سامى شرف.. رجل «عبدالناصر» يغيب (بروفايل)
من الفيلا رقم 12 شارع «كومانوس» الصومال حالياً بمصر الجديدة الساعة الثالثة من صباح يوم 21 أبريل 1929 بدأت أصرخ معلناً بدء حياتي.. بهذه الكلمات وصف سامي شرف الوزير الأسبق لشئون رئاسة الجمهورية وسكرتير عبدالناصر للمعلومات، الذي رحل عن عالمنا منذ قليل، لحظات ميلاده في كتابه الشهير «سنوات مع عبدالناصر».
«شرف» أحد مؤسسي المخابرات العامة المصرية وسكرتير الرئيس عبدالناصر الشخصي للمعلومات، ولد سامي عبدالعزيز محمد شرف في ٢١ ابريل عام ١٩٢٩ بمصر الجديدة، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، وتنتمي جذوره العائلية إلي قبائل عربية هاجرت من الأراضي الحجازية ينتسب إليها شاعر الرسول حسان بن ثابت واستقرت في الشرقية.
أما والده فقد مارس الطب في انجلترا وعاد حاملاً الدكتوراه في الجراحة من أدنبرة وأصبح مفتشا للصحة في أكثر من محافظة وقد تمني أن يكمل ابنه رسالته ويصبح طبيبا مثله ووافقه الابن علي ذلك رغم أنه كان يميل إلي الدراسة العسكرية، لكن المصروفات بقيت عائقا، حتى رفض سامي أن يكمل دراسته، وقرر أن يلتحق بكلية التجارة انتظارا لطلب دفعة جديدة للكلية الحربية لكن يوم الكشف الطبي في اختبارات الكلية الحربية أصيب بمرض التيفود فلم يلتحق بتلك الدفعة، والتي عرفت فيما بعد بـ"دفعة ١٩٤٨"(وهو عام تخريج الدفعة) .
التحق سامي شرف بالكلية الحربية في سبتمبر ١٩٤٧ وأطلقت علي دفعته اسم الكوليرا، نظرا لانتشار مرض الكوليرا في تلك السنة وقبل أقل من ٣ سنوات وفي١ فبراير ١٩٤٩ تخرجت تلك الدفعة ليجد نفسه في سلاح المدفعية وتزوج سامي شرف بعد أن أصبح ملازم أول راتبه ١٢ جنيها في الشهر واختار جارتهم في السكن السيدة تغريد ليتزوجا في ١٩٥١ ليكونا عائلة من ٤ أبناء وبنات و١٢ حفيدًا.
وبعد قيام ثورة ٢٣ يوليو بثلاثة أيام التحق بالمخابرات الحربية؛ ليكون واحدا من المجموعة الأولي التي أسست المخابرات العامة.
سامي شرف وجمال عبدالناصر
حكى شرف ملمحًا من اللقاء الأول بينه وبين عبدالناصر في كتابه الشهير «سنوات مع عبدالناصر»، حيث كان أول لقاء في أواخر سنة 1951 عندما التحق بدورة عقدت في مدرسة الشئون الإدارية تمهيدا لرتبة اليوزباشي (النقيب)، ولأن عبدالناصر كان يقوم بتدريس مادة التحريات والمخابرات في هذه الدورة، حيث أتاحت له هذه الدورة التدريبية فرصة لقاء مباشر مع الرئيس جمال الذي طلب منه أن يمر عليه في مكتبه، وعندما ذهب إليه استقبله بود، ودار حديث حول أدائه في الدورة، وأعجب بالنوتة الخاصة به، كما قال له على وجه التحديد: إذا استمررت بهذا الأسلوب فسيكون لك مستقبل يبشّر بالخير وأنا متنبئ لك بمستقبل كويس.
وفي ليلة الثورة بالتحديد فوجئ بزميله محمد المصري علي باب بيته يطلب منه الاستعجال في ارتداء ملابسه العسكرية دون أن يبدي أسبابا، واستجاب لطلبه دون تردد وعرف بعدها أن الثورة قد قامت ثم كلفه بمهام محددة قام بتنفيذها دون سؤال.
المهمة الأولي
كانت المهمة الأولي له بعد نجاح الثورة بثلاثة أيام، حيث كلف بالتوجه إلي مبني مصلحة التليفونات والتلغراف (في قلب القاهرة) لمراقبة البرقيات المرسلة من الصحفيين الأجانب والواردة إليهم باعتباره يجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية .
بعد ذلك بيومين استدعاه ذكريا محيي الدين (المسئول عن المخابرات الحربية) ليبلغه باختياره عضوا قي هيئة جديدة شكلت باسم "هيئة مراقبة الإدارة الحكومية" يشرف عليها جمال عبدالناصر تتبع مجلس قيادة الثورة وتتكون من عشرين ضابطا من الضباط الأحرار، كانت بمثابة الرقابة الإدارية الآن، وبعد ذلك أيام استدعاه جمال عبدالناصر ليخبره أنه سيعمل في المخابرات في وحدة ذكريا محيي الدين ولكن تكليفاته ستكون من الرئيس مباشرة وتقاريره تعرض عليه وحده.
كانت أول مهمة يكلف بها هي التأكد مما يشاع حول قيام مصطفي أمين بعمل أرشيف سري خاص به بعيدا عن صحيفة أخبار اليوم يستخدم في محررين بعينهم للحصول علي معلومات وأخبار، والقيام بمهام خاصة ليست للنشر، وأن هؤلاء المحررين يتلقون منه رواتب شخصية.
الأرشيف السري للبوليس السياسي
كان نجاح هذه المهمة مشجعا لتكليفه بمهمة أصعب، وهي الحصول علي الأرشيف السري للبوليس السياسي قبل الثورة الذي كان يرأسه اللواء محمد إبراهيم إمام، بعد شيوع الاتهام بين الصحفيين والسياسيين بتعاملهم معه وتقاضيهم مصروفات سرية منه وقد نجح سامي شرف في الاتصال به.
وجاء الرجل بنفسه إلي مكتبه وهو يحمل حقيبة صغيرة بها متعلقات شخصية وقال "إن ذلك الأرشيف وضع بعد حريق القاهرة في غرفة سرية بقصر عابدين يصعب الوصول إليها"، ووجدها سامي شرف فرصة ليسأله عن المسئول عن إشعال النار في القاهرة يوم ٢٦ يناير ١٩٥٢، وكان ما قاله مفاجأة: "إن شرارة الحريق الأولي أطلقها الملك فاروق بترتيب خاص مع بعض المحيطين به لإخراج حكومة الوفد التي كانت شعبيتها تتزايد منذ توقيع معاهدة ١٩٣٦، وفي الوقت نفسه سعي الملك بذلك الفعل الإجرامي إلي ممارسة الضغوط بأساليب مهينة ويتعاطفون مع الوفد منذ حادث ٤ فبراير ١٩٤٢، لكن الملك كان أول من احترق ولم تمر سوي شهور قليلة حتى قامت الثورة وغادر الملك بعدها البلاد".
سكرتير الرئيس للمعلومات
ظل شرف يعمل مع الرئيس عبدالناصر الذي كان يكلفه بمهام خاصة حتى أواخر شهر مارس ١٩٥٥، وكان عبدالناصر مسافراً للمشاركة في مؤتمر "باندونج" فاستدعاه وكلفه بإنشاء سكرتارية الرئيس للمعلومات وعينه سكرتيرا لرئيس للمعلومات، استمر في هذا العمل وحصل على درجة مدير عام ثم وكيل ثم نائب وزير فوزير.
بعد وفاة جمال تم تعيينه وزيرًا للدولة ثم وزيرا لشئون رئاسة الجمهورية، وذلك في شهر أبريل عام ١٩٧٠.
شرف والسادات
طلب سامي شرف من الرئيس أنور السادات بعد رحيل عبدالناصر أن يتقاعد 3 مرات، لكنه رفض وظل حتى أحداث ١٣ مايو ١٩٧١م التي تم فيها اعتقاله وسجنه، وبقى في السجن حتى يونيو ١٩٨٠ ثم تم نقله إلى سجن قصر العيني حتى ١٥ مايو ١٩٨١م، حيث أفرج عنه هو وزملاؤه بدون أوامر كما يقول "وجدنا باب السجن مفتوحا وقد اختفى الضباط والجنود، فرحنا نتشاور فيما بيننا وأخيرا قررنا الخروج، ووضعنا احتمالين، إما أن نتعرض للاغتيال أو نذهب إلى بيوتنا" وكان الاحتمال الثاني هو الصحيح، فذهبنا إلى بيوتنا"، وكان المعني جاسوسا للمخابرات السوفيتية وهذا بشهادة العديد من الضباط وكذا المخابرات المصرية وحتى الفارين من المخابرات الروسية، ويصف سامي شرف فترة السجن بأنها كانت تجربة قاسية عانى فيها هو وزملاؤه من عذاب معنوي شديد.
بعد خروجه من السجن قرر أن يستمر في التعليم، فانتسب إلى الجامعة الأمريكية القاهرة للحصول على الماجستير في الإدارة العامة، لكنه فوجئ هناك بأن أحد أساتذة الجامعة من عناصر المخابرات الأمريكية كان يضايقه في محاولة للحصول منه على معلومات عن ناصر، فترك الجامعة وقرر أن يعلم نفسه بنفسه وأن يطور ثقافته ليواكب عصر الكمبيوتر والإنترنت، واستمر في شقته وكتب مذكراته في 7 أجزاء، حكى فيها وقائع تاريخية عاصرها في مرحلة حكم ناصر، حتى رحل عن عالمنا اليوم داخل مستشفى وادي النيل بعد صراع مع المرض عن ناهز 93 عامًا.