ميلاد جديد لقرية مصرية
منذ أن تم فصلها عن «ناحية مشطا»، سنة ١٨١٦، ظلت قرية «أم دومة»، التابعة لمركز طما، على حالها ولم تتزحزح عن ترتيبها المتقدم فى قائمة القرى الأكثر فقرًا، حتى شملتها المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» وحولتها إلى قرية نموذجية كاملة الخدمات، بـ١٨ مشروعًا، ضمن خطة مشروعات المبادرة بمحافظة سوهاج، التى تستهدف إعادة رسم ملامح قراها، مدنها، ومراكزها، وسد الفجوات التنموية بينها وبين قرى، مدن، ومراكز باقى محافظات مصر.
مع أهالى قرية «أم دومة»، الذين عانوا طوال قرنين من انعدام الخدمات الأساسية وأبسط مقومات الحياة الكريمة، تناول الرئيس عبدالفتاح السيسى الإفطار صباح أمس، الخميس، قبل أن يفتتح، مع الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، وعدد من الوزراء مستشفى سوهاج التعليمى، وعددًا من المشروعات القومية، من بينها المجمع الصناعى، غرب جرجا، المقام على مساحة ٦٠ فدانًا، بالقرب من مطار سوهاج الدولى.
تقول الأرقام إن متوسط دخل الفرد، سنة ١٩٧٦، كان حوالى ٢٣٠ جنيهًا سنويًا، فى محافظة القاهرة، بينما كان فى محافظة سوهاج ١٣٥ جنيهًا فقط. وفى السنة نفسها، كانت نسبة العائلات المحرومة من الماء النقى، فى الأولى، ١١.٣٪، مقابل ٨٨.٤٪، فى الثانية. ولم يكن ذلك غير نتيجة طبيعية لاقتصار الاهتمام الحكومى، بالمحافظات السياحية والاستثمارية والمدن الجديدة، وتجاهل تلك المنطقة، التى تبلغ مساحتها ٧٣٪ من مساحة مصر، وتمتد من الجيزة شمالًا حتى أسوان جنوبًا، وتوصف بالصعيد أو مصر العليا.
لم يحدث إصلاح مؤسسى حقيقى، إلا منذ منتصف ٢٠١٤، إذ وضعت دولة ٣٠ يونيو ملف تنمية الصعيد رأس أولوياتها، وأنهت عقودًا متواصلة من تهميشه وتدهور مستوى الخدمات المقدمة لمواطنيه، وحققت بشكل واقعى وفعلى مبدأ العدالة الاجتماعية. وكما تصدّت للإرهاب أمنيًا وعسكريًا، حاربته أيضًا بالتنمية والتعمير، وجرى تنفيذ رؤية استراتيجية شاملة لبناء دولة قوية متقدمة وحديثة، فى إطار برنامج وطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى العميق والشامل، أحدث نقلة نوعية فى بناء الإنسان المصرى، وأعاد رسم خريطة مصر ونقل قراها وكفورها ونجوعها من الفقر وتسوّل الخدمات إلى الحياة الكريمة.
خلال الدورة الثانية من المؤتمر الوطنى للشباب، التى استضافتها مدينة أسوان، فى يناير ٢٠١٧، تم وضع تصور كامل لوضع الصعيد فى قلب التنمية الشاملة. وفور انتهاء المؤتمر، وتنفيذًا لإحدى توصياته، صدر القانون رقم ١٥٧ لسنة ٢٠١٨، بإنشاء هيئة خدمية، تهدف إلى وضع خطة للإسراع بالتنمية الشاملة لمناطق الصعيد، بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، فى إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة. ولو عدت إلى المادة الثانية من قانون إنشاء «هيئة تنمية الصعيد» ستجدها تنص على أن تكون الأولوية للمشروعات المحققة لعائد تنموى ونسب مرتفعة من التشغيل، مع العمل على جذب الاستثمارات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة والعوائد الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المستهدفة.
فى هذا السياق، أحدثت مبادرة «حياة كريمة» نقلة نوعية واستثنائية، وأسهمت فى تحسين الأحوال المعيشية، والنهوض بجودة الخدمات التعليمية والصحية والرياضية والثقافية، وزيادة فرص العمل المجزى واللائق والتوسع فى خدمات التدريب المهنى. و... و... وإحياء قيم المسئولية المشتركة بين كافة جهات الدولة، لتوحيد التدخلات التنموية، وتحقيق أقصى استفادة من موارد الدولة وتوزيعها بشكل عادل على كافة فئات الشعب.
.. وأخيرًا، صار فى قرية «أم دومة»، الآن، مجمع خدمات حكومية، وآخر للخدمات الزراعية، ومكتبة عامة وسوق حضرية، وموقف سيارات، ومركز لتنمية الأسرة والطفولة، ووحدة لطب الأسرة، ووحدة صحية جديدة وفقًا لنموذج التأمين الصحى الشامل، ونقطة إسعاف، ووحدة مطافى. وضمن مبادرة «مهنتك مستقبلك»، تم إطلاق وحدة تدريب متنقلة بالقرية، كما جرى رصف طرقها الداخلية، وطلاء واجهات منازلها، وتطوير مركز شبابها، وإنشاء لوحة توزيع كهرباء، وشبكة اتصالات، وتوصيل الغاز الطبيعى، ومياه الشرب، وتدبيش ترعة قنديل، وتطوير ورفع كفاءة الوحدة البيطرية ومكتب البريد وعدد من المدارس من بينها مجمع للمدارس الابتدائية المشتركة، ومدرسة إعدادية للبنات وأخرى للبنين، ومدرسة ثانوية مشتركة.