«الطريق إلى لاهاى».. سيناريوهات فتوى «العدل الدولية» فى ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين
بحثت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الإثنين الماضى، اقتراح السلطة الفلسطينية الذى طلبت فيه من محكمة العدل الدولية فى لاهاى إبداء رأيها المهنى فى قانونية الاحتلال والاستيطان الإسرائيلى، وضم القدس الشرقية، والتداعيات القانونية للانتهاكات المستمرة لحق تقرير المصير.
ومع اقتراب موعد التصويت على القرار، ما يسمح بدخوله حيز التنفيذ وإحالة الموضوع إلى محكمة العدل الدولية، تستعرض «الدستور» احتمالات الموافقة على القرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطبيعته وجدواه، وتأثيراته المحتملة على القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى التعامل الإسرائيلى مع تداعياته.
الإحالة تترقب موافقة الجمعية العامة.. وتؤسس لوضع أكثر قوة رغم عدم إلزامها
بعد موافقة اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة على اقتراح السلطة الفلسطينية بشأن طلب فتوى قانونية ورأى استشارى من محكمة العدل الدولية حول ماهية وجود الاحتلال الاستعمارى الإسرائيلى فى أرض دولة فلسطين بما فيها القدس، بأغلبية ٩٨ عضوًا مقابل ١٧ مع امتناع ٥٢ دولة عن التصويت، ومن المتوقع أن يدخل القرار حيز التنفيذ بعد تصويت الجمعية العامة المقرر فى ٢٢ أو ٢٣ ديسمبر الجارى.
وبناء على نتائج التصويت، ستطلب الجمعية العامة فى الأمم المتحدة رأى محكمة العدل العليا فى مسألتين تتعلقان بالاحتلال الإسرائيلى، الأولى، حول التداعيات القانونية للانتهاكات المستمرة لحقّ تقرير المصير للفلسطينيين نتيجة استمرار الاحتلال وسياسة الاستيطان، وضم القدس الشرقية، والنشاطات الرامية إلى تغيير التركيبة الديموجرافية وتطبيق نظام قانونى يقوم على التمييز، والثانية تتعلق بكيفية تأثير هذه السياسة فى الوضع القانونى للاحتلال، إزاء الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها.
وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد حاولت إقناع الدول بمعارضة الاقتراح، أو الامتناع عن التصويت، رغم معرفتها أن الفلسطينيين يحظون بدعم الأغلبية داخل الأمم المتحدة، إلا أن هدف الخارجية الإسرائيلية هو إرسال رسالة غير مباشرة إلى محكمة العدل العليا وقضاتها الـ١٥ عندما يكون عدد الدول الممتنعة عن التصويت والمعارضة كبيرًا، كنوع من التأثير غير المباشر عليها.
من ناحية أخرى، فقد تأجل القرار لمدة شهر بسبب وضع ميزانية لتمويل عمل المحكمة، «أى نحو ٣٠٠ ألف دولار»، نصفها مخصص لترجمة الوثائق.
وسبق لتلك المحكمة أن قضت قبل أكثر من عقد، بأن إقامة الجدار الفاصل ليست قانونية، لأنه يخرج عن تخوم أراضى دولة إسرائيل، التى حددتها المحكمة بالخط الأخضر لـ٤ يونيو ١٩٦٧.
وفى هذه المرة، إذا قررت محكمة العدل الدولية فى لاهاى أن إسرائيل ترتكب جرائم فصل عنصرى «أبرتهايد» فى الضفة الغربية، فستكون لذلك تداعيات مهمة، ومن الممكن أن تقوم النيابة العامة فى المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى بالتحقيق فى الموضوع.
جدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية ليست هى المحكمة الجنائية الدولية، فالأولى تعمل على مناقشة النزاعات بين الدول بعد موافقتها، كما يتم اللجوء إليها من أجل إبداء الرأى فى مسائل قانونية توجهها إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما تبحث الثانية فى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وإذا قررت «العدل الدولية» أنه على إسرائيل إخلاء الضفة الغربية ومنح الفلسطينيين حق تقرير مصيرهم فإن هذا سيعد «وثيقة جديدة» ذات أهمية قانونية أكبر من الوثائق السابقة.
وحسب منظمة «السلام الآن»، فإن هناك ٣ صيغ محتملة من قبل «العدل الدولية»، ففى المسألة الأولى، المتعلقة بالانتهاكات المستمرة لحق تقرير المصير، فإنها يمكن أن تقضى بأن الاحتلال بعيد الأمد وقانونى، أو بأنه غير قانونى لأن إسرائيل تقوم بالضم كأمر واقع، ويجب وضع حد له، أو بأن إسرائيل تمارس نظام «فصل عنصرى»، وهو جريمة ضد الإنسانية.
أما فيما يتعلق بالمسألة الثانية، التى تتناول التداعيات على دول العالم والأمم المتحدة، فهناك ٣ أجوبة محتملة، وهى أولًا: عدم الاعتراف بنتائج عمل غير قانونى، «وفى الواقع أغلبية الدول لا تعترف بضم القدس الشرقية، والدول الأوروبية لا تُجرى هناك اجتماعات مع مسئولى الدولة»، وثانيًا: أنه يجب منع مساعدة نشاط غير قانونى، وثالثًا: أنه يجب على دول العالم استخدام وسائل قانونية «عقوبات» من أجل التوصل إلى وقف أعمال الضم غير القانونى.
ومع ذلك فإن فرص فرض عقوبات على إسرائيل ضئيلة، لأن مثل هذه الخطوة تحتاج إلى موافقة مجلس الأمن، ويمكن أن تفرض الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الفيتو ضدها.
التشكيك وعدم التعاون والابتزاز السياسى.. وسائل إسرائيلية لمهاجمة الإجراءات وتخويف الآخرين
مع حقيقة أن محكمة العدل الدولية تعالج النزاع بين الدول، وبموافقة منها فقط، وأن إسرائيل لم تعطِ موافقتها قط، لذا، لا يمكن للمحكمة بحث شكوى ضدها وإصدار أوامر تُلزمها، لكن من حقها نشر رأيها الاستشارى- كنوع من أمر توضيحى- بناءً على طلب واحدة من المنظمات الخمس فى الأمم المتحدة و١٦ منظمة دولية.
وكما ذكرنا، فإن إبداء الرأى لا يشكل أمرًا، بل هو بيان توضيحى فقط، لكنه قد يشجع دول العالم على العمل وفقه.
واجهت إسرائيل فى الماضى رأى محكمة العدل الدولية فى سنة ٢٠٠٤، عندما طُلب من المحكمة إبداء رأيها فى موضوع الجدار الأمنى الذى شيدته إسرائيل فى أعقاب الهجمات التى وقعت خلال الانتفاضة الثانية، وفى حينه قررت إسرائيل عدم التعاون مع المحكمة.
وفى ديسمبر ٢٠١٦، أواخر عهد إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، اتخذ مجلس الأمن قرارًا تُعد بموجبه المستوطنات الإسرائيلية فى المناطق المحتلة غير شرعية، ودعا إسرائيل إلى وقفها.
والولايات المتحدة، التى بادرت إلى القرار، امتنعت عن التصويت، لكنها سمحت بذلك بإقراره عمليًا، وفى حينه لم يتضمن القرار تطرقًا إلى المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، التى تقضى أن بوسع مجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية، أو أن يأمر باستخدام القوة العسكرية، فى حال خرق القانون الدولى.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعكس الإجراءات القانونية التى تتخذها المحكمة الجنائية الدولية، فإن إجراءات محكمة العدل الدولية ليست ملزمة قانونيًا ولها صفة توصيات أو إبداء رأى فقط، ولكن مع ذلك يظل لها أثر على إسرائيل، بسبب مكانة المحكمة ووزنها فى الساحة الدولية؛ فإن هذه الآراء تسىء إلى إسرائيل وصورتها أمام العالم، والمجتمع الدولى، وقد تشجع بشكل ما مبادرات المقاطعة الاقتصادية والثقافية والأكاديمية.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن الرأى غير ملزم من قبل محكمة العدل الدولية، فإنه يمكن استخدامه فى مؤسسات أُخرى للتأثير على إسرائيل، وعلى سبيل المثال يمكن لهذا الرأى أن يؤثر فى قرارات المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيقات ضد زعماء إسرائيليين، ويمكن أن تؤدى إلى صدور أوامر اعتقال أو عقوبات دولية، فحتى لو قرارات غير ملزمة، فإنها تطرح تحديات أمام إسرائيل وتؤثر على علاقات إسرائيل مع دول العالم.
لذلك، من المتوقع ألا تتعاون إسرائيل مع عمل المحكمة، ومن المحتمل أيضًا أن تدّعى أن مناقشة الموضوع ليست من صلاحياتها، ورغم أن رفض التعاون لن يدفع قدمًا بقرارات أفضل حيال إسرائيل، لكنه على الأقل يعبّر عن موقف حازم يرفض الاعتراف بشرعية الإجراءات المتخذة ضد إسرائيل، ويتيح لها مهاجمة الإجراءات والمحكمة، ومحاولة التشكيك فى نزاهتها، وتسييس مواقفها وانحيازها.
من ناحية أخرى، ربما تنشط إسرائيل، خلال الأيام المقبلة، من أجل تغيير أنماط التصويت فى الأمم المتحدة. وينطبق هذا على الدول الصديقة لها فى شتى أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا وفى أماكن أُخرى، لزيادة عدة المعارضين والممتنعين عن التصويت.
وقد تستخدم علاقاتها مع بعض الدول المستفيدة من التعاون الاستخباراتى والتكنولوجى والعسكرى ومن الابتكارات التكنولوجية، للتأثير على تصويتها كنوع من المقايضة السياسية.