أجراس الطمأنينة والتسامح
شاءت الأقدار أن يكون محل إقامتى بجوار إحدى كنائس حى مصر الجديدة، حيث تعودت أن أستأنس بأصوات أجراسها الهادئة، بل وأضبط أوقاتى عليها صباحًا ومساءً وأشعر بالأمان والهدوء النفسى بعد الاستماع لرنينها الرقيق.. وأعتقد أن جميع من يقطنون هذه المنطقة لديهم ذات الإحساس دون تفرقة بين ديانتهم.. وفى ذات الوقت يقع خلفها مباشرة مسجد شهير تقام فيه شعائر الصلوات ويزدحم بالمصلين، خاصة خلال شهر رمضان، وكذلك أثناء صلاة الجمعة، حيث أرى العديد من الجيران يخرجون بأولادهم بعد الانتهاء من الصلاة دون أن نفرق أيضاً بين ديانتهم..
هكذا نشأنا وتربينا وتكونت صداقتنا معاً دون أن نتناقش فى منعطفات دينية لا طائل من ورائها.. وربما كان ذلك هو الدافع الذى جعلنى أتقدم للانضمام إلى بيت العائلة المصرية، وهو ذلك الكيان الدينى الذى يربط الأزهر الشريف بالكنيسة الأرثوذكسية منذ أكثر من عشر سنوات، وتحديداً فى يناير 2011، وذلك عندما طرح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، على قداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فكرة إنشاء هذا الكيان الوسطى عندما كان يقوم بتقديم واجب العزاء فى شهداء العمل الإرهابى الذى استهدف كنيسة القديسين، حيث رحب قداسة البابا بتلك الفكرة وبدأ التنفيذ الفعلى لتحقيقها، وتم تأسيس بيت العائلة المصرية بعد صدور قرار من رئيس مجلس الوزراء عام 2011.. وكان الهدف الرئيسى لهذا الكيان المحترم الحفاظ على النسيج الوطنى الواحد لأبناء الدولة المصرية من خلال التأكيد على القيم العليا والقواسم المشتركة بين الأديان والثقافات والحضارات الإنسانية المتعددة، وبلورة خطاب دينى معتدل يحض على التسامح ونبذ الكراهية والعنف ويشجع على الانخراط العقلى فى ثقافة السلام وإرساء أسس التعاون والتعايش بين مواطنى البلد الواحد، فضلاً عن رصد واقتراح الوسائل الوقائية للحفاظ على السلام المجتمعى..
ومنذ أن تشرفت بالانضمام لبيت العائلة المصرية أصبحت مسئولاً ومعى مجموعة معتبرة من المثقفين ورجال الدين الإسلامى والمسيحى عن هذا البند من بنود أهداف بيت العائلة الخاص برصد واقتراح ما نراه مناسباً من الخطوات والمبادرات المناسبة والوقائية للحفاظ على السلام المجتمعى، وأشهد الله أننا لم نختلف إطلاقاً فى تلك اللجنة إلا على كيفية تحقيق المصلحة العليا للوطن دون النظر إلى أى اعتبارات أخرى، وأزعم أننا نجحنا إلى حدٍ ما فى تهدئة عدة مشاكل بين بعض العائلات المصرية فى عدة محافظات، بالإضافة إلى المشاركة فى العديد من الندوات التوعوية التى تهدف إلى تحقيق مصلحة الوطن وحمايته وحماية المواطنين من تداعيات محاولات نشر الفتن والوقيعة بين أبناء الشعب الواحد.. كما نجحت اللجان النوعية الأخرى من بيت العائلة فى تنفيذ المهام الملقاة على عاتقهم بكل تجرد وشفافية طبقاً للتكليفات الموكلة إليهم.
إننا هذه الأيام، ونحن نحتفل مع شركائنا فى الوطن بعيد الميلاد المجيد، لا بد أن نشير إلى ذلك الدور الوطنى الكبير الذى قام به السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أن كان وزيرًا للدفاع عندما تعهد بإعادة إعمار بيوت الله من الكنائس ودور العبادة المسيحية التى تعرضت للعديد من الأعمال الإرهابية، ليبدأ سيادته عصرًا من أرقى عصور التسامح الدينى والاستقرار والحماية الكاملة لأبناء الوطن من الإخوة الأقباط، وراح يشاركهم مناسباتهم الدينية المختلفة، وذلك من خلال زيارة الكاتدرائية الأرثوذكسية بشكل منتظم فى أعياد الميلاد المجيدة، ليسجل له التاريخ أنه أول رئيس مصرى يفعل ذلك؛ ليجعل من تلك المناسبة مناسبتين، الأولى التهنئة بعيد الميلاد المجيد، والثانية لتحية أبناء الشعب المتواجدين هناك وهم فى غاية الفرحة والسعادة بوجوده بينهم يشاركهم أعيادهم كما يشارك أشقاءهم من المسلمين فى أعيادهم أيضاً.
نحن اليوم، وفى هذه الظروف التى تمر بها البلاد، أصبحنا فى أشد الحاجة إلى الوقوف جنباً إلى جنب لدعم دولتنا المصرية وأن نتكاتف لوأد أى فتن أو محاولات للوقيعة بين عنصرى الأمة، وأن نقطع الطريق أمام المزايدات والتدخلات الداخلية والخارجية الهادفة للنيل من أمن وقوة النسيج المجتمعى للوطن.. ولا شك أن ما قام به السيد الرئيس عندما أعطى أوامره ببناء مسجد الفتاح العليم بجوار كاتدرائية "ميلاد المسيح" بالعاصمة الإدارية الجديدة لهو أكبر دليل على أن مصرنا الغالية تسعى إلى العودة إلى سالف عهدها من خلال تصدير أرقى صور التسامح الدينى بأسمى معانيه إلى جميع دول العالم، وهو ما أشارت إليه وسائل الإعلام الأجنبية التى أكدت أن الرئيس عبدالفتاح السيسى جعل التجانس بين فئات المجتمع فى مصر حجر الزاوية لحكمه، حيث يحارب الإرهاب فى الوقت الذى يؤكد فيه المساواة بين المسلمين والمسيحيين، وأصبح المسجد والكنيسة هناك عاكساً واضحاً للوحدة الوطنية بين المصريين حيث يتعانق أذان المسجد مع أجراس الكنيسة فى سماء العاصمة الإدارية.
كنت حريصاً فى هذه المناسبة أن أتوجه ومعى أصدقائى وجيرانى إلى الكنيسة المجاورة لنا منذ عشرات السنين لنقدم التهنئة لكل من فيها كما تعودنا، ومعنا أبناؤنا وأحفادنا ليتعلموا منا مفهوم المواطنة والمحبة، ولنستمع جميعاً إلى أجراس الطمأنينة والتسامح.
وتحيا مصر.