تدهور الحالة النفسية للعاملين يؤثر على إنتاجهم.. من يساعدهم على التعافي؟
في مارس 2022، أطلقت وزارة الصحة والسكان منصة إلكترونية للصحة النفسية وعلاج الإدمان، استهدفت من خلالها تقديم الدعم النفسي للعاملين داخل المؤسسات الحكومية، بمشاركة عدد من الأطباء النفسيين الذين كُلفوا بمتابعة أحوال العاملين؛ حتى لا يؤثر تدهور حالاتهم النفسية على عملية الإنتاج.
ووفقًا لآخر إحصائيات الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، الصادرة في يناير 2023، تبين أن عدد مستخدمي المنصة الإلكترونية قد تجاوز الـ 57 ألف شخصًا، كما بلغ عدد استمارات الاستبيان الإلكترونية حوالي 18 ألف استبيان، بينما خضع مستخدمي المنصة إلى أكثر من 3600 جلسة علاجية افتراضية.
تقاعد نفسي
داخل أحد مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، كان يعاني مصطفى الششتاوي، 34 عامًا، من قلة الإنتاج لفترة تجاوزت 5 أعوام؛ وذلك بسبب التخبطات الاقتصادية التي شهدها سوق الملابس في الآونة الأخيرة، قبل عملية التطوير الشاملة التي وجه بها الرئيس عبد الفتاح السيسي لعودة مكانة مصانع الغزل والنسيج إلى مركزها الطبيعي.
ويوضح الشاب الثلاثيني في حديثه لـ«الدستور»، أن الأزمة التي شهدتها مصانع الغزل والنسيج في المحلة الكبرى، أدت إلى عدم وجود إقبال من الشباب على العمل بصناعة الغزل والنسيج، مما تسبب في وجود نقص في العمالة بهذه الصناعة، وبالتالي عدم وجود العمالة الماهرة لتوفير الإنتاجية المطلوبة.
ويضيف: «كُل ذلك أثر بشكل كبير في صحتي النفسية؛ لأنني كنت أشعر دائمًا باقتراب موعد تقاعدي من العمل، وكنت أعاني دومًا من الاضطرابات النفسية سواء داخل العمل أو خارجه، الأمر الذي أثر على إنتاجية عملي داخل المصنع، فضلًا عن علاقاتي الاجتماعية التي تذبذبت بشكل كبير أثناء تلك الفترة.
ويختتم «الششتاوي»: «حاولت كثيرًا الصمود أمام معاناتي النفسية مع العمل، والاستماع لنصائح العاملين القدامي داخل المصنع، لكن الوضع العام كان مشتتًا للغاية، ولم أجد حل سوى الابتعاد نهائيًا عن أجواء العمل، ورغم اعتقادي أن فترة التعافي ستكون وجيزة، إلا أنني لم أعد إلى العمل مرة أخرى حتى وقتنا الحالي».
تأثير واضح
الأزمة النفسية التي عاشها «الششتاوي» لم تكن فريدة من نوعها، فاضطرابات الصحة العقلية من بين أكثر المشاكل الصحية إرهاقًا لدى العاملين داخل المؤسسات المختلفة، وتؤثر على عملية الإنتاج بشكل واضح، وذلك ما يوضحه في السطور التالية مؤمن عبد الوهاب، أخصائي الصحة النفسية والعقلية.
يقول «عبد الوهاب» في حديثه لـ «الدستور»، إن قضايا الصحة العقلية تؤثر على الأعمال التجارية وموظفيها، كما يمكن أن تؤثر الصحة العقلية السيئة والتوتر سلبًا على الموظف، من حيث الأداء الوظيفي والإنتاجية، الانخراط في العمل، التواصل مع زملاء العمل، القدرة البدنية والأداء اليومي.
ويستكمل: «ترتبط الأمراض العقلية مثل الاكتئاب بارتفاع معدلات الإعاقة والبطالة، كما يتعارض الاكتئاب مع قدرة الشخص على إكمال مهام الوظيفة الجسدية في جزء كبير من الوقت، ويقلل من الأداء المعرفي أيضًا، وهناك العديد من الموظفين الذين يتلقون العلاج اللازم للسيطرة على أعراض الاكتئاب».
ويشير أخصائي الصحة النفسية والعقلية، إلى ضرورة تعزيز أصحاب العمل للوعي حول أهمية الصحة العقلية وإدارة الإجهاد، فقد أثبتت برامج تعزيز الصحة في مكان العمل نجاحها، لا سيما عندما تجمع بين تدخلات الصحة العقلية والبدنية، ويُعد مكان العمل هو المكان الأمثل لخلق ثقافة صحية؛ لأن هياكل الاتصال موجودة بالفعل، وشبكات الدعم الاجتماعي متاحة، كما يمكن لأصحاب العمل تقديم حوافز لتعزيز السلوكيات الصحية.
ويختتم «عبد الوهاب»: «تشمل خطوات العمل التي يمكن لأصحاب العمل اتخاذها، إتاحة أدوات التقييم الذاتي للصحة العقلية لجميع الموظفين، تقديم فحوصات سريرية مجانية أو مدعومة للاكتئاب من اختصاصي صحة عقلية مؤهل، فضلًا عن توفير التدريب أو المشورة أو برامج الإدارة الذاتية المجانية أو المدعومة، وأخيرًا منح الموظفين فرص للمشاركة في القرارات المتعلقة بالقضايا التي تؤثر على ضغوط العمل».
«الإناث» بالمرتبة الأولى
وكانت أعلنت الدكتورة منن عبد المقصود الأمين العام لأمانة الصحة النفسية وعلاج الإدمان، في تصريحات سابقة، إن نسبة المستخدمين من الإناث للمنصة الإلكترونية الخاصة بالصحة النفسية، بلغت 70% مقابل 30% من الذكور، مشيرة إلى أن زوار المنصة بينهم 19% من المتزوجين، مقارنة بـ 81% من غير المتزوجين.
واتضح أيضًا أن أكثر الفئات العمرية تفاعلًا بالمنصة، كانت بين 15 إلى 25 عامًا، بينما بلغت نسب المستخدمين من العاملين 36% من مختلف محافظات الجمهورية، وكُل ذلك يتم توفيره بالمجان، لأول مرة في الشرق الأوسط.