عدد ممكن.
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أيضًا، تفاصيل دراسة أعدها فريق من الباحثين، بقيادة الدكتور إسحاق ليور، من معهد علوم الأرض فى الجامعة العبرية فى القدس، قال فيها إن الآونة الأخيرة شهدت تطوير طريقة مبتكرة لرصد الزلازل باستخدام الألياف الضوئية المستخدمة للاتصال بجميع أنحاء العالم.