«قلق السعى إلى المكانة».. آلان دو بوتون يتأمل الوضع البشرى
فى كتابه «قلق السعى إلى المكانة الشعور بالرضا أو المهانة».. الصادر عن دار التنوير بترجمة لمحمد عبدالنبى، يعيد الكاتب والفيلسوف البريطانى آلان دو بوتون تحليل النفس البشرية، راصدًا أبرز التحولات التى طرأت على الإنسان المعاصر مع تغير المفاهيم والتوجهات السياسية والاجتماعية.
يطرح الكاتب الأسئلة التى نصطدم بها كثيرًا: لماذا نريد أن نكون محط أنظار الناس؟ هل يمكن لنظرة واحدة من شخص عابر أن تغير تفكيرك تجاه نفسك؟ وهل يشعر الفقير بالعار لأن أحدًا لم يعره أى اهتمام؟، عن مفاهيم النجاح والفشل يحاول الكاتب البحث عن إجابة لكل تلك الأسئلة والمفاهيم المثيرة للعقل والتأمل. ولكن الأكيد أننا جميعًا نريد «أن نكون تحت أنظار الآخرين وموضع عنايتهم».
سأحاول هنا رصد بعض النقاط والأفكار التى وردت داخل الكتاب شديد الأهمية وشديد الثراء، وليس كل تفاصيل الكتاب، فقط سأسلط الضوء على الأسئلة والمفاهيم التى طرحها الكاتب والتى نحتاج جميعًا الإجابة عنها ومعرفتها والاصطدام بها.
يقف «آلان» أمام التحول الذى جرى فى السلوك الإنسانى نتيجة ما أطلق عليه «التقدم المادى»، وهو تحول العالم إلى التوجه الرأسمالى، والسياسة الاستهلاكية، التى فرضتها الكثير من الدول الغربية وتحديدًا الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية.. حيث إن «البضائع والخدمات التى كانت فيما سبق مقصورة حصريًا على النخبة من السادة صارت متاحة للجماهير. الرفاهيات أصبحت ضروريات لا غنى عنها».
هذا الأسلوب من الحياة الإنسانية الجديدة خلق شكلًا من أشكال الجمود تحديدًا فى البلدان التى لا تملك معرفة كبيرة بتلك المفاهيم، أى البلاد التى لا تملك ثقافة كافية للتعامل مع السياسة الجديدة للعالم، والتى لم تصنع رؤية خاصة بها، أو استطاعت التحول من الرؤية القديمة للعالم إلى الرؤية الأحدث.. ففى «اللحظة نفسها التى بدلت فيها أنماط الحياة اليومية فقد تبددت الرؤية الدورية القديمة للعالم، حيث لا يتوقع المرء من العام المقبل إلا نسخة مطابقة تقريبًا من العام السابق (وفى درجة السوء نفسها)».
هذا التحول يحيلنا إلى مفاهيم أخرى تمت إعادة النظر إليها مثل الحسد والشعور بالمكانة. حيث المكانة الاجتماعية أصبحت مقصورة على من يملك أكبر كم من الأشياء المادية، وأصبح لدى الإنسان خوف بل رعب حقيقى من العودة إلى ما يظن أنه الفقر، فالانخفاض الحاد فى مستويات العوز الحقيقى «قد يصحبه إحساس متواصل بل متصاعد بالخوف من العوز. لقد حظوا بثروات وإمكانات تفوق أى شىء تخيله أسلافهم ممن حرثوا التربة».
هذا الشعور الذى يصيب كبرياء الإنسان، شعور أنه غير ملفت للانتباه ولا يملك مكانة حقيقية فى مجتمع مادى، ولَّد داخل الإنسان دافعًا للجوء لشىء أكبر يستطيع من خلاله أن يشعر بأنه ذو قيمة، وربما يشعر بوجوده، ولذلك نرى داخل الكتاب أن الفقراء أو من يظنون أنهم فقراء لجأوا إلى الله، واختاروا من النصوص المقدسة ما يشعرهم بوجودهم فوق ظهر الأرض مثل النصوص التى تقول إن الله يحب الفقراء.
يواصل آلان فى كتابه الهام والممتع تأمل الوضع الإنسانى من خلال تقديمه وشرحه نصوصًا لكبار الأدباء والمفكرين والفلاسفة، لينتقل بعد ذلك إلى البحث عن تعريف للفن، هذه القِبلة التى يتجه إليها الإنسان ليعبر عن مأزقه وأحاسيسه المختلفة، يعتبر الكاتب أن وجود الفن ضرورى فى الحياة الإنسانية من أجل قيامه بفعل النقد، فالحياة «ظاهرة تحتاج إلى النقد».