مصر وفرنسا 2022.. زخم غير مسبوق وتعاون فى الحاضر لبناء المستقبل
وسط عالم يموج بالمتغيرات والتحديات على كل الأصعدة، تأتي علاقات مصر بدول الاتحاد الأوروبي بشكل عام والدول المتوسطية بشكل خاص وفرنسا بشكل أكثر خصوصية، لتشكل محورًا بالغ الأهمية في سياسة مصر الخارجية، استنادًا لرؤية دقيقة لمعطيات الواقع وآفاق المستقبل ولقراءة عميقة لترابط مفردات الجغرافيا بصفحات التاريخ.
وفي هذا الإطار، شهد عام 2022، الذي يسدل الستار عليه بعد ساعات قليلة، خطوات ملموسة على طريق المزيد من ترسيخ مجالات ومستويات التعاون المشترك بين مصر وفرنسا.
وتتميز العلاقات المصرية- الفرنسية بالقوة والمتانة، وتعززت بشكل غير مسبوق منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم، فشهدت طفرة هائلة وكبيرة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، فضلًا عن التنسيق الوثيق بين البلدين حيال كل القضايا محل الاهتمام المشترك والزيارات المتبادلة والاتصالات المستمرة بين الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي كان آخرها المباحثات التي عقدها الزعيمان على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، والذي عقد بالأردن في العشرين من الشهر الجاري.
كما استقبل الرئيس السيسي، في شهر نوفمبر الماضي، نظيره الفرنسي على هامش انعقاد قمة المناخ بشرم الشيخ، حيث أشاد الرئيس السيسي خلال اللقاء بتطور العلاقات الثنائية بين البلدين في كل المجالات، معربًا عن تطلع مصر لتعزيز التنسيق السياسي وتبادل وجهات النظر مع فرنسا إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصةً فيما يتعلق بقضايا أمن الغذاء وأمن الطاقة، والقطاعات التي تتمتع فيها فرنسا بتميز مثل النقل وصناعة السيارات الكهربائية.
من جهته، عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تقدير بلاده لمصر، مثمنًا في هذا الإطار الروابط الوثيقة بين مصر وفرنسا وعمق أواصر الصداقة التي تجمع بين البلدين، مشيدًا بالزخم غير المسبوق الذي تشهده العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ مؤخرًا في مختلف المجالات، لاسيما على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية.
كما أشاد ماكرون، بالنجاح اللافت لمصر في تنظيم حدث عالمي ضخم بحجم قمة المناخ، مؤكدًا حرص بلاده على التنسيق والتشاور المكثف معها كأحد أهم شركائها في المنطقة، ومثمنًا دورها في إرساء دعائم الاستقرار في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط والقارة الإفريقية.
والاعتزاز بالشراكة الاستراتيجية التي تجمع مصر وفرنسا في شتى المجالات، بما في ذلك المجالات التنموية والاقتصادية والثقافية وغيرها من مجالات التعاون المتعددة بين البلدين، أكد عليها وزير الخارجية سامح شكرى خلال المباحثات التي عقدها ونظيرته الفرنسية كاترين كولونا على هامش فعاليات الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ بشرم الشيخ.
كما أشادت الوزيرة الفرنسية من جهتها بالعلاقات الثنائية المتميزة بين الدولتين الصديقتين، وقدمت التهنئة للوزير سامح شكري على التنظيم الرائع للمؤتمر، وقدرة مصر على حشد هذا العدد الكبير وغير المسبوق لزعماء العالم والمشاركين.
فيما أكد السفير الفرنسي بالقاهرة مارك باريتي، خلال اللقاءات، على هامش الفعاليات المختلفة، عمق واستراتيجية العلاقات التاريخية التي تربط بين بلاده ومصر في جميع المجالات.
وأشار السفير، بالنسبة لتعزيز آفاق التعاون بين مصر وفرنسا وزيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين، إلى أن هناك المزيد من التعاون الاقتصادي بين فرنسا ومصر، خاصة أنه تم التركيز على بعض المجالات كالنقل والمياه وقطاع الطاقة وخاصة الطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر وكذلك الحفاظ على البيئة بصفة عامة.
وكشف باريتي، عن وجود شركتين فرنسيتين مهتمتين بإجراءات صناعية لتنظيف قناة السويس من مخلفات البواخر التي تتسبب في التلوث.
وأشار، في لقاء مع الصحفيين، إلى الرغبة في زيادة حجم التبادل التجاري بين مصر وفرنسا، موضحًا أن الصادرات الفرنسية لمصر تبلغ ما يقرب من 2 مليار يورو، فيما تقدر الصادرات المصرية إلى فرنسا بـ800 مليون يورو، موضحًا أنه بالنسبة لفرنسا فنحن نحتاج لتنويع الصادرات ونحتاج لمزيد من الشركات الصغرى للتعاون مع مصر، ولذلك نعمل مع غرفة التجارة والصناعة المصرية الفرنسية لجذب المزيد من الشركات الفرنسية إلى مصر.
وأشاد السفير الفرنسي، بالتعاون بين بلاده ومصر في مجال النقل ليس فقط من خلال المشروعات التي يتم إنجازها حاليًا ولكن هناك تاريخًا من التعاون مع مصر في هذا القطاع، ولاسيما في مجال مترو الانفاق القائم منذ عدة عقود، حيث كانت فرنسا من أوائل الدول التي اشتركت مع مصر في مشروع المترو منذ الثمانينيات من القرن الماضي.
واستعرض باريتي مساهمة فرنسا في عدد من المشروعات المتعلقة بالمترو والعقود التي تم إبرامها مع مصر فيما يتعلق بمترو الأنفاق، سواء بخصوص الخطوط: الأول أو الثالث والرابع، كاشفًا عن وجود مناقشات مع الجانب الفرنسي فيما يتعلق بالخط السادس للمترو.
وأشار السفير الفرنسي، إلى المشروعات التي تتعاون فيها فرنسا مع مصر في قطاع النقل بمحافظات أخرى، كما هو الحال بالنسبة لترام الإسكندرية الذي تشارك فيه إحدى الشركات الفرنسية.
وأوضح أن التعاون الفرنسي المصري يتمحور حول مجالين أو محورين رئيسيين، الأول يتعلق بالتعاون في مجال التنمية والآخر في المجال الاقتصادي بصفة عامة، مشيرًا إلى أنه فيما يتعلق بمشروعات التنمية فالتعاون الفرنسي المصري يرتكز على النشاط والتحرك الذي تقوم به الوكالة الفرنسية للتنمية، إذ تقوم بتمويل عدد من المشروعات بمجالات متنوعة في مجال النقل ومعالجة المياه إلى جانب مجالات أخرى مثل التعليم والصحة.
ولفت السفير الفرنسي، إلى أن أنشطة الوكالة الفرنسية للتنمية في مصر متنوعة، حيث يصل حجم التمويلات التي تقدمها الوكالة حاليًا إلى 3 مليارات يورو بواقع 250 مليون يورو من التمويلات سنويًا لخدمة مختلف المشروعات.
وأكد وجود عدد كبير من الشركات الفرنسية الموجودة بمصر في مجالات متنوعة تشمل النقل ومعالجة المياه، والطاقة، وتصنيع الدواء وتوزيع المنتجات التجارية، والإنتاج الصناعي.
وهناك علاقات سياسية تستند إلى الصداقة والثقة عكسها خلال العام الجاري العديد من اللقاءات الثنائية رفيعة المستوى بين مسئولي البلدين.
وفي هذا الإطار، أشارت السفارة الفرنسية بالقاهرة- في تقرير لها بمناسبة حلول نهاية العام الميلادي 2022- إلى أن العام الذي يودعنا شهد الزيارة التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى باريس، وأيضًا زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى شرم الشيخ في نوفمبر الماضي، حيث شارك في أعمال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف للمناخ Cop 27، مذكرةً بزيارة الدولة التي قام بها الرئيس السيسي إلى العاصمة باريس في عام 2020.
وسلط التقرير الضوء على الحوار السياسي التي وصفته بأنه "عميق" بين البلدين بشأن الموضوعات الإقليمية، ولاسيما فيما يتعلق بليبيا وعملية السلام في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط وإفريقيا.
كما أكدت السفارة، في تقريرها، أن مصر تعد أيضًا شريكًا أساسيًا لفرنسا في مكافحة الإرهاب.
وشددت السفارة الفرنسية على أهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لافتة إلى أنه في سياق أزمة الغذاء العالمية أرسل قطاع البذور الفرنسي ما يقرب من 1.2 مليون طن من القمح الفرنسي إلى مصر منذ بداية العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا.
وأوضحت أن فرنسا تعد من أهم المستثمرين في مصر، حيث استثمرت أكثر من 180 منشأة فرنسية لها فروع في مصر بمبلغ يقدر بنحو 5.5 مليار يورو في عام 2020، مما خلق أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة في قطاعات متنوعة.
وذكرت السفارة الفرنسية أن مشروع مترو القاهرة يعد خطوة هامة في تاريخ الشراكة بين مصر وفرنسا، إذ انطوى على مبلغ يزيد عن الملياري يورو من التمويلات الميسرة منذ عام 1980.
من جانب آخر، أشارت إلى أن الاتفاق الحكومي الموقع في 13 يونيو عام 2021 يرمي إلى تمويل فرنسا والوكالة الفرنسية للتنمية مشاريع بقيمة 3.8 مليار يورو في الفترة ما بين 2021 و2025.
كما شهد العام الجاري خطوة مهمة في مسيرة العلاقات المصرية- الفرنسية، حيث وقعت الوكالة الفرنسية للتنمية مؤخرًا مع البنوك المصرية الرئيسية الثلاثة، البنك الأهلي المصري، بنك مصر وبنك القاهرة، اتفاقيات قروض ومنح بقيمة 150 مليون يورو لتسريع أهداف التنمية المستدامة في مصر، وذلك بدعم من الاتحاد الأوروبي.
وجاء توقيع هذه الاتفاقيات- التي تبلغ قيمتها الإجمالية 150 مليون يورو بما في ذلك 10 ملايين يورو منحة من الاتحاد الأوروبي- قبل أيام قليلة من انطلاق الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ COP 27 في شرم الشيخ.
وتندرج هذه الاتفاقيات في إطار برنامح التمويل المشترك في مصر، والذي سيواكب النظام المالي المصري في مساهمته في أهداف "رؤية 2030" للحكومة المصرية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
ويتضمن برنامج "التمويل المشترك" ثلاثة خطوط ائتمان للبنك الأهلي المصري (50 مليون يورو) وبنك مصر (50 مليون يورو) وبنك القاهرة (40 مليون يورو)، ويهدف إلى تمويل الاستثمارات التي تسهم بشكل إيجابي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (بما في ذلك هدف 30٪ من المشاريع التي تظهر منافع مناخية مشتركة).
كما يشمل البرنامج 10 ملايين يورو (منحة من الاتحاد الأوروبي)، وتهدف إلى تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تقدم استثمارات ذات تأثيرات إيجابية قوية على النوع الاجتماعي أو المناخ، بالإضافة إلى برنامج مساعدة فنية بمبلغ 3.25 مليون يورو (منحة من الاتحاد الأوروبي) تديره الوكالة الفرنسية للتنمية مباشرة، ويتضمن مرافقة التحول الداخلي للبنوك الشريكة في مجالات التنمية المستدامة وإدارة المخاطر البيئية والاجتماعية وتكامل مخاطر المناخ، ودعم إنشاء خطوط الاستثمارات المؤهلة وإدماج النوع الاجتماعي الهيكلي والتغيرات المناخية لصالح المستفيدين النهائيين من المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
وتشمل أهم الصادرات المصرية إلى السوق الفرنسية النباتات والبذور والفاكهة والحمضيات والأسمدة والزيوت العطرية وأشغال الكروشيه، والملابس والنسيج، والألومنيوم، وبعض الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية.
فيما تضمنت أهم الواردات المصرية من السوق الفرنسية، الحبوب والمنتجات الكيميائية العضوية ومنتجات الصيدلة، وكذلك الزيوت العطرية والمنتجات الكيميائية المتنوعة والألومنيوم ومصنوعاته والآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية، أدوات وأجهزة للبصريات.