دافوس فى مقره الشتوى!
أيام، ويتوافد عدد كبير من قادة الدول والحكومات والوزراء ورجال الأعمال على منتجع «دافوس» السويسرى، لمناقشة قائمة طويلة من التحديات التى يواجهها العالم، تشمل التباطؤ الاقتصادى العالمى، وعدم الاستقرار الجيوسياسى، وأزمة الطاقة، والأوبئة والأمراض المعدية، والانهيار البيئى، وتغير المناخ، وباقى «المخاطر المستقبلية» العشرة، التى تضمنها تقرير صدر عن الدورة أو النسخة السابقة من المنتدى.
المنتدى، الذى يراه البعض مجرد محفل حوارى، أو «مكلمة»، لرجال الأعمال والمسئولين السياسيين والاقتصاديين، يصرّ منظموه على الإشادة بقدرته على جمع، أو حشد، صناع القرار فى عالم يسوده انعدام الثقة، بينما يقول الواقع إن صمود «روح دافوس»، روح الانفتاح والتعاون، فى وجه التراجع الحادّ للعولمة، بات محل شك، بعد سقوط نظريات كان الغرب يراها من المسلّمات، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أبرزها تلك النظرية التى ربطت السلم والاستقرار بتعزيز التبادل التجارى وازدهار الاقتصاد العالمى.
تحت شعار «التعاون فى عالم منقسم»، تعقد النسخة الثالثة والخمسون من المنتدى مجموعة من حلقات النقاش والتجمعات والفعاليات، بدءًا من الإثنين المقبل ولمدة خمسة أيام، ستركز على المخاطر والتحديات، التى سبق أن ركزت عليها حلقات وفعاليات النسخة الثانية والخمسين، مضافًا إليها ما وصفه المنظمون بـ«التحديات قصيرة المدى» مثل الركود العالمى المتوقع خلال العام الجارى، واحتمالات تراجع جهود التصدى لتغير المناخ بسبب أزمة الطاقة، التى تفاقمت بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، والأزمة الأكرانية، التى كانت قد هيمنت على جلسات النسخة الماضية، والتى ستكون أيضًا محور عدة جلسات هذا العام.
لا يوجد، إذن، أى جديد، باستثناء عودة المنتدى الاقتصادى العالمى إلى مقر وموعد انعقاده الشتوى، إذ كان آخر تجمع شتوى، بالحضور الشخصى للمشاركين، سنة ٢٠٢٠، قبل أيام قليلة من إعلان حالة الطوارئ الصحية العالمية بسبب تفشى كورونا المستجد. وفى العام التالى، أقيم المنتدى افتراضيًا، عبر الإنترنت، بعد تغيير موعده من يناير إلى مايو، وفى ٢٣ مايو الماضى أقيمت النسخة السابقة من المنتدى تحت شعار «التاريخ عند مفترق طرق»، وفيها حذّر «مجتمع كبار الاقتصاديين» من العواقب المدمرة لتفكك الاقتصاد العالمى، وقال إن العالم «يسير بثبات نحو أسوأ أزمة غذاء فى التاريخ الحديث»، متوقعًا أن تواجه الحكومات وقطاعات الأعمال خيارات صعبة، قد تقود إلى مزيد من التفكك، وأجواء متقلبة وحالة من عدم اليقين.
كان أبرز ما شهدته النسخة السابقة من المنتدى هو اقتراح، أو نصيحة، هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، والأشهر، بالتنازل عن أراضٍ أوكرانية، مقابل التفاوض مع روسيا، لإنهاء «عمليتها العسكرية»، وتحذيره الدول الأوروبية من عواقب وخيمة على المدى الطويل، حال فشل إحياء المفاوضات واستمرارها فى استعداء روسيا، ونصيحته لها بألا تخاطر بدفع روسيا إلى تحالف أوثق مع الصين.
مع استمرار الغياب الروسى، أشاد منظمو المنتدى، طبقًا لما نقلته وكالة «رويترز» بـ«الإقبال القياسى» متوقعين مشاركة صينية «رفيعة المستوى»، وحضور ٥٢ رئيس دولة وحكومة و٥٦ وزيرًا للمالية و١٩ محافظًا للبنوك المركزية و٣٠ وزيرًا للتجارة و٣٥ وزيرًا للخارجية، و٣٦ رئيسًا لهيئات ومنظمات دولية من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة ورؤساء صندوق النقد والبنك الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية و... و... ونحو ١٥٠٠ من قادة الأعمال والمديرين التنفيذيين. وفى مؤتمر صحفى، عقده أمس الأول، الثلاثاء، قال كلاوس شواب، مؤسس المنتدى ورئيسه التنفيذى: «ما زلنا جميعًا محصورين فى التفكير بعقلية الأزمة»، متمنيًا «أن يساعد دافوس فى تغيير هذه العقلية»، وأن يهيئ الظروف اللازمة لتحقيق انتعاش قوى ودائم!
.. وتبقى الإشارة إلى أن البنك الدولى حذَّر، فى تقريره السنوى، الصادر أمس، من اقتراب الاقتصاد العالمى «بشكل خطير» من «وضع الركود»، وتوقع نموًا بنسبة ١.٧٪ هذا العام، متراجعًا عن نسبة ٣٪ التى كان قد توقعها فى يونيو الماضى، بسبب استمرار تأثيرات وعواقب وباء كورونا والأزمة الأوكرانية.