البرد والرعد وريمونتادا الفيروس
لا أحتفل بيوم مولدى بأى شكل من الأشكال.. ولا أعرف عن رأس السنة سوى أنها حفل كبير لا يدعونا أحدهم إليه... هو مجرد فرح فى مكان بعيد لن أذهب إليه.. لكننى فى كل الأحوال أفرح... طالما هناك شخص فى الكون سيفرح فما لنا لا نفرح معه... لذا أبحث، مثل غيرى، عن أى مظاهر للفرح مع مطلع كل عام جديد... وفى هذه الليلة التى أتم فيها خمسين عامًا وخمسة أخرى من عمرى... وقبل أن يحل موعد الكريسماس رحت أفتش عن ذلك الدفء المنتظر... عن تلك الألوان المزركشة... عن ضحكة الأطفال قبل أوانها... رحت أفتش فى الأخبار وليتنى ما فعلت.
العالم يقول- بالتحديد النصف الشرقى منه- إن ذلك الوباء الغريب الذى أضاع معالم الفرح من وشوش الناس شرقًا وغربًا منذ عامين وجعلنا نلهث خلف أعداد المصابين يعود ليضرب من جديد وفى نفس المكان... الصين.. ريمونتادا الفيروس الغريب الذى صار ضعيفًا بعد أن أنهكنا طيلة عامين تبدو غير جيدة... فبعد أن أعلنت الصين عن خلوها... واطمأنت الدنيا وانشغلت بحرب روسيا وأوكرانيا تعود المستشفيات فى عدة مدن صينية لتستقبل المرضى من جديد... أعداد المصابين تتجاوز نصف المليون يوميًا... وبسبب تخلى البلاد عن المحاذير والقيود التى فرضتها مسبقًا يمرح الفيروس بين الناس كما يشاء... ألمانيا وفرنسا أيضًا أعلنتا عن عودة الإصابات... فماذا عن عالمنا العربى؟
كنا نعرف أنه شتاء صعب... من ناحية المناخ... كنا نتأهب للبرد والرعد والأمطار ونحسبها خيرًا للزرع والعباد... لكن أوروبا تعانى مع نقص إمدادات الغاز ومن تداعيات الحرب والكل يرقص خوفًا... الرقص تحت المطر لأسباب رومانسية لم يخطر على بال أحدهم... إنهم يشحذون الشمس... الضوء... الدفء.. هم الآن يتحسبون لتلك العودة الملعونة... ماعدش فيه حد يقدر يستحمل... تداعيات الحرب وعودة الفيروس معًا...
أى خلل فى حركة العالم يؤثر على الجميع هذا ما عرفناه موخرًا... لقد مرت الموجات السابقة بعون الله وبركته... لا أحد يريد العودة لتلك الأيام... تعطيل المدارس والعمل من المنازل وارتداء الكمامات ورائحة اليود والكحول... لا أحد يتمنى عودة منظر الجثث حتى ولو كانت فى الهند.
وسط هذه الأجواء تمضى الحرب بين روسيا والغرب إلى منعطفات جديدة... آليات عسكرية تتحرك لمساعدة الأوكران، والروس يطورون من هجماتهم.. الأخبار المتواترة من هنا وهناك تقتل أحلام الفقراء فى العالم... لقد كنا نحلم بربيع قادم لا حرب فيه ولا أمراض... كنا نتعشم فى أن يستعيد العالم شبابه وعافيته... أن يتوفر للفقراء طعامهم وللمرضى علاجهم... لكن ما يحلم به الفقراء والشعراء حاجة وما يحدث حاجة تانية خالص.
أهل بلدنا يقولون: «خبطتين ف الراس توجع»... وقد توّجع العالم بما يكفى... لم نعد نستطيع الفرجة... لم نعد نملك رفاهية الأحلام... فكيف هو حال الكريسماس فى هذه الأجواء؟
لقد قرأت فيما قرأت... عن تاريخ قريب... ليس بعيدًا... يا دوبك ٣٠٠ سنة... بالتحديد عام١٧٣٠... لقد تعرضت مدينتى، التى كان اسمها فى ذلك الوقت جرجا، إلى وباء شديد... تقول السرديات وكتب التاريخ إنه الطاعون... وفر من فر إلى الشمال... وإلى السودان أيضًا... لكن قرى كاملة أُبيدت تحت سطوة ذلك الغريب الذى ظل فى البلاد ثلاثين سنة كاملة... ثم رحل... ودبت الحياة من جديد.. وعرفت القرى زرعًا جديدًا... قصبًا وسكرًا... وعم العدل جنوب الصعيد وشماله على يد شيخ العرب همام... عادت الحياه أفضل مما كانت... وعدنا إلى سيرتنا الأولى... نضحك ونمرح وننجب الأطفال.
التاريخ يعاندنى ويريد أن يخبرنى بأنه مهما كانت الأخبار الواردة فى نشرات الأخبار قاتمة... ومهما كانت البيانات التى تصدر عن كيان مستفز يدعم أكل أرجل الفراخ لأنها مفيدة صحيًا... ومهما كان البرد لاذعًا وأسعار الملابس الجديدة مهلكة... يطلب التاريخ منا أن نفرح... أن نبتهج... وأن نقرأ فى كتابه مجددًا عسانا نفهم أن كل مُر سيمر... وأننا نستطيع أن نهزم الفيروس والبرد معًا... بشرط أن نكون معًا.