فرقة رضا
مَن منا لم يتفتح وعيه على أنغام ورقصات فرقة رضا للفنون الشعبية؟ والسؤال هنا موجه لجيلى. أتذكر بدايات تعرفى على فرقة رضا من خلال حفلاتها الاستعراضية التى كان يبثها التليفزيون عادةً فى احتفالات عيد الثورة، أيام الشاشة الأبيض والأسود. وكم استمتعت بالأفلام السينمائية التى قدمتها هذه الفرقة، وإذا لم تخُنى ذاكرتى هما بالتحديد «أجازة نص السنة» و«غرام فى الكرنك»، ما زال جيلى كله يحفظ عن ظهر قلب كلمات الاستعراض الشهير «الأقصر بلدنا بلد سواح». أتذكر أيضًا كيف كانت تجتمع أسرتى كلها- أيام طفولتى- لتستمتع بإبداع هذه الفرقة، وأتذكر أيضًا كيف أصبحت فريدة فهمى- الراقصة الأولى فى الفرقة- نموذجًا للفتاة المصرية العصرية الجديدة، وإشادة الجميع بأن أباها حسن فهمى- الأستاذ الجامعى- هو الداعم الأكبر لابنته فى إبداعها.
لا أدرى لماذا تداعت كل هذه الذكريات إلى ذهنى وأنا أشاهد الأسبوع الماضى عرضًا لفرقة رضا «الجديدة» على مسرح البالون الشهير؟ ولا أخفى عليك أيها القارئ الكريم أننى كنت تصورت أن فرقة رضا قد انتهت مع رحيل مؤسسها الفنان الكبير محمود رضا، والحق أنى استمتعت بعرض الفرقة «الجديدة» التى تحاول الحفاظ على التراث الفنى لفرقة رضا، رغم تواضع الإمكانيات، وضعف الدعاية. لم يتجاوز عدد الحضور المائة، فى مسرح يتسع للمئات، فأُعجبت بإصرار الفرقة على البقاء الفنى. والحق أقول إن الفرقة تستحق المزيد من الاهتمام، فكنت أتمنى أن يصبح أحد البنوك الوطنية هو الراعى الرسمى لفرقة رضا، فهذه الفرقة فى الحقيقة تعتبر تاريخًا حيًا لفن الاستعراض فى مصر منذ النصف الثانى من القرن العشرين. كما تستحق الفرقة وإبداعها أن يكونا محل اهتمام وسائل الإعلام، وبرامج التوك شو بدلًا من الاهتمام بموضوعات هى أقرب ما تكون للصحافة الصفراء.
وحاولت أن أبحث عن تاريخ مكتوب لفرقة رضا، وكم كانت سعادتى عندما أرسل لى الناقد والمؤرخ الفنى أيمن الحكيم كتابه «الرقص مع الحياة» الذى أصدره بمناسبة مرور ٦٠ سنة على تأسيس فرقة رضا، وهو فى الحقيقة من الكتب المهمة فى هذا الموضوع؛ إذ جمع فيه العديد من الوثائق والشهادات التى تسجل سيرة هذه الفرقة التى لعبت دورًا مهمًا فى الحركة الفنية المصرية، بل وفى تشكيل الذاكرة الجماعية لجيلنا.
وأول ما استلفت انتباهى فى هذا الكتاب المهم مجموعة الشهادات التى جمعها. ويقدم الكاتب الكبير يوسف إدريس تحليلًا مهمًا لأهمية الفرقة وعظيم إنجازها فى تشكيل الوعى المصرى: «كنا الشعب الوحيد تقريبًا الذى يخجل من رقصه ويسميه تارة هز البطن، وتارة أخرى ترتفع الأصوات بإلغائه، وكانت فرحتنا بفرقة رضا هى فرحة اكتشافنا أن الرقص ليس عيبًا، أو خطيئة».
وتقدم فريدة فهمى شهادتها عن نشأة الفرقة فى عام ٥٩، ثم انضمامها إلى الدولة فى عام ١٩٦١، وتشير إلى نقطة مهمة فى هذا الشأن وهى تقبل بل واحتضان المجتمع آنذاك هذه الفرقة وهذا النوع من الفن، وكيفية تقبل فتاة مثلها هذا الفن: «كان من حسن حظ الفرقة أنها تأسست فى عهد عبدالناصر وانفتاح المجتمع، عندما كانت البنات تستطيع لبس المينى جيب فى الشارع».
تحية مرة أخرى لفرقة رضا التى كانت مصدرًا لبهجة ليس فقط الأسرة المصرية، بل الأسرة العربية، وتحية لأيمن الحكيم على كتابه المهم. ولا تزال الدعوة قائمة بأن يرعى أحد البنوك الوطنية فرقة رضا.