المغرب ومصر «2- 2» تاريخ مشترك
أكتب المقالة الثانية فى محبة المغرب، وعلاقته التاريخية بمصر، تحية تقدير لما قام به الفريق المغربى لكرة القدم من إعادة كتابة التاريخ الكروى للعرب ولإفريقيا فى كأس العالم.
والحق أن العلاقات المغربية المصرية عميقة ومتينة على مر العصور؛ هل ننسى قافلة الحج المغربية التى كانت تأتى إلى مصر كل عام، لتنضم إلى قافلة الحج الرسمية المصرية، التى كانت تخرج من القاهرة باحتفالات خاصة، وترافقها حراسة عسكرية مشددة طول الطريق حتى الحرمين الشريفين، وكذلك فى رحلة العودة؟
وترتب على هذه القافلة تراث فكرى كبير من كتابات الرحالة المغاربة إلى بلاد المشرق، ووصفهم لها، وعلى رأس هذه البلدان تأتى مصر، والقاهرة التى استحوذت على اهتمام خاص من جانب معظم هؤلاء الرحالة، بحيث أصبحت كتب الرحالة المغاربة مصدرًا مهمًا لتاريخ مصر عبر العصور.
ومن الجدير بالملاحظة أن أغلب أضرحة المشايخ فى الإسكندرية ورشيد- هؤلاء المشايخ الذين أصبحوا مصدرًا للبركة فى وجدان سكان المدينتين، بل لا أبالغ إذا قلت فى وجدان كل المصريين- لمشايخ مغاربة. لقد تحوّل هؤلاء المشايخ إلى «أولياء الله الصالحين» تحل بركاتهم ليس فقط على زوارهم، بل وعلى مصر كلها.
ويرتبط بذلك أيضًا الوجود المغربى الثقافى فى أهم جامع وجامعة فى العالم الإسلامى «الجامع الأزهر»، حيث كان رواق المغاربة الذى يضم الأساتذة والطلاب المغاربة، من أهم أروقة العلم فى الأزهر. كما رصد العديد من الأوقاف الخيرية للإنفاق على هذا الرواق، وتشجيع الحركة العلمية فيه.
وحكى لى الصديق الدكتور أحمد جميل الشرقاوى عن إعارة والده أستاذ القانون المشهور «جميل الشرقاوى» إلى جامعة الرباط فى الخمسينيات والستينيات، وكذلك إعارة أهم أساتذة التاريخ المصريين إلى الجامعة نفسها مثل: الدكتور حسن إبراهيم حسن، وكذلك الدكتور العبادى، وبالمناسبة فإن عائلة العبادى، وهى من أشهر العائلات السكندرية، تعود إلى أصول مغربية.
وروى لى الشرقاوى قصة إنشاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مدرسة مصرية فى الرباط، لتدعم عملية التعريب فى المغرب مع استقلاله، وكان ذلك فى عهد الملك محمد الخامس. وكانت هذه المدرسة تشتمل على جميع المراحل التعليمية، وتجمع بين البنين والبنات معًا، وبين الطلبة المغاربة- وكانوا أغلبية طلابها- والطلبة المصريين من أبناء المصريين العاملين فى المغرب.
ولفت نظرى الدكتور عادل ضرغام إلى أهمية الإشارة إلى الطلاب المغاربة المبتعثين إلى الجامعات المصرية، لا سيما جامعة القاهرة، منذ الأربعينيات حيث أصبح هؤلاء من أهم رموز الثقافة فى المغرب. ونتذكر من هؤلاء عبدالكريم غلاب فى الأربعينيات، محمد برادة فى الخمسينيات، ومحمد أنقار فى الستينيات، ورشيد يحياوى فى فترة الثمانينيات.
كما أصدر الكاتب المغربى الكبير محمد مشبال كتابًا مهمًا فى هذا الشأن، ومثيرًا فى عنوانه: «الهوى المصرى فى خيال المغاربة»؛ حيث يفاجئنا مشبال بمقولته الدالة: «لا يوجد بلد أو شعب أو ثقافة استطاعت أن تتغلغل فى وجدان المغربى وتصوغ وعيه مثلما استطاعت مصر والمصريون».
ويذكرنا ذلك بمقولة الناقد والكاتب المغربى الكبير محمد برادة عن فترة دراسته فى مصر: «كان سفره (برادة) إلى القاهرة جزءًا من ذلك الحلم المتدثر بغلائل اللغة والسينما والنيل وثورة عبدالناصر وجامعة القاهرة وشخصيات الكُتاب والمغنين».