نظرة مستقبلية مستقرة
تلك هى نظرة مؤسسة «ستاندرد آند بورز» للاقتصاد المصرى، للمرة الثانية، خلال ثلاثة أشهر، أبقت خلالها، أيضًا، التصنيف الائتمانى لمصر، بالعملتين المحلية والأجنبية، كما هو دون تعديل، عند مستوى «B». ما يُعد شهادة دولية جديدة بأن الاقتصاد المصرى بدأ فى التعافى من تداعيات الظروف الاستثنائية، الدولية والمحلية، التى تشابكت فيها التأثيرات السلبية لوباء كورونا المستجد مع التبعات الكارثية للأزمة الأوكرانية.
أيضًا، توقع ١٨ خبيرًا اقتصاديًا، فى استطلاع أجرته وكالة «رويترز» بين ٩ و٢٤ يناير الجارى، أن يحقق الاقتصاد المصرى نموًا بنسبة ٤.٨٪ فى السنة المالية الحالية، ٢٠٢٢/٢٠٢٣، التى تنتهى فى ٣٠ يونيو المقبل، بزيادة ٠.٨٪ عمّا توقعته الحكومة المصرية فى خطاب النوايا الموجه إلى «صندوق النقد الدولى»، فى ٣٠ نوفمبر الماضى. كما توقع الخبراء، الذين استطلعت «رويترز» آراءهم، نزول سعر صرف الدولار إلى ٢٦.٢٤ جنيه، بنهاية يونيو المقبل، وألا يتجاوز ٢٨.٥٠ جنيه فى نهاية يونيو التالى. ولأنها «رويترز»، لم تكتفِ بنشر نتائج الاستطلاع، الإيجابية إلا قليلًا، بل ذكرت أن سيدة اسمها كالى ديفيس، تعمل فى «أكسفورد إيكونوميكس أفريكا»، شككت فى صحة تلك النتائج، أو التوقعات، زاعمة أنها ترى «تباطؤًا فى النمو المدفوع بالاستثمارات الحكومية؛ نظرًا لتأخير مشروعات البنية التحتية التى تتطلب استثمارات بالدولار».
مع النظرة المستقبلية المستقرة، «Stable Outlook»، وبقاء التصنيف الائتمانى على ما هو عليه، عند مستوى «B»، توقعت مؤسسة «ستاندرد آند بورز»، التى هى إحدى وكالات التصنيف الائتمانى الثلاث الكبرى، فى تقريرها الأخير المنشور أمس الأول الخميس، أن تستمر مصر فى تحقيق الانضباط المالى خلال العام الحالى ٢٠٢٢/٢٠٢٣، وأن يبلغ معدل النمو الاقتصادى خلال الأعوام الثلاثة المقبلة حوالى ٤٪، فى المتوسط، مدفوعًا بالنمو القوى لقطاعات التشييد والبناء والطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتجارة الجملة والتجزئة، والصناعات التحويلية، والزراعة، والصحة.
التقرير أشاد بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، وركز، بشكل إيجابى، على أهمية إصدار وثيقة «سياسة ملكية الدولة»، مؤكدًا أنها تعكس رغبة الدولة ومؤسساتها فى تشجيع وجذب القطاع الخاص وتعزيز مساهمته فى النمو الاقتصادى بصورة قوية خلال الفترة المقبلة. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن الدولة تستهدف جذب استثمارات أجنبية مباشرة سنويًا بنحو ١٠ مليارات دولار، وزيادة الحصيلة السنوية لقطاع السياحة إلى ٣٠ مليار دولار، ودفع جهود تنمية حصيلة الصادرات السلعية لتصل إلى ١٠٠ مليار دولار.
قد تكون الإشارة مهمة، أيضًا، إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادى، المدعوم من صندوق النقد الدولى باتفاق يمتد إلى ٤٨ شهرًا، سيسمح بوجود آفاق للنمو، خلال السنوات الأربع، وسيُعزز القدرة على الحصول على التمويل الكافى لتلبية احتياجات البلاد الخارجية، وسيدعم استقرار الأوضاع الاقتصادية وسيحافظ على الانضباط المالى، لأنه تضمّن مجموعة متسقة ومتكاملة من التدابير التى تسهم فى تحسين بيئة الأعمال ورفع معدلات الإنتاج والتصدير السلعية والخدمية، و... و... وعودة مسار المديونية الحكومية إلى التراجع.
المهم هو أن تقرير «ستاندرد آند بورز» توقع أن ينخفض عجز الحساب الجارى حتى ٢٠٢٦، بفعل التأثير الإيجابى لنظام سعر الصرف المرن على زيادة تنافسية وحصيلة الصادرات السلعية والخدمية المصرية، والأداء القوى لإيرادات قطاع السياحة والصادرات البترولية، خاصة الغاز الطبيعى، التى وصلت حصيلتها الشهرية إلى نحو ٧٠٠ مليون دولار، وتحقيق قناة السويس حصيلة هى الأعلى تاريخيًا وصلت إلى ٧ مليارات دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى ٨ مليارات دولار خلال العام الحالى، إضافة إلى ارتفاع إيرادات قطاع السياحة بشكل ملحوظ خلال العام الماضى، وتحقيقه ١٠.٧ مليار دولار وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة ٧١٪ لتحقق نحو ٩.١ مليار دولار مقارنة بنحو ٥.٢ مليار دولار فى العام قبل الماضى.
.. وأخيرًا، أشار التقرير إلى إمكانية تحسين التصنيف الائتمانى لمصر، خلال الفترة المقبلة، لو كان التوسع الاقتصادى مرتفعًا وقويًا، ولو تمكّن برنامج الإصلاح الوطنى من جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، ولو تحقق انخفاض ملحوظ فى مستويات الدين الحكومى، ولو استطاعت الدولة المصرية الحصول على تمويلات خارجية مستدامة.