أخطر ما يخشى منه على هذا الوطن.. خيول طروادة!
إننى لا أخشى على وطنى فقرًا أو جوعًا أو أزمة اقتصادية عابرة، لأننى على يقين أن مصر ستتجاوزها ولن تصل كما يتمنى البعض إلى حافة الهاوية..لكن هذا ما أخشاه على هذا الوطن!
(١)
(منظمة الحرية والعدالة!) ..
هل يعرف المصريون شيئًا عن ذلك الكيان؟!
هذه المنظمة سبقت تأسيس حزب الحرية والعدالة بسنوات، وتم تأسيسها فى مكان ما، وبعيدًا عن مصر وفى قارة من قارات العالم الجديد..
تأسست عام ٢٠٠٣ على أيدى مصريين بقيادة (م.الإ) واستهدفت الجاليات المصرية والعربية كمنظمة مجتمع مدنى.. قامت بدورها حتى بداية الخراب العربى..ثم اختفت حين رأى مؤسسوها أنها قد قامت بدورها الذى أنشئت من أجله!
(٢)
قبل ذلك التاريخ بفترة وجيزة وفى بداية الألفية الجديدة، لكننى لا أذكر العام على وجه التحديد، أتاحت لى طبيعة مهنتى لقاء بعض العاملين فى دوائر الإعلام والسياسة بدولة أوروبية معينة.
وكان قطاع غزة آنذاك مشتعلًا بعد تعرضه لقصف إسر ائيلى، فسمعت نفس العبارة من أكثر من متحدث ..ولماذا لا تحل مصر المشكلة بمنح قطعة من أرض سيناء الفارغة للعرب؟!
كانت طريقة الحديث وتكراره أكثر من مرة فى فترة قصيرة ومن نفس الجنسية توحى بأن هناك شبه استقرار فى مكان ما على أنهم يرون أن هذا هو ما سوف تدفع له مصر دفعًا!
لم أكن قد بدأت أو حتى فكرت فى الكتابة بعد، كما لم تكن علاقاتى الشخصية متشعبة لكى أبرئ ذمتى مما استقر فى يقينى وقررت فى النهاية التواصل تليفونيًا مع شخصية صحفية مستقلة تمتلك جريدة مستقلة وترأس تحريرها ومعروفة بقربها من الدائرة السياسية العليا..
تحدثت مع شقيقه الذى يعمل بنفس الجريدة وأبلغته بالرسالة كاملة..
وفى أول عدد صادر من الإصدار الأسبوعى للجريدة كان مقال رئيس التحرير يطمئن من يخاف على حدود مصر بما يؤكد وصول رسالتى، لكننى لا أدرى إن كان قد أبلغها لمن كان يجب أن تصل إليهم أم لا!
(٣)
تقول الأسطورة اليونانية إن الإغريق فشلوا فى اقتحام مدينة طروادة لمدة عشر سنوات فابتدعوا حيلة..أقاموا حصانًا خشبيًا هو الأضخم فى التاريخ وخبأوا بداخله بعض جيشهم بقيادة أوديسيوس ثم تظاهروا بعرض السلام على أهل المدينة الذين قبلوا عرض السلام ففتحوا ثغور مدينتهم للحصان!
وبعد أن أدخلوه وفى ظلمة الليل وأهل المدينة إما نيام أو سكارى فككوا الحصان وأخرجوا جنودهم الذين فتحوا باقى الثغور للجيش الإغريقى!
ثم أصبح حصان طروادة رمزًا لفتح الثغور بالخديعة!
كان حصان طروادة خشبيًا. لكن خيول طروادة المعاصرة تغتر وتعتقد أنها خيول حقيقية!
خيول طروادة المعاصرة تعتقد أنها يمكن أن تغير قواعد اللعبة وتستخدم من صنعها لتحقق أهدافها هى مثل جميع أمراء وعصابات تورا بورا وداعش وبيت المقدس وحازمون وحاسمون وغيرها من القائمة السوداء!
خيول طروادة المعاصرة -بخلاف الخيانة - فهى تتمتع بغباء شديد ولا تدرك أنها أول ما سيمزقه الداخلون وسيدهسونها بالأقدام بعد أن تؤدى مهمتها!
بقى أن نعرف أن مؤسس منظمة الحرية والعدالة المولود بمصر كان أحد من صاغوا خطاب أوديسوس القرن الحادى والعشرين لمبارك والتى كانت أشهر كلماته..الآن يعنى الآن!
(٤)
وفى العقد الأخير الذى سبق أحداث يناير ٢٠١١ وفى السنوات القليلة التى تلتها كم كثرت خيول طروادة التى حاولت وتحاول اقتحام ثغور هذه البلاد!
بين رجال أعمال، ورجال دين، ورجال فكر وثقافة وإعلام، ورجال سياسة، وناشطين متعددى الرايات!
فى عقد التسعينيات أطلت على مصر زمرة من رجال الأعمال المصريين العائدين من عقود الغربة والترحال بأموالهم وشركاتهم ومشروعاتهم، ففتحت مصر ذراعيها لهم مشجعة وآملة فى نهضة تنموية تستوعب أعباءها الاقتصادية والبشرية. منحت التسهيلات ورضخت أحيانًا لابتزاز بعضهم فحصلوا على الأراضى تقريبًا مجانًا، وانتظرت أن يردوا لها الدين!
قليل منهم كان جادًا فى إقامة صناعات وكيانات إنتاجية، بينما اعتبر الكثيرون أن مصر والمصريين غنيمة!
وسأكتفى هنا بعرض مثال واحد تجمعت فيه كل صفات حصان طروادة رغم أنه ربما يكون أكثر هؤلاء استفاد من خير هذه البلاد حتى الآن!
دخل على المصريين بشخصية (الصعيدى ابن البلد) واستطاع الحصول على (وش القفص) فى بيزنس المحمول أول دخوله مصر! احتكر الخدمة واحتكر جيوب المصريين لمدة تخطت السنوات قبل أن يتم السماح بوجود شركة منافسة!
بعد أن جنى أرباحًا طائلة من أموال المصريين قام بما يقوم به الآن بعض رجال وسيدات الأعمال من تهريب أموال شركاتهم للخارج بصفقات قانونية غير وطنية!
حاولوا تسويق عبارات شيطانية وكأنها مسلمات كونية ..رأس المال لا وطن له! يسوقونها حين يكونون على وشك القيام بعمليات يعلمون أنها تندرج تحت بند النذالة الوطنية، بينما يصبح رأس المال له وطن ويصبحون هم فى ذروة الوطنية والانتماء وتصبح مصر لهم هى (أمى وخالتى ومراة أبويا) حين يكونون فى موضع افتراس لتسهيلات أو صفقات كبرى على أرض مصر!
رجل الأعمال هذا رقص رقصة طروادة باقتدار منذ أن دشن قناته التليفزيونية واستعان بالمذيع الأصفر الذى حمل لقب (دليفرى بوى) عصابات تورا بورا واستعان بمذيعة غير مصرية حملت كراهية لمصر فضحتها كلماتها قبل مشاهد محنة مصر ٢٠١١ بردح طويل من الزمن!
وحين توهم البعض أن مصر فى طريقها للسقوط الأخير أسفر حصان طروادة الاقتصادى عن وجهه كاملًا وفتح قناته على مصراعيها لتنافس قناة المؤامرة غير المصرية فيما كانت تبثه!
من أغنى أغنياء العالم وتسيطر شركاته على كثير من النشاط الاقتصادى المصرى، لكنه وعلى فترات يتم الضغط على أوبشن معين فى الحصان الخشبى الكبير فيقوم بما يطلب منه..
فحين توجهت القوات المسلحة المصرية لمعركة قومية فى مناطق بعينها لمحاولة تأمين غذاء مصر عبر اقتحام الصحراء وزراعتها، خرج علينا حصان طروادة المال ليغمز ويلمز بقواتنا المسلحة وعدم قدرة القطاع الخاص على منافستها مما اضطر أن يرد الرئيس بنفسه ويعلن نسبة الاقتصاد الخاص فى مصر من جملة النشاط الاقتصادى!
إن فترة الكمون التى يمر بها هذا الكيان (الملتى ناشيونال) لم تعد تخدعنا ولا يمكنها إزالة مشاهده ومساهمته فى إعداد الساحة المصرية لما أريد بمصر من الذاكرة المصرية الجمعية!
(٥)
فى الفترة من منتصف فبراير ٢٠١١ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣م كل خيول طروادة ألقت بالأقنعة جانبًا وتفككت لتخرج من خبأتهم بداخلها!
وظفرت طائفة رجال الدين بنصيب وافر من المشهد!
فكل من حمل أعلامًا غير مصرية من تلك الفئة أثناء مسيرات الإرهابى حازم صلاح أبو إسماعيل...
وكل من انضم لمحاولات الاعتداء على المؤسسات المصرية..
وكل من انضم لخندق من قال إن الوطن حفنة من تراب ولا قداسة لحدود وإن الوطنية وثنية....
وكل أعضاء أى ائتلافات من علماء أو طلبة ينتمون لمؤسسة دينية وأطلقوا على أنفسهم ائتلافات دعم شرعية مرسى..
وكل إمام مسجد حاول إقناع المصلين أن انتخاب الجماعة الإرهابية هو انتصار للإسلام...
كل هؤلاء- حتى وإن عادوا لوضع الأقنعة بعد ذلك التاريخ- هم مشاريع خيول طروادة فى أى محنة تتعرض لها مصر مستقبلًا!
لأنهم حين تعرضت مصر لمحنتها اكتشفنا أنهم خيول خشبية تخبئ أعداءنا فى ثنايا قفاطينها!
لقد خدعونا ووقفوا فى خنادق أعدائنا وقت الحسم والمواجهة، فكيف نثق بهم مرة أخرى وقد انتصرنا وحسمنا معركتنا؟!
هناك من لا يزال يشغل مناصب دينية رسمية ممن أعلن تأييده لمن لا يؤمن بقيم الدولة الوطنية!
يؤسفنى القول إننى وبشكل شخصى وكمواطن مصرى لا أثق فى ولا أحترم أى رجل دين مهما علا منصبه وقف يوم ما - حين كانت القوات المسلحة المصرية تخوض حربًا ضد ميليشيات عسكرية - وأطلق على المشهد مسمى فتنة، وأن الدم كله حرام ليساوى بين دماء شهدائنا وقتلى عصابات تكفيرية مصرية وأجنبية..
فهو ولا شك وقولًا وحدًا مشروع لحصان طروادة لا يؤتمن على ثغور مصر العقلية أو الروحية!
(٦)
فرسة طروادة!...
هى بحق تستحق اللقب عن اقتدار.. فهى لها السبق فى أن امتطاها إعلاميًا قادة الجماعة الإرهابية لكى يقتحموا بها أشهر قناة خاصة وقتها قبل أحداث يناير بسنوات!
لمعتهم وقدمتهم لملايين المصريين الذين لم يكونوا يعرفون شيئًا عنهم!
قدمتهم كسياسيين ونحن لا نعلم أن ما حدث لم يكن مصادفة، فأصحاب الخيول الحقيقيون أديسيوس وفريقه كانوا يعرفون ماذا يفعلون ومتى يقدمون تلك الفرسة أو ذلك الحصان!
ثم قدمت للمصريين حصان طروادة لامعًا تولى مناصب دولية مرموقة وتم تجهيزه للعب دور داعية التغيير الديمقراطى فى مصر ما بعد مبارك!
كان أحد الوجوه البارزة فى مشهد ما بعد مبارك..تقمص دور السياسى الوطنى الليبرالى، حتى واتته الفرصة فى مشهد اعتصامات رابعة والنهضة المسلحة.
حاول الضغط على مصر لإجبارها على قبول فكرة الرضوخ لشقها نصفين. فلما قامت مصر بحسم أمرها ورفضت العبث بوحدتها وقبول وجود ميليشيات مسلحة على أراضيها، أصابته كما أصابت ممتطيه لوثة هستيرية وحاول من خارج أراضيها ضرب حصار عليها لكسر إرادتها!
(٧)
مصر أمة واحدة. شعب واحد. نسيج واحد. هذا هو الهدف القومى الأسمى. وهذا هو صمام الأمان لهذا الوطن وكلمة سر بقائه ونقطة انطلاقه..هذا هو الذى ينبغى الاعتصام به والتشبث بتلابيبه ومقاومة كل السيناريوهات التى أعدت وما زالت تعد بليل فى مكان ما ويشرف عليها من يعتقد فى نفسه أنه أوديسيوس القرن الحادى والعشرين والذى يريد اقتحام ثغور مصر كما اقتحم أوديسيوس الإغريقى طروادة!
لم تعرف مصر المعاصرة مصطلحات شق الصف والعبث بأمنها القومى مثل مصطلح أقلية دينية أو عرقية، إنما كلها شرايين فى جسد واحد..حددت مصر هدفها الأسمى ودفعت ثمن التمسك به..
فى ذلك العقد الأخطر الذى سبق أحداث يناير، كانت كل الخيول تقوم بدورها منفصلة وكأنها مشاهد مستقلة عن بعضها البعض..
لكن كان أوديسيوس وحده يعلم أن جميع تلك المشاهد حلقات متصلة تنتظر لحظة حاسمة لتتوحد كل الخيول وتنفذ الجيوش الحقيقية داخلها لثغور مصر..
لقد حدد عدة سيناريوهات للتنفيذ، أولها التمزيق الطائفى الدينى وبدائله العرقى والثقافى!
واعتقدوا أن اللحظة مواتية بعد ثورة شباب مصر يوم ٢٥ يناير ٢٠١١م لتنفيذ السيناريو الأول. فكل ما تلى ذلك اليوم وخصوصًا يوم الجمعة ٢٨ يناير كان مشهدًا طرواديًا بامتياز!
(٨)
فيا أيها القائمون على ثغور مصر السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية والمعلوماتية..أتمنى أن يكون معلومًا لديكم أن مالك خيول طروادة لم ييأس بعد من اختراق ثغوركم!
لكنه فقط بدأ فى تفعيل السيناريو البديل وهو الأكثر خبثًا يتخفى خلف بعض المؤسسات البحثية والعلمية بعد أن أجهض المصريون السيناريو الأول الذى لعب فيه بعض رجال الدين والاقتصاد والإعلام والسياسة دور رأس الحربة!
مؤسسة تعليمية أجنبية كبرى لها فرع بمصر، مطبوعاتها وكتبها ملء السمع والبصر أصدرت منذ أشهر قليلة فقط كتابًا بلغة أجنبية ظاهره أنه كتاب تاريخ، وباطنه كومة من الأكاذيب والمغالطات والتجاوزات بحق الحضارة المصرية القديمة ونفخ فى النار!
وحظى العظيم أحمس بنصيب وافر من التطاول والإساءة لما فعله بالهكسوس ومن تواطأ معهم!
هو نموذج مثالى لما تتم محاولة تمهيد الأرض له عبر ما يمكن اعتباره دراسات علمية تاريخية محايدة لكنها أبعد ما تكون عن الحياد والعلمية والموضوعية وهو وغيره عبارة عن محاولة للعبث بنسيج مصر القومى والوطنى لتمزيقه عرقيًا وثقافيًا بعد أن أفشل المصريون محاولة التمزيق الدينى!
لقد تم وضع هذا الوطن هدفًا لموجة جديدة من محاولات الاختراق عبر مجموعات جديدة من خيول طروادة، ربما بدأت تتم محاولة تنفيذها بهدوء ونعومة منذ سنوات، وستتم محاولة إكمالها فى السنوات القادمة!
يتم تمهيد الأرض دوليًا بمطبوعات وكتب بلغات أجنبية حتى يتم تكوين رأى عام دولى يقبل ويؤيد ما يراد فعله حين تحين اللحظة التى يرونها مناسبة!
وإننى لا أخشى على هذا الوطن فقرًا أو جوعًا، لكن أشد ما أخشاه ألا ينتبه أهله للمحاولات الجديدة لاختراق ثغوره!
اللهم بلغت...اللهم فاشهد!