تشاؤم حذِر فى دافوس!
صورة متشائمة، إلا قليلًا، للاقتصاد العالمى، رسمها «كبار الاقتصاديين» فى الدورة الثالثة والخمسين للمنتدى الاقتصادى العالمى، «دافوس ٢٠٢٣»، التى أقيمت تحت شعار «التعاون فى عالم منقسم»، غير أن بعضهم أشار، فى المقابل، إلى عدد من التطورات الإيجابية المتوقع حدوثها خلالها العام الجارى.
فى استطلاع رأى، تم نشر نتائجه، الثلاثاء الماضى، توقع ثلثا هؤلاء أن يدخل الاقتصاد العالمى، هذا العام، فى حالة ركود، وأجمعوا على أن آفاق النمو محدودة، خاصة فى الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ومع تسليم المتفائلين، أو الثُلث الباقى، بصعوبة التحديات التى يواجهها العالم، إلا أنهم توقعوا، أو رجحّوا، تراجع الضغوط على أسعار الغذاء والطاقة، واستمرار مرونة سوق العمل، وانحسارًا تدريجيًا للتضخم. واتفق المتشائمون والمتفائلون على ضرورة الاستثمار فى التعليم والزراعة وتنمية المهارات وخلق فرص العمل.
المنتدى، الذى انطلق الإثنين الماضى وانتهى أمس الجمعة، قال فى تقرير «المخاطر»، الذى يصدره سنويًا، إن العالم يشهد عودة «مخاطر قديمة» غير مألوفة لدى مجتمع الأعمال الحديث، كالتضخم، وأزمات غلاء المعيشة، والحروب التجارية، وتدفق رءوس الأموال خارج الأسواق الناشئة، وتفشى الاضطرابات الاجتماعية، والخلافات الجيوسياسية، وشبح الحرب النووية. كما أشار، فى الوقت ذاته، إلى وجود تحديات من نوع جديد ستفاقم حدة هذه المخاطر التقليدية، مثل المستويات غير المستدامة للديون، والنمو المنخفض، وتباطؤ الاستثمار العالمى، وتراجع العولمة والتنمية البشرية بعد عقود من التقدم، والتطور السريع وغير المقنن للتقنيات ذات الاستخدامات المدنية والعسكرية، والضغط المتزايد لتأثيرات التغيرات المناخية.
أقيمت نسخة هذا العام، كما أشرنا، تحت شعار «التعاون فى عالم منقسم»، غير أن أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ندّدت فى كلمتها أمام المنتدى بـ«المحاولات الشرسة» و«الممارسات غير العادلة» الهادفة إلى جذب القدرات الصناعية فى أوروبا «إلى الصين وأماكن أخرى»، محذّرة من أن الاتحاد الأوروبى لن يتردد فى «فتح تحقيقات» بهذا الشأن. وفى المقابل، رسم «ليو هى»، نائب رئيس الوزراء الصينى، صورة متفائلة لثانى أكبر اقتصاد فى العالم، مؤكدًا أن «نمو الصين سيعود إلى اتجاهه الطبيعى»، متوقعًا أن «يشهد الاقتصاد الصينى تحسنًا كبيرًا فى ٢٠٢٣»، وداعيًا إلى «التخلى عن عقلية الحرب الباردة، والسعى لبناء مصير مشترك للبشرية، والتكاتف فى مواجهة التحديات العالمية».
مصر، كانت حاضرة بقوة فى المنتدى، وعلى امتداد أيامه الخمسة، شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى، فى العديد من الفعاليات والجلسات النقاشية، وقامت، خلال مشاركتها فى المائدة المستديرة حول الاستثمار فى البنية التحتية، باستعراض جهود الدولة المصرية، منذ سنة ٢٠١٤، للتوسع فى مشروعات البنية التحتية المستدامة. وشدّدت على أهمية تبادل الخبرات والتجارب الناجحة بين دول الجنوب، لتسريع وتيرة جهود التنمية، فى ظل التغيرات المناخية المتسارعة، وتداعيات وباء كورونا والأزمة الأوكرانية.
فعاليات وجلسات نقاشية عديدة، شاركت فيها، أيضًا، الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، التى قامت خلال زيارتها إلى دافوس بعقد عدة لقاءات ثنائية مع وزراء ورؤساء تنفيذيين لشركات ومؤسسات كبرى، لبحث فرص جذب الاستثمارات إلى مصر. وسعيًا إلى توطيد العلاقات الاقتصادية مع المؤسسات الإقليمية والدولية، عقدت، السعيد والمشاط، عددًا من الاجتماعات الثنائية مع ممثلى المؤسسات الدولية وشركاء التنمية، الثنائيين ومتعددى الأطراف، و... و... والمنظمات غير الهادفة للربح.
.. وتبقى الإشارة إلى أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، رسم هو الآخر صورة شديدة القتامة للوضع الدولى، مؤكدًا أن انقسامات الحرب الباردة كانت أسهل من الاستقطاب الذى يشهده العالم اليوم، لافتًا إلى أن أحد أخطر التهديدات هو ما وصفه بـ«الصدع التكتونى»، الذى يفصل بين الولايات المتحدة والصين، والذى من شأنه، وفق تصوره، «أن يخلق مجموعتين مختلفتين من قواعد التجارة، وعملتين مهيمنتين، واستراتيجيتين متعارضتين بشأن الذكاء الصناعى». كما خصص الأمين العام للأمم المتحدة جزءًا كبيرًا من كلمته، أمام المنتدى، للتحذير من تداعيات أزمة تغير المناخ، التى قال إنها تقترب من نقطة اللاعودة.