عام جديد.. وعمر مديد
العنوان ليس دعاءً أو أمنية، لكنه الشىء الإيجابى شبه الوحيد، أو الذى قد تراه إيجابيًا، فى صورة قاتمة جدًا للسنوات المقبلة، رسمها نموذج إحصائى للتغيرات السكانية فى ١٩٥ دولة، وضعه خبراء العلوم الديموغرافية فى عدد من الجامعات الأمريكية والبريطانية، ونشرته مجلة «ذا لانسيت» الطبية المتخصصة، وأكد أن متوسط عمر الإنسان ارتفع مجددًا إلى ٧٢.٨ سنة، بعد أن كان انخفض السنة الماضية إلى ٧١ سنة، بسبب وباء كورونا وتأثيراته، وتوقع النموذج أن يستقر متوسط العمر عند هذا المعدل حتى منتصف القرن الجارى.
كان متوسط عمر الإنسان ٦٥.٥ سنة فى ١٩٩٠، وقفز إلى ٧١.٥ سنة فى ٢٠١٣، بحسب دراسة نشرتها المجلة نفسها، The Lancet، أواخر ديسمبر ٢٠١٤، قالت إنها اعتمدت على إحصاءات من ١٨٨ دولة. وأواخر ديسمبر ٢٠٢٠، قالت دراسة أخرى إن المتوسط بلغ ٧٢.٨ سنة، وأرجعت هذا الارتفاع إلى عدة عوامل أبرزها انخفاض معدل الوفيات الناتجة عن بعض أنواع السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية فى الدول المتقدمة، وتراجع معدل الإصابة بالإسهال والأمراض التنفسية بين الأطفال فى الدول الفقيرة.
أيضًا، أظهر تقرير «تتبع التغطية الصحية الشاملة فى المنطقة الإفريقية لمنظمة الصحة العالمية لسنة ٢٠٢٢»، الصادر فى أغسطس الماضى، أن متوسط العمر الصحى المتوقع فى القارة السمراء، أى عدد السنوات التى يتمتع فيها الفرد بحالة صحية جيدة، ارتفع إلى ٥٦ سنة فى ٢٠١٩، بزيادة قدرها ١٠ سنوات مقارنة بسنة ٢٠٠٠، غير أن التقرير أشار إلى أن هذا المتوسط لا يزال أقل بكثير من المتوسط العالمى البالغ ٦٤ سنة، وأوصى التقرير الأممى بوضع أنظمة مراقبة على المستوى دون الوطنى، تتيح للدول التعرف، بشكل أفضل، على علامات الإنذار المبكر للتهديدات الصحية.
يقال إن عدد سكان العالم لم يكن يتجاوز المليون منذ عشرة آلاف سنة، ثم وصل إلى مليار فى بداية القرن التاسع عشر، وأصبح ثلاثة مليارات أواسط القرن الماضى. ومنتصف نوفمبر الماضى أعلنت شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة عن تجاوزنا عتبة الثمانية مليارات، مرجعة ذلك النمو إلى أن البشر باتوا يعمّرون أكثر بفضل تحسن خدمات الصحة العامة والتغذية. ومع ذلك، أظهرت دراسة قديمة نشرتها الدورية العلمية المتخصصة «نيتشر»، أن الانتشار المتزايد للأنظمة الغذائية المتبعة فى الغرب لا يقلل فقط متوسط عمر الإنسان، بل يؤثر سلبيًا أيضا على البيئة.
الدراسة التى أجراها دافيد تيلمان ومايكل كلارك، من جامعة مينيسوتا الأمريكية، أوضحت أن ارتفاع متوسط الدخل وارتفاع مستوى التحضر والتمدن أديا إلى تغيير الأنظمة الغذائية الغنية بالخضروات بالأطعمة المحتوية على كميات كبيرة من اللحوم ونوعيات الأطعمة المحتوية على ما يعرف باسم «السعرات الحرارية الفارغة»، وهى الأطعمة التى تحتوى على كمية كبيرة من السعرات، ولكن قيمتها الغذائية محدودة للغاية. كما حذر العالمان الأمريكيان من أن مواصلة اتباع مثل هذه الأنظمة الغذائية يمكن أن تؤدى إلى زيادة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحرارى بنسبة تصل إلى ٨٠٪ بحلول عام ٢٠٥٠ بسبب صناعة هذا النوع من الأغذية.
تأسيسًا على هذا الترابط المباشر بين الصحة والبيئة، رأى تيلمان وكلارك أن تعديل النظام الغذائى يُعد أحد أهم التحديات، التى تواجهها الإنسانية حاليًا، وأشارا إلى أن مواجهة هذا التحدى ممكن، ولكنه صعب. وبسؤال إلكه شتيهفست، من وكالة البيئة الهولندية، عن كيفية مواجهة هذا التحدى، أشارت إلى أن السلوك الشرائى لدى المستهلكين لا يرتبط فقط بمدى توافر السلع الغذائية وأسعارها، بل يتعلق أيضًا بالحملات الغذائية والعوامل المجتمعية، مؤكدة أنه يمكن لحكومات الدول أن يكون لها تأثير كبير على هذه العوامل.
.. وأخيرًا، هناك جانب إيجابى آخر فى النموذج الإحصائى للتغيرات السكانية، إذ انتهى خبراء العلوم الديموغرافية الأمريكيون والبريطانيون، الذين أعدوه، إلى أن ملامح المستقبل، أو ما تبقى من القرن الجارى، القرن الحادى والعشرين، ستشكلها قارة إفريقيا والمنطقة العربية، مقابل تراجع الدور الأوروبى.