خميس أسود فى باريس!
تسمية «الخميس الأسود»، أطلقتها وسائل إعلام فرنسية على اليوم الأول من المظاهرات والإضرابات، النقابية والحزبية، التى تطالب الحكومة بالتراجع عن مشروع قانون لـ«إصلاح نظام التقاعد»، فى الوقت الذى تعانى فيه غالبية الفرنسيين من غلاء المعيشة بسبب التضخم. وبينما ذهب الرئيس إيمانويل ماكرون، و١١ وزيرًا، إلى مدينة برشلونة، للمشاركة فى القمة الفرنسية الإسبانية، تراجعت إليزابيث بورن، رئيسة الحكومة، وأوليفيه دوسو، وزير العمل، عن مشاركتهما فى القمة، لمتابعة الأوضاع ميدانيًا.
التحدى الأكبر الذى تواجهه النقابات العمالية هو تحويل الغضب من أزمة غلاء المعيشة، غير المسبوقة، إلى احتجاج جماهيرى، يُجبر الحكومة على تغيير خططها بشأن رفع سن التقاعد من ٦٢ إلى ٦٤ سنة بحلول سنة ٢٠٣٠، وتسريع عملية رفع الحد الأدنى لعدد سنوات المساهمة فى صندوق التأمين التقاعدى، للحصول على معاش كامل. وخلال الأيام الماضية، سعت رئيسة الحكومة، إلى تبريد الأجواء بدعوتها المعترضين على مشروع القانون إلى التحلى بروح المسئولية، بعد مباحثات أو مفاوضات لم تكن موفقة.
مع ما لا يقل عن ٢٠٠ مظاهرة، شهدتها مدن عديدة، انطلق حوالى ٨٠ ألف متظاهر، فى الثانية بعد الظهر، من ساحة الجمهورية، «لا ريبوبليك»، بالعاصمة الفرنسية باريس، إلى ساحة الأمة، «لا ناسيون»، وتحسبًا لحدوث أعمال عنف، كما جرت العادة، قامت الحكومة الفرنسية بتعبئة ما لا يقل عن عشرة آلاف رجل شرطة وأمن، أكثر من ثلثهم، تحديدًا ٣٥٠٠ منهم، فى باريس وحدها. غير أن الأجهزة الأمنية تتخوف من المجموعات اليسارية واليمينية المتطرفة، وأبرزها مجموعة «بلاك بلوك»، التى تزعم الأجهزة الأمنية الفرنسية أن أفرادها يندسون فى المظاهرات، لزرع الفوضى وإشعال الحرائق، والاشتباك مع رجال الأمن.
مع هذه المظاهرات، شهدت قطاعات أساسية واسعة للحياة الاقتصادية فى البلاد موجة من الإضرابات، ظهرت بوادرها، منذ الصباح الباكر، فى قطاع المواصلات، خاصة حركة النقل بالقطارات، بإعلان الشركة الفرنسية للسكك الحديدية عن إلغاء العشرات من الرحلات بالقطارات السريعة والعادية داخل فرنسا وخارجها. وفى العاصمة باريس، أبرز المدن المتضررة تقليديًا، كانت حركة مترو الأنفاق شبه معطلة، وكذا قطارات الضواحى، التى تنقل مئات الآلاف من المسافرين يوميًا. كما طلبت هيئة الطيران المدنى من شركات الطيران إلغاء خُمس الرحلات من مطار باريس أورلى، بسبب إضراب المراقبين الجويين.
الإضرابات شملت أيضًا قطاع الطاقة فى المصافى ومستودعات التخزين، ما يؤشر إلى أزمة طاقة فى حال تواصل الإضراب فى المصافى. إذ كانت الكونفيدرالية العامة للعمل، سى جى تى، فى شركة «توتال إنرجى» العملاقة للطاقة ونقابات عمال مصافى النفط، قد دعت إلى القيام بإضرابات تصاعدية أيام ١٩ و٢٦ يناير و٦ فبراير، وبحسب رئيس الكونفيدرالية فإن نسبة الإضراب بلغت من ٧٠ إلى ١٠٠٪ لدى عمال المصافى، وعليه، أعلنت شركة «كهرباء فرنسا» عن خطة لتخفيض إنتاج الكهرباء بدأت تنفيذها منذ صباح أمس. كما جرى إغلاق ٧٠٪ من المدارس الابتدائية والكثير من المدارس الإعدادية والثانوية بسبب إضراب المعلمين.
ضربت موجة الإضرابات، كذلك، وسائل إعلام حكومية، مثل «فرانس إنفو»، وإذاعة فرنسا الدولية، وبعض القنوات التليفزيونية، لم يكن من بينها «فرانس ٢٤»، التى اهتمت بتغطية مظاهرات واحتجاجات «الخميس الأسود» الفرنسية، دون أن تتجاهل عودة عشرات الملايين فى الصين إلى قراهم بمناسبة السنة القمرية «رغم خوف الرئيس من طفرة إصابات بكوفيد»، أو وصول أول شحنة من اللقاحات المضادة للكوليرا إلى شمال غرب سوريا، أو الحكم الغيابى الذى أصدرته محكمة جزائرية ضد وزير الطاقة السابق!.
.. وأخيرًا، من المفترض أن تكون النقابات الرئيسية الثمانى قد اجتمعت مساء أمس، لتقييم ما حدث طوال اليوم، والاتفاق على مواعيد جديدة للمظاهرات والإضرابات، فى حين قال الرئيس ماكرون، فى حوار مع جريدة «إل باييس» الإسبانية، إن ما يفعله فى برشلونة «مهم جدًا»، لافتًا إلى أن الحياة اللغوية والثقافية والاقتصادية بين فرنسا وإسبانيا، كانت متقدمة جدًا على الهيكل السياسى، قبل توقيع «معاهدة صداقة وتعاون»، صباح أمس، تنص على تعزيز العلاقة الثنائية بين البلدين فى مختلف المجالات!.