العمل الأهلى فى مصر (1).. حكاية اسمها 57
قبل 20 عاما تقريبا، اجتمع أعضاء المجلس المحلي عن قسم السيدة زينب دفعة واحدة قبل بدء جلسة لجنة الشئون الاجتماعية بمجلس محلى العاصمة، وعلى غير العادة لم يتخلف أحد من الأعضاء، وتضمن جدول الأعمال طلبا مقدما باسم الأستاذ الدكتور أحمد فتحى سرور نائب دائرة السيدة، يطلب فيه تخصيص قطعة من أرض المدبح القديم بحي السيدة بعد نقل المدبح إلى منطقة البساتين لصالح جمعية جديدة الدكتور فتحى سرور أحد أعضائها المؤسسين، فهم من طريقة حشد الأعضاء أن رئيس مجلس الشعب مهتم جدا بهذا الطلب وأوصي أعضاء المجلس من أبناء دائرته بالتواجد للحشد وراء الطلب والحصول على الموافقة الفورية له، ولوجود طلب مماثل سبق وتقدم به رجل الأعمال فرج الرواس نائب حى البساتين يطلب فيه تخصيص قطعة أرض أخرى من أرض المدبح القديم أيضا لإنشاء مسجد ودار مناسبات لأهالى المنطقة يحمل اسمه، وهنا استاء أعضاء المجلس رغم أن جميعهم من أعضاء الحزب الوطنى وقرروا رفض الطلبين.
تصاعد الموقف وتدخل سريعا الراحل اللواء أركان حرب فخر رئيس المجلس المحلى الذي كان يحظى بحب واحترام الجميع كونه أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، وتدخل أيضا وكيلا المجلس الراحلان المهندس أحمد توفيق ومحمد أبوعيطة وتناقشوا مع الأعضاء وتقرر إعادة عرض الطلبين على اللجنة العامة بتوصية خاصة من رئيس المجلس.
وخلال الجلسة العامة لمحلي العاصمة تدخل بعض زوى الخبرات وأكدوا أن طلب الدكتور فتحى سرور ليس له أى مصلحة شخصية وأن الطلب لصالح جمعية طبية مهتمة بمحاربة مرض سرطان الأطفال وأن الدكتور فتحي سرور تحمس للفكرة بعدما اطلع على إحصاءات انتشار المرض اللعين بين الأطفال وأن الجمعية سوف تقدم خدمات مجانية للشعب المصري وليس لأهالى السيدة زينب فقط.
اقتنع أعضاء محلي القاهرة، وتمت الموافقة وبعدها حصل رجل الأعمال فرج الرواس على موافقة أخرى بتخصيص قطعة أرض لإنشاء مسجد ملحق به دار مناسبات مقام الآن على أرض المدبح القديم، وتم إلغاء التخطيط المسبق لأرض المدبح بإنشاء حديقة عامة تقلل من نسب تلوث المنطقة القريبة من منطقة المدابغ التى تقع خلف سور مجرى العيون، وهنا يمكن القول إن الذي نجح في تخصيص الأرض هى الأسماء الكبيرة الداعمة.
لم يمض كثير من الوقت على تلك الموافقة حتى بدأت حملات إعلانية واسعة عن مستشفي جديد لعلاج سرطان الاطفال باسم مستشفي 57357 وكنت من ضمن الصحفيين الذين ترسل لهم الجمعية مطبوعاتها بشكل منتظم وكانت مبهرة ومكلفة جدا من بدايتها، وكنا وزملائي ننتهز أى فرصة لنشر أخبار عن المستشفي وحملاته المنتشرة في كل وسائل الإعلام مدفوعة الأجر، مما جعلنا في حرج أن نفرض أخبارا مجانية في صحفنا.
المهم أن حملات 57 نجحت فى كسب ثقة الشعب المصري والعربي وانهالت التبرعات وأقيم أول صرح طبي متخصص في علاج الأطفال من المرض اللعين، وكانت الشكوى في مستشفيات أخرى تقدم خدمات مجانية للمرضي من الأطفال والكبار ولا تستطيع تحمل تكاليف الدعاية التى تكسب ثقة المتبرعين، والشكوى امتدت لقيادات طبية وعلمية كبيرة كانت تبحث عن وسطاء للجميعات الكبيرة لتحصل منها على جزء من تبرعاتها لدعم مستشفيات ذات أهمية كبيرة ومنهم من كان يسعى للصحف ووسائل الإعلام لإيصال أصواتهم لوزراء الصحة والحكومة لتوفير الخدمات الطبية لهم خاصة أطقم التمريض التى تعانى معظم المستشفيات نقصا حادا منها، الكل كان يقارن عدد أسرة مستشفي 57 التى بدأت بـ30 سريرا فقط وبمثيلاتها في المستشفيات الأخرى التى تزيد عنها بأرقام كبيرة، لكن نجحت 57 في الحفاظ على نسب جمع تبرعاتها وعلى مستواها الطبي وتوسعت في عدد الأسرة ونوعيات العلاج وحققت مكانة كبيرة عربيا وإفريقيا وعالميا، لكن كل ذلك لا ينفي وجود أزمة حقيقية ليس في إدارة المستشفي فحسب، ولكن في طريقة جمع التبرعات مقارنة بقدرة مستشفيات أخرى تعد هى بريق الأمل والوحيد لملايين المرضي كمستشفيات أبوالريش والدمرداش وقصر العينى ومعاهد الأورام على مستوى الجمهورية وغيرها، وبهذه المناسبة أقترح إنشاء جهاز قومى يشرف على جمع التبرعات الخاصة بالعلاج في مصر على أن يقوم هذا الجهاز الذي يتضمن في تشكيل مجلس إدارته ممثلين عن كل المستشفيات التى تقدم خدمات مجانية للمرضى، بوضع ضوابط توزيع التبرعات على كل مستشفي بما يقدمه من خدمات وخطط علاج وأبحاث وتوسعات مستقبيلة، ويضمن التوزيع العادل لمليارات التبرعات على أسس علمية واجتماعية سليمة، فالكل أمام المرض والعوز سواء.
وأمس شاهدنا المؤتمر الأول للتحالف الأهلي للعمل الخيري بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي .. هذا المؤتمر الذي داوي كل هواجس الخوف علي هذا الصرح الكبير.. فاليوم صار لدينا عمل أهلي كبير وحقيقي يستحق التوقف عنده ولكن لهذا حديث آخر.