الهجوم أولًا
منذ الإعلان عن إعادة تجسيد مسرحية «سيدتى الجميلة»، ضجت مواقع التواصل الاجتماعى بعاصفة من الهجوم الشرس ضد أبطالها الجُدد، خاصة مع احتلال نسختها الأصلية مكانة مميزة بين أعمال الراحل الكبير فؤاد المهندس، المدهش هنا هو أن أحدًا من أصحاب تلك الهجمة لم يشاهد المسرحية بثوبها الجديد، حتى يتسنى له الحكم عليها أو انتقادها كما يشاء.
المرفوض من وجهة نظرهم هو مبدأ إعادة العمل أصلًا، ثم عدم مناسبة الممثلين فى النسخة الجديدة على مجاراة نظرائهم فى العمل الأصلى خاصة فؤاد المهندس وشويكار، هو هجوم أزلى يواجه كل الأعمال التى يعاد تقديمها بناءً على المقارنة وليس التحليل، خاصة إذا ما كانت الأعمال الأصلية قد حجزت مكانًا بارزًا فى ذاكرة الجمهور، لكن السؤال: ما سبب المصادرة على النية أو الرغبة فى تقديم صورة جديدة من الأعمال الفنية؟ ربما التمسك المفرط بذكرياتنا المرتبطة بتلك الأعمال مما يجعله دفاعًا عن ذواتنا فى الأساس، وهو ما يفسر الهجوم الدائم ليس فقط على الأعمال الفنية التى يعاد تقديمها، بل على كل تيار فنى جديد سواء فى المسرح أو السينما أو الموسيقى.. راجعوا مثلًا الهجوم على نجيب الريحانى فى بداياته، أو عبدالحليم حافظ وأحمد عدوية فور ظهورهما، ستجد بانتظارهم مجموعة من التهم المعلبة بداية من الإسفاف وصولًا إلى إهانة التراث!
«سيدتى الجميلة» الأصلية مسرحية عظيمة بدون شك، كتبها المؤلف المبدع بهجت قمر عن رواية بجماليون لبرنارد شو، أخرجها المخضرم حسن عبدالسلام ولعب بطولتها الكوميديان الكبير فؤاد المهندس إلى جانب القديرة شويكار.. النتيجة عمل رائع وخالد فى الذاكرة، فى العمل الجديد هناك إشراف على النص من الموهوب أيمن بهجت قمر، وعلى الإخراج من مصطفى حسنى، أما البطولة فهى للنجم أحمد السقا، وريم مصطفى، من دون شك ستكون مقارنة أسماء صناع النسخة القديمة فى غير صالح الجديدة، ولكننا هنا سنقع فى نفس الخطأ، وهو البقاء خلف قضبان المقارنة وفقًا لتاريخ كل فنان وما شكّله من رصيد له فى ذاكرتنا، دون الأخذ فى الاعتبار نقاطًا مهمة مثل: اختلاف رؤية العمل الجديد، ومعالجته بما يتناسب مع قدرات الممثلين فى النسخة الجديدة، مدى التطوير المضاف سواء من حيث التناول أو الأداء، فى النهاية لا يملك أحد من المهاجمين لفكرة إعادة «سيدتى الجميلة» أى تعليق على تلك النقاط، لأن المسرحية الجديدة لم تُقدم داخل مصر من الأساس، وبالتالى لم يشاهدها أحدهم!
بالمناسبة.. تقديم النصوص القديمة دون تغيير هو أمر مشروع ومكرر فى الخارج بشكل دائم فى مسرح البرودواى وغيره، البعض يعتبره إفلاسًا فنيًا.. فلنطرح سؤالًا آخر إذن: ما الضرر فى إعادة تقديم بعض الأعمال الكلاسيكية بالتوازى مع تقديم أعمال أخرى لنصوص جديدة؟، لم لا يكون الحُكم للجمهور؟ لنكن صرحاء.. لدينا مشكلة حقيقية هى الوصاية على الناس والمتمثلة فى رفض عمل قبل مشاهدته، والمصادرة على مجرد الرغبة فى تقديمه!
بنظرة سريعة على تاريخنا المسرحى سنكتشف أن إعادة تقديم الكلاسيكيات المسرحية لم يكن سيئًا على طول الخط، هناك أعمال كانت جيدة للغاية وأضافت لنسختها الأصلية أبعادًا جديدة أسهمت فى إعادة إحيائها فى ذاكرة أجيال لم تشاهدها من الأساس، لدينا مثلًا مسرحيتا «لعبة الست» و«سكة السلامة» اللتان أعادهما الفنان القدير محمد صبحى ضمن مشروعه المهم «المسرح للجميع»، مع إكسابهما روحًا عصرية أسهمت فى نجاحهما على المستوى النقدى والجماهيرى، وبالتالى تجدد تأثيرهما واستمتاع الناس بمشاهدتهما حتى الآن من خلال العرض التليفزيونى، لقد كسبنا إذن أجيالًا شاهدت هذين العملين لم تكن تعرف شيئًا عن نسختيهما الأصليتين، المهم هو منح الفرصة للتجريب، وترك الحُكم فى النهاية للجمهور بعيدًا عن سجن النسخ الجديدة خلف قضبان أعمالها الأصلية.