الاحتكار.. بين الشريعة والقانون
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. والله لا يأمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم" صدق رسول الله. تشرفت هذا الأسبوع بالمشاركة في إحدى الندوات التي ينظمها الأزهر الشريف وكانت تحت عنوان "الممارسات الاحتكارية المعاصرة بين الشريعة والقانون".. وقد أدار الندوة الدكتور حسن الصغير الأمين العام لهيئة كبار العلماء وشارك فيها الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء واللواء الدكتور راضي عبدالمعطي رئيس جهاز حماية المستهلك سابقًا وحضرها جموع كبيرة من العلماء الأجلاء وأساتذة وطلبة جامعة الأزهر. لم تكن مجرد ندوة عادية ولكنها لمست تلك المعاناة التي يتضرر منها فئات كثيرة من أبناء الوطن ولتكشف لنا حقيقة ما يقومون به تجار الأزمات من ممارسة احتكار البضائع بمختلف أنواعها خاصة السلع الغذائية وإعادة بيعها للمواطن البسيط بأسعار مغالى فيها .. بل إن الأمر قد وصل إلى قيامهم بشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية المعروضة في منافذ البيع التي توفرها الدولة وكذلك وزارتا الدفاع والداخلية ثم بيعها مرة أخرى بأسعار عالية ومن أحد الأمثلة شراء صندوق المياه بمبلغ 40 جنيهًا من تلك المنافذ وبيعه مرة أخرى بمبلغ 60 جنيهًا في محلاتهم .. جاءت الندوة لتكشف محاولات معدومي الضمائر استغلال تلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد لاحتكار السلع الحياتية أيا كان أنواعها فتزيد من معاناة المواطن البسيط الذي يسعى إلى تأمين قوت يومه هو وأسرته ناهيك عن باقي التزامات حياته من سكن وكساء وتعليم وعلاج .... إلخ. أوضحت الندوة موقف الأديان السماوية من تجار الأزمات، حيث أكد الدكتور علي جمعة أن المحتكر ملعون وأن الاحتكار من الكبائر وهي تلك الجرائم التي ورد فيها وعد بالنار وأن الأحكام المتعلقة بالاحتكار تنطبق على الطعام وعلى غير الطعام وفي كل ما يصيب الإنسان بالضيق والضرر ويضيق عليهم حياتهم وحذر فضيلته من خطورة الاحتكار على المجتمع، وإنه منهي عنه في جميع الأديان السماوية وأن الحكمة من تحريم الاحتكار رفع الضرر عن الناس سواء كان ذلك بالغش أو حجب البضائع ثم رفع الأسعار. لقد تصدت الحكومة بكل حسم إلى هؤلاء الذين يستغلون الفرص وحاربت الغش والاحتكار وفي ذات الوقت كثفت جهودها للتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار وعدم تأثر المواطن بها في حياته اليومية وذلك من خلال التوسع في نشر منافذ بيع ثابتة ومتحركة داخل المحافظات المختلفة بل وفي مراكزها وقراها. إن تجار الأزمات يتفنون في استنزاف المواطن معنويًا وماديًا ولعل تلك القرارات التي أصدرتها الدولة مؤخرًا جاءت للقضاء على تلك الظاهرة أو على الأقل تحجيمها وذلك من خلال الإعلان عن قوائم الأسعار ومراقبة منافذ البيع وإغلاق أي منفذ مخالف لتلك القرارات ومصادرة السلع الموجودة به وبيعها لصالح المواطنين. يأتي هذا في الوقت الذي كثفت فيه جميع الأجهزة الرقابية جهودها والتعامل بحزم مع كل من يقوم بتخزين السلع أو يبالغ في أسعارها أو يخفيها عن المواطنين.. وفي اعتقادي أن الدولة جادة في تنفيذ تلك القرارات ولكن ذلك يتطلب بالضرورة أيضًا تعاون المواطنين مع أجهزة الدولة وان يكون لهم دورًا إيجابيًا في الإبلاغ عن أي تجاوزات أو مخالفات تأتي في هذا السياق. هناك حقيقة واضحة لا ينكرها إلا الجاحدون وهي أن الدولة المصرية على الرغم مما تعانيه من أزمات وارتفاع في الأسعار أفضل حالا بكثير من العديد من دول العالم ومنها بعض الدول الكبرى التي تنتظر شتاء قارصًا هو الأسوأ منذ زمن بعيد وذلك لنقص الطاقة والغاز الوارد لها من روسيا وأوكرانيا نتيجة الحرب الدائرة بينهما حاليًا .. ولكننا هنا وبفضل الله ورؤية القيادة السياسية وأجهزة الدولة التنفيذية لدينا مقومات الصمود والعبور من تلك المرحلة بإذن الله. وفي إطار تلك المواجهة الشرسة مع هؤلاء الانتهازيون أرى ضرورة أن تقوم السلطة التشريعية بإصدار القوانين الأكثر حزمًا لمواجهة المحتكرين وتغليظ العقوبات عليهم وتمكين الأجهزة الرقابية من فرض سيطرتها على الأسواق التي تتعامل مع المواطنين، بالإضافة إلى التوسع في الندوات واللقاءات والمحاضرات سواء في المؤسسات الدينية أو الجامعية والإعلامية لإيقاظ الضمير والوعي الديني وكذلك التوعية في شراء واستهلاك المواد الغذائية بلا مبرر منطقي وتحفيز المواطنين للإبلاغ عن أي مخالف لتعليمات الدولة وقوانينها. وختامًا أرسل كلمة إلى هؤلاء المحتكرين وأقول لهم لا تنسوا أنكم من أبناء هذا الوطن ... عشتم على خيراته وحققتم مكاسبكم بالعمل على أرضه... فاتقوا الله في أبناء وطنكم خاصة خلال تلك المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد.. ورسالة أخرى لأبناء وطني... فليكن استخدامكم للمواد الغذائية على قدر الممكن دون زيادة.. ولا تترددوا في الإبلاغ عن أي مخالف لأن ذلك سوف يؤدي إلى مساعدة أجهزة الدولة في القيام بواجبها تجاههم... ولا تقلقوا على الوطن فبلادنا محفوظة بأمر الله سبحانه وتعالى القائل "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".. وتحيا مصر.