بلد البنات
فنجال قهوة ساخن، وصوت محمد منير في بداية يوم عملي المشحون، صوت حُر يطربني، في بلد البنات كل البنات تحلم تضوي زي النجوم، فجأة طرأ في ذهني خبر قد يكون عابرًا لكنه محزن؛ حركة طالبان تغلق أبواب الجامعات أمام النساء.
الحركة التي تسلمت أفغانستان على طبق من فضة، تحكمها بالحديد والنار، تكره النساء، بل الحياة، فتجهيل المرأة يعني موت المجتمع، سلبه كل مظهر فيه حياة وجمال وثقافة، عنوان الخبر كان: «حظرت حركة طالبان التعليم الجامعي للفتيات في أفغانستان حتى إشعار آخر»، ولم تكتفِ، بل طردت النساء من المعاهد والمكتبات، جريمة مكتملة الأركان، موت محقق لأمة تسير نحو درب الجهل.
يدور في ذهنك الآن سؤال أعرف أنه مهم، هل كانت النساء حاصلات على حقوقهن من الأساس هناك؟، أجيبك: منذ 20 عامًا كان هناك بصيص أمل وتغيرات في المجتمع، كان من أهمها استرجاع النساء جزءًا من حقوقهن كما كنا نتابع إخباريًا، مشاهد مشوشة في الذاكرة عن فتيات يجلسن في المدارس ويسرن في الشوارع وبورتريهات من صورهن.
مع كل تقدم عسكري للحركة كانت تقف المرأة "حائط صد" للتطرف، وطالبن بأن تضاف حقوقهن كبند مهم في مفاوضات السلام، كن خائفات من مصير يعرفنه جيدًا، لكن الكوميديا السياسية العالمية لا تهتم.
أتذكر جيدًا التصريحات الآخاذة التي أدلى بها المسئولون "تغيرنا"، فطالبان اليوم ليست كالأمس، وكأنهم يطبقون مثلنا الشعبي الجميل «اتمسكن اتمسكن لحد ما تتمكن»، واليوم تكشر الحركة عن أنيابها وأيديولوجيتها ووعودها الكاذبة، تغلق الجامعات بوجه النساء، بعد السيطرة على الحكم.
التطرف يخشى النساء، وليست الحركة فقط، لا يريدون مجتمعا يحميه العلم، لا يريد التطرف أجيالًا تقول لا، بل تعز الجهل لاستقطاب الشباب نحو مسار الظلام.
تخيل المجتمع دون نساء متعلمات، تخيل المجتمع، ماذا سيحدث إذن في المستقبل؟ شعور بشع، خوف، النساء لديهن رؤية لما قد يحدث، المستقبل هناك "مظلم" ومجتمع العولمة أكثر إظلامًا، العالم فى خطر أكثر وأكثر.
قد يبدو الأمر بعيدًا عنا، لكن فكر قليلًا هل التطرف عائد بقوة من جديد، عائد من الفكر من الترهيب بالدين؟، فكر القاعدة ليس ببعيد، فكر جماعة البنا الإرهابية ليس ببعيد، لم يتلاشَ فكر جماعة الإخوان من مجتمعنا، بل ما زال يشكل خطرًا داهمًا علينا، لا زلنا نحاربه في عقولنا كما يحاربه أبطالنا في ساحة المعركة.
الأفكار الهدامة شديدة الخطورة، مؤلمة ومكلفة، والمدافعون لن يعتذروا حين تقع الكارثة، المتطرفون لا يكرهون المرأة في أفغانستان فقط، لكنهم يكرهون كل مؤنث، يجلدوهن، يقتلوهن، يسلبوهن كل حقوقهن، ينتزعون إنسانيتهن.
غنوة «منير» انتهت وفنجال قهوتي كذلك، لكن قوة البنات أبدًا لن تُهزم، توهجهن أبدًا لن ينطفئ.