رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ختام حلقات " الجنائز " !

محلاظات سريعة لابد من ذكرها قبل ختام حلقات " رموز وجنائز " التى بدأناها قبل ثلاث أسابيع ، والحمد لله لاقت إستحسان من المتابعين والأصدقاء ، فقد تناولنا من خلال وصف سريع لوقائع وداع عدد من رموز الوطن في النصف الأول من القرن العشرين  ، ما يعكس مكانتهم عند عموم المصريين ، وكيف تم تكريمهم رسميا وشعبيا . من أبرزهم الزعيمان مصطفي كامل ومحمد فريد و الشاب ابراهيم الورداني قاتل بطرس غالي الذي إختلف حول ديانته المؤرخون ، كما تناولنا أضخم جنازتين شهدتهما مصر قبل ثورة 1952 وكانتا لزعيم الأمه سعد زغلول وفنان الشعب نجيب الريحاني .
وهنا لنا تعليق على ما رصدناه عند إعادة قراءة لتلك الأحداث  ، فالفصل بين أحداث ووقائع وداع الرموز الوطنية والفنية البارزة في النصف الاول من القرن العشرين ، وبين  الأحداث ذاتها في النصف الثاني من القرن ذاته ، او بمعنى أدق مرحلتي ما قبل ثورة 23 يوليو 1952 وما بعدها ، أمر طبيعي وضرورى لتغير التركيبة السياسية والإجتماعية في  مصر بين المرحلتين .
وبهذا التقسيم نكتشف عدة حقائق أهمها أن الجماهير المصرية ظلت محافظة على تقاليدها في الإلتزام بالمشاركة في مراسم التشييع لرموزها ولم تختلف المشاركات الرسمية والشعبية في مصر حتى عام 1977 ، فكانت جنازة عندليب مصر الأسمر عبدالحليم حافظ يوم 31 مارس عام 1977هى  أخر جنازة ذات حضور جماهيرى كبير ، وسبقها جنازة كوكب الشرق أم كلثوم يوم 5 فبراير عام 1975 ، وهما من اكبر وأضخم الجنازات التى يمكن وصفها بالمليونيات وتشبهان كثيرا جنازات زعماء الدول ، وقد يعود السر في تلك المشاركة الشعبية الضخمة الي المكانة الكبيرة لكل من أم كلثوم وحليم في قلوب كل المصريين والعرب ، يضاف لهذا السبب قيامهما بدور وطنى مهم خلال أصعب وأهم التحديات التى مرت على مصر والعرب منذ حروب 56 وبعدها  67 والاستنزاف واكتوبر سواء بالغناء الوطنى و بحشد الجماهير وجمع التبرعات والترويج للقضية العربية في الخارج ، الأهم من ذلك هو استهداف جماعة الإخوان لكل من  " ام كلثوم وحليم " في بعد إطلاقهم من السجون بداية السبعينات ،  فخصصت تسجيلات الشيخ كشك وكتابات مجلة الدعوة وكل مطبوعات الاخوان وادبياتها في تلك الفترة لتشويههما والهجوم عليهما ، وكان إستهداف شخص وتجربة  الرئيس جمال عبدالناصر مدخله هى قواه الناعمة بما فيها شعراء ثورة يوليو ورموزها وانجازاتها   .
ولا ينسي تاريخ ما بعد ثورة يوليو مراسم تشييع  مهمة  ، منهم جنازة الفنان الكبير جورج أبيض رائد المسرح العربي الذي رحل يوم 12 فبراير عام 1959 ، وحضرها عدد كبير من رموز الفن و السياسين تقدمهم وزير الارشاد القومى الدكتور عبد القادر حاتم نائبا عن الرئيس جمال عبدالناصر ، وجابت الجنازة شوارع القاهرة ، ثم جنازة الفنان المحبوب متعدد المواهب محمد فوزى يوم 21 أكتوبر عام 1966 والتى إمتدت من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير  و حتى مسجد الحسين ، حيث أقيمت الصلاة على روحه ثلاث مرات كانت أخرها في مقابر البساتين بقراءة للقرأن للفنان محمد الكحلاوى وتعد جنازة رسمية وشعبية مهيبة يستحقها فوزى ، وقد شارك فيها الوسط الفني بأكمله وشهدت حالات إغماءات كثيرة من زوجته كريمة وشقيقته الفنانه هدى سلطان والفنانة تحية كاريوكا  والفنان إسماعيل ياسين الذي أغمى عليه أكثر من مرة وأصر على المشاركة مشيا على الأقدام الى جوار الفنان الكبير يوسف وهبي و حمل النعش العديد من الفنانين من بينهم المطرب محرم فؤاد.
وتبقي جنازة الفريق عبد المنعم رياض هى الأهم طوال الستينات ، واعتبر  9 مارس يو استشهاده يوما للشهيد ، وقد خرجت جماهير الشعب المصري، تودع إبنها البار في جنازة عسكرية وشعبية مهيبة بدأت من ميدان التحرير يتقدمها الرئيس جمال عبد الناصر الذى أكمل مراسم التشيع بدون حراسة وذاب وسط الجماهير الغفيرة التى تطالب بالقصاص لرئيس أركان قواتها المسلحه وقد تحقق الثأر في ذكرى الاربعين بالفعل . أيضا كانت مراسم تشييع عميد الأدب العربي يوم 31 اكتوبر عام 1973 من المراسم المهمة وخرجت من جامعة القاهرة وسط حشد كبير من الرموز السياسية  والجماهير  وكأن الشعب المصري خرج ليحتفل بانتصار أكتوبر من خلال جنازة الدكتور طه حسين .
وتبقي جنازة الزعيم جمال عبد الناصر هى الأكبر في تاريخ مصر والعالم امتدت من شوارع القاهرة الى معظم ارجاء العالم حزنا على رحيل رمز النضال الوطنى وملهم ثورات التحرر ومناهضة التبعية في العالم.