الشرطة.. وعطاء الأجيال
تحتفل الدولة المصرية غدًا بإذن الله بعيد الشرطة الواحد والسبعين.. وهكذا تمر الأيام وتتتابع الأجيال من رجال الشرطة الذين لم تلين عزيمتهم منذ معركة الإسماعيلية فى 25 يناير 1952، التى راح ضحيتها 50 شهيدًا و80 جريحًا من خيرة الرجال الأوفياء، وذلك عندما تصدى 850 رجلًا منهم أمام هجوم 7 آلاف جندى بريطانى حاصروا مبنى محافظة الإسماعيلية وثكنات الشرطة هناك ودافعوا ببسالة عنها حتى اللحظة الأخيرة، مما دفع الجنرال الإنجليزى إكسهام قائد القوات البريطانية إلى أداء التحية العسكرية للشهداء والمصابين الأبطال المصريين عند خروجهم من مبنى المحافظة مرفوعى الرأس فى كبرياء وشمم، وكانت تلك المعركة هى الشرارة الأولى لاندلاع ثورة 23 يوليو 1952.
وقد تصادف أن يكون الاحتفال بعيد الشرطة هذا العام متزامنًا مع الأسابيع الأولى للطلبة المستجدين الذين تم قبولهم للدراسة بأكاديمية الشرطة، ليتم إعدادهم وتأهيلهم لتحمل مسئولية الدفاع عن وطنهم استكمالًا لمسيرة الأسلاف من رجال الشرطة الذين ضحوا بأرواحهم فى ميادين عملهم المختلفة، وكذلك فى مواجهة التنظيمات الإرهابية التى تسعى إلى تخريب البلاد وترويع العباد.
لقد شهدت جميع قطاعات الشرطة فى عهد السيد اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، تطورات غير مسبوقة، وذلك لما يتمتع به من اتساع الأفق والرؤية الصائبة التى تجعل الاهتمام بتطوير آليات العمل بتلك القطاعات تشكل منظومة مستمرة من التطوير لا تتوقف عند حد معين.. وهو ما حدا بالسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يثق فى قدرات وإمكانيات قيادات وزارة الداخلية ويوجه بتقديم كل أنواع الدعم لهم تحقيقًا لاستمرار أمن وأمان البلاد.
كانت حركة التطور التى تشهدها البلاد حاليًا حافزًا لكى تتطور معها أجهزة وزارة الداخلية تحقيقًا لوجود شرطة عصرية متحضرة تليق بالجمهورية الجديدة، وهو بالفعل ما تشهده الداخلية حاليًا من تطوير كبير جعلها قادرة على مواكبة التطورات الحديثة وتوفير الأمن المعلوماتى والخدمات الأمنية الأخرى بصورة غير مسبوقة من الإنجاز وأحيانًا الإعجاز.. حيث شمل أيضًا أساليب مواجهة الجريمة والحد من وقوعها وكذلك الأمن الإنسانى والاجتماعى مع ترسيخ قيم حقوق الإنسان، من خلال الاهتمام بمراكز الإصلاح والتأهيل وتطويرها والحرص على تأهيل النزلاء خلف الأسوار، والاهتمام بهم من خلال المشروعات الإنتاجية الضخمة خلف الأسوار، مع وجود منظومة علاجية متحضرة لهم مع التأهيل المستمر لسلوكهم وتجهيزهم للتعامل مع المجتمع فى أعقاب الإفراج عنهم.. كما أصبحت أجهزة الشرطة قادرة على ضبط المتهمين فى القضايا الجنائية بسرعة كبيرة قد لا يتوقعها المجرمون أنفسهم، وذلك من خلال الحملات الأمنية المكثفة والمجهزة على أعلى المستويات لتفكيك البؤر الإجرامية خاصة جرائم المخدرات والأسلحة غير المرخصة، حيث حققت أعلى معدلات الضبط خلال السنوات الثلاثة الماضية.. كما شهد الأمن المعلوماتى تطورًا كبيرًا لمواجهة الجرائم الإلكترونية التى باتت تؤرق الأسر المصرية، ومن هنا فقد توسعت إدارة مكافحة تلك الجرائم من خلال إنشاء مقار خاصة بتلقى بلاغات جرائم الإنترنت على مستوى الجمهورية، مع إتاحة تقديم البلاغات عبر أقسام الشرطة أو من خلال البلاغات التليفونية.. وقد سجلت تلك الإدارة نجاحات باهرة فى توجيه ضربات استباقية للقائمين بتلك الجرائم، وهو ما أسهم فى خلق حالة من الهدوء والاستقرار، خاصة أنه قد تم تغليظ العقوبات على مرتكبى هذه الجرائم، مما يؤكد أن المجتمع أصبحت لديه قناعة بخطورتها على الأسرة المصرية والحفاظ عليها من التفكك والانهيار.
وإذا تحدثنا عن شرطة المرور، فجميعنا بلا استثناء نشهد هذا الكم الكبير من كاميرات المراقبة والردارات المنتشرة فى جميع الشوارع والميادين والمحاور والكبارى والأنفاق وطرق السفر، سواء إلى الوجه البحرى أو القبلى، وهو ما أدى إلى تقليص حوادث المرور بنسبة كبيرة.. أما فى قطاعات الشرطة الخدمية فإننا نشهد جميعًا ذلك التطوير الكبير الذى جعل تلك الخدمات من الممكن أن تقدم للمواطنين فى محل إقامتهم سواء من خلال الإنترنت أو الاتصال التليفونى، حيث أصبح الحصول على الوثائق أمرًا سهلًا وممكنًا، ويتم إنجازه فى أسرع وقت وبأقل جهد.
أما عن الإرهاب والتنظيمات الإرهابية فإننا نعيش حاليًا فترة من الاستقرار والأمان نتيجة نجاح قطاع الأمن الوطنى، وتسانده القطاعات الأخرى فى توجيه ضربات استباقية الواحدة بعد الأخرى، كما جاء التنسيق مع القوات المسلحة الباسلة ليحققا معًا أعلى معدلات النجاح فى تقويض العمليات الإرهابية والقضاء على أكبر عدد من عناصرها سواء عند محاولتهم القيام بها أو اختبائهم فى جحورهم كالأفاعى والحشرات.
لقد طالت يد التطوير جميع مناحى أداء العمل الشرطى بدءًا من المناهج الدراسية لطلبة أكاديمية الشرطة وصولًا إلى حصول العديد من الخريجين على درجتى الماجستير والدكتوراه.. كما حدث تطوير فى كل مبانى الوزارة وأقسام الشرط، بحيث تواكب بيئة المحافظات والمراكز التى تنتشر فيها، حيث نجد على سبيل المثال أن مبنى مديرية أمن الإسكندرية يختلف عن ذلك الموجود فى الوادى الجديد، فكلاهما يتناغم مع طبيعة البيئة المحيطة به.
من الطبيعى أننا لن نتمكن من حصر ذلك التطوير الذى تشهده الشرطة المصرية شكلًا وموضوعًا، ولكن حسبنا ونحن من الجيل الذى لم يعاصر تلك التطورات، حيث كانت الإمكانيات محدودة وتعتمد فى المقام الأول على العنصر البشرى ثم الأدوات المساعدة له.. ولكن مع تتابع الأجيال رأينا هذا التطور والتطوير الذى شمل البشر والحجر فى آن واحد، وهو ما يجعلنا فخورين بما وصل إليه أبناؤنا من الأجيال اللاحقة الذين تسلموا منا أمانة المسئولية وشرف الدفاع عن الوطن.. ولاشك أنهم أيضًا سوف يقومون بذلك مع الأجيال القادمة.. وهكذا نحقق العطاء والولاء والوفاء لوطننا المفدى.
وتحيا مصر.