«صناعة الوجدان».. مليون مصرى فى رحاب «على زين العابدين»
على مدى العصور كانت مصر مقصدًا لآل بيت النبى الكريم ولعل هذا سر «البركة» و«الستر» فى حياة المصريين.. الذين احتفوا بآل بيت الرسول ووضعوهم فى مآقى عيونهم حتى قيل إن مصر سنية المذهب، شيعية الهوى.. أو إنها سنية العقل، صوفية الروح.. ومن آل البيت العظام الذين وفدوا إلى مصر على بن الحسين حفيد الرسول الكريم والوحيد الذى بقى من أبناء سيدنا الحسين على قيد الحياة والذى عرف بـ«زين العابدين» دلالة على حسن تعبده.. وحمل لقب «السجاد» دلالة على كثرة سجوده.. ويقع مسجده وضريحه فى المنطقة بين السيدة زينب وحى زينهم الذى يحمل الاسم نسبة إلى «زين العابدين» التى اختصرت لـ«زينهم» أو أكثرهم زينة.. وهو مجاور للعمارات الجديدة التى بنتها الدولة لأهالى تل العقارب وحملت اسم روضة السيدة.. ورغم أن الضريح لا يقع فى ميدان كبير مثل أضرحة آل البيت العظام الآخرين «السيدة زينب» و«الحسين» و«السيدة نفيسة».. إلا أن بينه وبين المصريين «عمار كبير».. ويزور مسجده المئات كل يوم.. ويقيمون احتفالًا سنويًا بذكراه، تقام ليلته الكبيرة مساء اليوم السبت.. بعد توقف دام ثلاثة أعوام بسبب جائحة كورونا وتوابعها.. فتحية له فى ذكراه العطرة.. وسلام عليه هو وآل بيت الرسول الكريم أينما كانوا وأينما حلوا.
يستعد نحو مليون محب، سواء من أعضاء الطرق الصوفية أو المريدين غير المنتمين لأى طريقة، للاحتفال بالليلة الختامية لمولد على زين العابدين بن الإمام الحسين، الذى بدأ منذ السبت الماضى.
وتحرص الطرق الصوفية على إحياء مولد على زين العابدين بشكل سنوى، ولمدة ٧ أيام كاملة، فى ظل المكانة الكبيرة التى يحظى بها الإمام الملقب بـ«أبى محمد» و«السجاد»، الذى قال عنه الفرزدق قصيدته الشهيرة: «يَا سَـائِلِى أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ.. عِنْـدِى بَـيَـانٌ إذَا طُـلابُـهُ قَـدِمُـوا.. هَذَا الذى تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُ.. وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ.. هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ.. هَذَا التّقِىُّ النّقىُّ الطّاهِرُ العَلَمُ».
ويحمل احتفال هذا العام أهمية خاصة، فهذه المرة الأولى التى يقام فيها مولد على زين العابدين منذ مارس ٢٠٢٠، حين توقفت موالد آل البيت بسبب تفشى جائحة فيروس «كورونا».
صاحب السر
قال الدكتور سيد مندور، نائب الطريقة السمانية الصوفية، إن الإمام على زين العابدين يُعرف عند الصوفية بـ«صاحب السر» و«ولى أهل الله»، لذلك يقصده الآلاف كل عام فى ذكرى مولده، طمعًا فى «نظرة» منه.
وأضاف «مندور»: «على زين العابدين هو ابن الإمام الحسين شهيد كربلاء، وجده المصطفى العدنان، صلى الله عليه وسلم، لذلك نحمل له مَعزة خاصة، ويأتى إلى مقامه مريدون ومحبون من كل محافظات الجمهورية، خاصة من الصعيد على وجه التحديد».
وواصل: «تأتى أعداد كبيرة سنويًا للجلوس حول مقام الإمام على زين العابدين، وأداء طقوس الحضرة، وقراءة الأوراد والأذكار التى ينظمها أتباع ومريدو الطرق بشكل دائم، فى موسم دينى كبير ينتظره الناس بحالة من الفرحة والشوق الجارف، مع تقديم الطعام والشراب للفقراء والمحتاجين».
وأكمل: «فى مولد الإمام على زين العابدين يتجمع المريدون حول مشايخ الصوفية، لكى يتعرفوا على كرامات رجال آل البيت الكرام فى مصر، وتحديدًا هذا الولى الذى شهد موقعة كربلاء، وكان سببًا فى بقاء نسل آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى يومنا هذا»، مشيرًا إلى أن ذلك يشمل تنظيم حلقات الذكر الجماعى، وترديد القصائد الدينية المختلفة.
مواجهة التطرف
قال الدكتور محمود أبوعلى، شيخ الطريقة الضيفية الخلوتية، إن الطرق الصوفية ستنظم فعاليات فى حب ودعم الوطن، ومن أجل التصدى للأفكار المتطرفة التى تنشرها التيارات الدينية المتشددة.
وأضاف «أبوعلى»: «الصوفية تحاول استغلال الأعداد والحشود التى تشارك بصفة دائمة فى الموالد من أجل توعية أكبر عدد من المصريين، وتنمية وعيهم بأهمية دعم الدولة والوطن والحفاظ على أمنه وأمانه، خاصة فى هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها كل دول العالم فى الوقت الحالى».
وواصل: «تنبّه الطرق الصوفية فى كل الفعاليات الدينية التى تنظمها إلى ضرورة الحفاظ على الوطن ودعم الدولة والرئيس عبدالفتاح السيسى بكل قوة، لكى يتمكن من الخروج بالبلاد من النفق المظلم الذى تسببت فيه الثورات والأزمات المتتالية التى شهدتها مصر فى السنوات الماضية».
ورأى شيخ الطريقة الضيفية الخلوتية أن علماء الصوفية نجحوا خلال الفترة الماضية فى إنقاذ الشباب من براثن الفكر المتطرف، وذلك من خلال الموالد والفعاليات التى تنظمها، وتستقطب من خلالها عددًا كبيرًا من صغار السن، بدلًا من ذهابهم إلى التيارات المتشددة التكفيرية.
وأوضح أن «الشاب من هؤلاء يأتى إلى حضرات الصوفية، ويسمع كلامًا عن محبة آل بيت رسول الله والتسامح، وبعدها يستمر فى حضور حضرات وجلسات الصوفية، ويصبح محبًا لوطنه، بدلًا من أن يكون ناقمًا عليه، فى ظل أن التيارات المتشددة تسعى لأن يكره الشباب وطنهم».
واختتم بدعوة الدولة والمؤسسات الدينية إلى مساعدة الصوفية فى نشر الفكر الوسطى، والتصدى للأفكار المتطرفة التى تحاول تيارات التطرف والتشدد نشرها بين الناس.
مشاكرة مشاهير الصوفية
يشارك عدد من مشاهير دعاة الصوفية فى فعاليات مولد الإمام على زين العابدين، منهم الداعية اليمنى الحبيب على الجفرى، والداعية جابر بغدادى، والدكتور يسرى جبر الحسنى، وغيرهم من الشيوخ والعلماء الذين يحظون بمكانة كبيرة بين مختلف الطرق الصوفية ومحبى آل بيت رسول الله، وفق ما كشفته مصادر صوفية.
وأوضحت المصادر، لـ«الدستور»، أنه يتم تجهيز مئات الساحات التابعة للطرق الصوفية فى الليلة الختامية لمولد زين العابدين، حيث تستقبل آلاف الشباب والمريدين للتعرف أولًا على صاحب الذكرى التى يتم الاحتفال بها، ثم بعد ذلك تعريفهم بالمنهج الصوفى وعلاقته بالكتاب والسنة، إلى جانب تنظيم حضرات صوفية مميزة فى الإنشاد والمديح.
وقال محمد النقشبندى، عضو الطريقة النقشبندية، إن قرابة مليون مريد صوفى ينتمون لعدد كبير من الطرق، إضافة إلى محبى آل البيت غير المنتمين لطرق، يحضرون الليلة الختامية لمولد الإمام على زين العابدين.
وأضاف «النقشبندى»: «المولد مسرح مفتوح يتعرف فيه الناس على الفكر الوسطى، وطقوس الطرق والتيارات الصوفية المشاركة، لذا نؤكد دائمًا أن موالد الصالحين وآل بيت رسول الله تعتبر مدارس متكاملة، تُعلم الناس كيفية حب الله، والبعد عن أصحاب الفكر المتشدد».
وأوضح أن «علماء الصوفية يقدمون فى هذه المناسبات ما لديهم من أفكار وسطية مأخوذة من منهج الأزهر الشريف وكبار علماء التصوف، وتعد المجالس العلمية التى تُنظم فى مولد الإمام على زين العابدين جلسات علمية تهدف لتجديد الخطاب الدينى، والتصدى للفكر المتطرف».
وكشف عن أن الداعية جابر بغدادى، عضو الطريقة الجودية الخلوتية فى بنى سويف، يعد من أبرز المشاركين فى مولد على زين العابدين، وهذا يضمن مشاركة عدد كبير من أتباعه ومحبيه، ممن يعشقون الفكر والمنهج الصوفى.
مليون مريد و50 طريقة
كشف الشيخ زكى الدين إبراهيم، شيخ الطريقة المحمدية، عن مشاركة عدد كبير من مريدى ومحبى وأعضاء الطرق الصوفية فى فعاليات مولد الإمام على زين العابدين بن الحسين، مشيرًا إلى أن عددهم فى الليلة الختامية قد يقترب من المليون شخص.
وقال «إبراهيم»: «فى هذا المولد المبارك يأتى مريدون ومحبون من كل مكان فى مصر ليشاركوا فى هذا الفرح والعيد، الذى يعتبره الصوفية موسمًا ينتظرونه كل عام».
وأشار إلى مشاركة ٥٠ طريقة صوفية تقريبًا فى مولد الإمام على زين العابدين، وما يشهده من فعاليات، والتى تعد ملتقيات علمية تهدف لنشر المحبة والوسطية، والتصدى للأفكار المتطرفة.
وأوضح شيخ «المحمدية» أن من أبرز الطرق الصوفية التى تشارك فى مولد الإمام على زين العابدين «الصديقية الشاذلية، والقاوقجية، والضيفية، والشهاوية، والرفاعية، والقادرية، والبرهامية، والأحمدية، والتسقيانية، والعروسية»، وغيرها الكثير.
وأشار إلى أنه فى اليوم الختامى للمولد تستمر الفعاليات إلى ساعات متأخرة من الليل، حيث تستقبل ساحات الطرق الصوفية العديد من المنشدين الذين ينشدون ويبتهلون أمام جموع الصوفية، فرحًا بذكرى «صاحب الفرح»، الإمام على زين العابدين، الذى يعد من الموالد الكبرى لدى الصوفية.