من باكو إلى يريفان
بين العاصمتين، الأذرية والأرمينية، ما صنع الحدّاد، ونزاع يمتد لأكثر من ثلاثين سنة، حول مرتفعات «ناجورنى قره باخ»، وأواخر الشهر الماضى، أعرب سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، ونظيره الأذرى جيهون بيراموف، عن أسفهما لرفض يريفان المشاركة فى محادثات كان من المقرر إجراؤها فى العاصمة الروسية موسكو بشأن تسوية هذا النزاع وتوقيع معاهدة سلام بين أرمينيا وأذربيجان.
استمرارًا لمساعى دولة ٣٠ يونيو، لتجديد دوائر تحركها الخارجية، ومع خطوات سابقة، أكدت بها مصر حضورها الفاعل، والمؤثر، فى مناطق النزاعات، التى تحاول أطراف دولية وإقليمية استغلالها لتحقيق مصالحها، قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بخطوتين جادتين جديدتين، وحاول عمليًا، تطبيق الدعوة، التى وجهها، منذ أيام، من العاصمة الهندية نيودلهى، إلى ضرورة «نشر السلام بين الشعوب» و«تكاتف الدول النامية لمواجهة التحديات المشتركة والأزمات الدولية». ولعل موقف مصر المحايد من النزاع حول «ناجورنى قره باخ»، ووقوفها على مسافة واحدة من طرفيه، يتيح لها أن تخلق قاعدة جيدة لتسوية مستقبلية.
المهم، هو أن الرئيس السيسى، كما أشرنا أمس، غادر باكو، متوجهًا إلى العاصمة الأرمينية، فى زيارة هى الأولى لرئيس مصرى منذ استقلال أرمينيا عن الاتحاد السوفيتى السابق، فى أغسطس ١٩٩١. مع أن مصر كانت من أوائل الدول التى اعترفت بذلك الاستقلال، ومع أن الأرمن الذين حملتهم السفن الفرنسية، إلى ميناء بورسعيد، خلال مذابح العثمانيين التى بدأت سنة ١٩١٥، وراح ضحيتها أكثر من ١.٥ مليون أرمينى، انطلقوا إلى مختلف محافظات مصر، لينصهروا فى نسيج شعبها، وكان منهم نوبار باشا، أول رئيس وزراء لمصر، والموسيقار فؤاد الظاهرى، والنجمات نيللى، لبلبة، وفيروز، وإيمان «ليز سركسيان»، و«ألكسندر صاروخان»، نجم «أخبار اليوم» و«روزاليوسف»، ومبتكر شخصيات «إشاعة هانم»، و«المصرى أفندى».
تأسيسًا على ذلك، أشاد الرئيس السيسى خلال مباحثاته مع الرئيس الأرمينى فاهاجن خاتشاتوريان، صباح أمس الأحد، بعلاقات الصداقة المتينة والتاريخية بين البلدين الصديقين، وأشار إلى أن الأرمن، الذين استضافت مصر عشرات الآلاف منهم، ولا تزال، أسهموا فى التطورات، التى شهدتها فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية، إلى جانب دورهم كمكوّن فاعل ومنتج، فى إثراء المجتمع المصرى.
مباحثات الرئيسين تناولت عددًا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وفى هذا السياق، أشاد الرئيس خاتشاتوريان بدور مصر المحورى على صعيد ترسيخ الاستقرار فى الشرق الأوسط وإفريقيا، قبل أن يشيد، فى سياق آخر، بخطوات إصلاح الاقتصاد المصرى والمشروعات القومية الكبرى الجارى تنفيذها، ويعرب عن تطلعه إلى استفادة بلاده من الخبرات المصرية فى تنفيذ مشروعات البينة التحتية والنقل وباقى القطاعات، التى باتت مصر تتمتع فيها بتجربة ناجحة. ومن جانبه، شدّد الرئيس السيسى على ضرورة تعميق العلاقات بين البلدين، خاصة على المستويين الاقتصادى والتجارى، وتعزيز دور اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادى والعلمى والفنى، التى استضافت يريفان دورتها الخامسة فى ٢٠١٧، وكذلك منتدى رجال الأعمال، الذى يساعد بدوره على التعريف بمجالات الاستثمار والتجارة المتاحة بين البلدين.
مع نيكول باشينيان، رئيس الوزراء الأرمينى، تناول الرئيس السيسى أيضًا، تطورات الخطة التنموية، التى تتبناها الدولة، والمشروعات القومية الجارى تنفيذها، وما تتيحه من فرص للاستثمار، مؤكدًا اهتمامه بتحقيق نقلة نوعية فى مساحة التعاون الثنائى فى عدد من المجالات الواعدة كالطاقة والبنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات والصناعات الغذائية والدوائية، وتشجيع التعاون بين مجتمع رجال الأعمال فى الدولتين، إضافة إلى دعم مساعى مصر لإقامة منطقة تجارة حرة مع دول الاتحاد الاقتصادى الأوراسى لما ستحققه من مصلحة مشتركة للجانبين، حيث تتناسب المنتجات المصرية مع احتياجات هذه الدول من حيث الجودة والسعر.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيسين، المصرى والأرمينى، شهدا التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة بين الجهات الحكومية المعنية فى البلدين للتعاون فى عدد من المجالات العلمية والتكنولوجية، من بينها مذكرة تفاهم للتعاون بين وزارة الشباب والرياضة المصرية ووزارة التعليم والعلوم والثقافة والرياضة الأرمينية، ومذكرة تفاهم للتعاون المؤسسى فى مجال الاستثمار.