فاروق فلوكس: سميت على اسم الملك.. وأحببت فريدة أيضًا
يذكر فاروق فلوكس في مذكراته التي كتبها حسن الزوام، وصدرت حديثا عن دار صفصافة للنشر والتوزيع العديد من الأسرار في حياته.
يقول الفنان فاروق فلوكس: "كم كنت محظوظًا أني ولدت في ميدان عابدين، هذا الحي متعدد الأصول والأعراق، مجتمع الـ "كوزموبوليتان" كما يطلق على الإسكندرية، العالم كله كان هنا في عابدين؛ إنجليز وطليان ويونانيون وأرمن وأتراك وفرنساويون وأفارقة وعرب، مسلمون ومسيحيون ويهود، رجال السياسة وأهل العلم ونجوم الفن ورموز كرة القدم".
سميت على اسم الملك
ويضيف: “هنا كان قصر الحكم، قصر عابدين؛ حيث كانت شرفة منزلنا تطل على القصر مباشرة، لقد ولدت في قلب الأحداث، أبي هو توفيق صالح مبارك أفندي مدير جراجات المحافظة أو البلدية كما كانت تسمى وقتها، صعيدي تجمع جذوره بين مركزي بني مزار ومغاغة بمحافظة المنيا، جاء إلى القاهرة منعزلًا عن عائلته. أمي تنتمي إلى عائلة من أصول تركية هي عائلة الخربوطلي، تزوجت أبي وهو من المقيمين في القاهرة، ولدت أنا في العاشر من فبراير عام 1937”.
ويكمل: "كانت القابلة التي ولدت على يدها مسيحية اسمها "أم فايق" وكانت صديقة أمي، ظللت على علاقة بها وبأسرتها لسنوات طويلة، ولدت بعد 10 أشهر فقط من وفاة الملك فؤاد ملك مصر وسيد النوبة وكردفان ودارفور، ليرث الحكم نجله فاروق "أمير الصعيد" الذي كان كان يدرس العلوم العسكرية في إنجلترا، وتولى عرش المحروسة وفق نظام وراثة مصري وضعه الملك فؤاد بنفسه بالتفاهم مع الإنجليز".
فتوى المراغي
ويتابع: “عاد الأمير فاروق إلى مصر في 6 مايو سنة 1936، وهو التاريخ الذي اتخذ فيما بعد التاريخ الرسمي لجلوسه على العرش، حينها كان فاروق شابًّا يافعًا بعمر السادسة عشر عامًا، ونظرًا لكونه لم يبلغ بعد السن القانونية اللازمة لتولي العرش وهي السادسة عشر عامًا، فقد تم تشكيل مجلس وصاية برئاسة الأمير محمد على شقيق الملك فؤاد الأول واستمرت مدة الوصاية ما يقارب السنة وثلاثة أشهر، لكن الملكة نازلي والدة الملك فاروق خشيت أن يطمع الأمير محمد على فى العرش، فحصلت على فتوى من الشيخ المراغى شيخ الجامع الأزهر وقتها بحساب عمر فاروق بالتاريخ الهجرى ليتم تتويج فاروق ملكًا رسميًّا على حكم مصر بتاريخ 29 يوليو 1937، وتعيين الأمير محمد على باشا وليًّا للعهد”.
ويكمل: "كان الأمير فاروق شابًّا محبوبًا، وتداول عنه أنه لا يحب الإنجليز المحتلين فصنع له هذا شعبية بين المصريين، وكان ظهوره في حياة أبيه الملك فؤاد يلقى حفاوة كبيرة من الشعب ولهذا قرر أبي أن يسميني "فاروق".
ويستطرد: “كنت الصغير في العائلة، لي شقيق توفى قبل ميلادي يدعى صلاح، وأخت تدعى محاسن، ولدت واسمي على اسم الملك وأسكن في جواره، أطل من شرفتي يوميًّا على دخوله وخروجه من القصر، أب صعيدي وأم من أصول تركية، كانت زيارة جدتي لأبي وجدتي لأمي مثالًا لتنوع الثقافات، وآه لو اجتمعتا سويًّا، سيكون حوارًا يقف أمامه المشاهد عاجزًا عن فك شفرة العامية التركية واللهجة الصعيدية”.
وعن المناخ المصري في ذلك الوقت يقول: “كان المناخ العام في مصر جميلًا، الرخاء والوفرة والهدوء والسهولة والجيرة الطيبة والعلاقات الودودة، كان تعداد مصر حينها لا يزيد عن 15 مليون نسمة فقط، نشأت في هكذا مناخ، كم كنت محظوظًا أني ولدت في هذا الزمان”.
كتَّاب الشيخ حسن
وعن رحلته في الطفولة يقول فاروق فلوكس: "كعادة كل الأطفال في عمري ألحقني أبي بالكتَّاب في سن صغير، كتَّاب الشيخ حسن بمنطقة "رحبة عابدين" وفي مواجهة الكتَّاب جامع ومتحف قبطي، إلى الكتَّاب، تأخذني جدتي أم زينب "خالة أمي" التي كانت تقيم معنا، وأمام الكتَّاب أجد الشيخ حسن باسطًا يده، أضع فيها يوميًّا عملة "النكلة" وقيمتها 2 مليمًا يعطيني مقابلها كعكتين صغيريتين وأدخل إلى الكتَّاب، كانت "النكلة" هي رسوم التعليم والكعكتان هدية، كان الكتَّاب عبارة فصل واحد نتشاركه جميعًا".
ويواصل: “الشيخ حسن يعلمنا القراءة والكتابة ويحفظنا القرآن الكريم، والأبلة رتيبة تعلمنا الحساب والجمع والطرح، كنت وما زلت من المتفوقين في الحساب ومن بعده الجبر والهندسة وكل ما يتعامل مع الأرقام، في الكتَّاب، تعرضت إلى الضرب بسبب سوء حفظي ومعاقبة الشيخ حسن لي، طلبت من أمي أن أترك هذا الكتَّاب لكنها عنفتني، فقررت بعدها أن أهرب من الكتَّاب وأخذت طريق درب الجماميز حتى آخره وهناك عجزت عن العودة”.
ويتابع: “كان المجتمع طيب لا خوف فيه، أخذني بعض الناس إلى بيتنا بميدان عابدين بعد أن قلت لأحدهم أنني هربت من الكتَّاب لأن الشيخ حسن يضربني لعدم قدرتي على الحفظ، فعرف أنني أسكن قريبا فأعادني إلى البيت”.
عقاب الشيخ
ويؤكد: “ترك عقاب الشيخ حسن لي على عدم الحفظ أثرًا في نفسي وعقدة بسبب الحفظ استمرت لسنوات العمر، والارتباك الشديد إذا ما تعثرت في الحفظ، في البيت عاقبتني أمي عقابًا شديدًا لكنها قررت في النهاية نقلي إلى كتَّاب آخر في شارع السلطان حسين الذي أصبح يسمى شارع الشيخ ريحان فيما بعد، كتَّاب أقرب إلى روضة الأطفال، مختلط بين البنين والبنات، وهناك صادقت طفلة تدعى فريدة، جميلة ونظيفة ولها رائحة زكية”.
ويختتم: “كنت أنا فاروق وكانت هي فريدة تمامًا مثل الملك فاروق وزوجته الملكة فريدة، لكن فريدة انقطعت فجأة عن الحضور بسبب سفرها مع والدها خارج مصر، فقررت أن أنقطع عن الكتَّاب حزنًا على غيابها، أخذتني أمي بعد ذلك إلى روضة تابعة لكنيسة حارة السقايين، روضة شديدة النظام والانضباط وهناك تعلمت الكثير، مرت سنوات الكتَّاب والروضة سريعًا، وأنا طفل شقي وخفيف الظل لكني ذكي ولست بليدًا”.