خبير زراعة المانجو أشرف الأنصارى: حصر جميع المحاصيل فى خريطة ذكية يساعد الدولة فى توجيه المياه للزراعات الاستراتيجية
قال المهندس أشرف الأنصارى، خبير زراعة المانجو، إن مصر تحتل المرتبة الخامسة عالميًا بين الدول المنتجة للمانجو، مشيرًا إلى أن حجم صادراتنا من المحصول لا يتناسب مع حجم إنتاجنا المقدر بين مليون ومليون وربع المليون طن سنويًا، حيث لا يتعدى إجمالى ما نصدره ٥٥ ألف طن فقط.
وأضاف فى حواره لـ«الدستور»، أنه يجب تصميم خريطة رقمية لجميع المحاصيل الزراعية فى مصر وأماكن زراعتها واستهلاكها من المياه، حتى يتسنى للدولة توجيه المياه لزراعة المحاصيل الاستراتيجية، وتحديد أى المحاصيل يستهلك مياهًا أكثر دون وجود مردود مالى عادل.
■ متى عرفت مصر زراعة المانجو؟
- تعتبر المانجو من المحاصيل القديمة فى مصر التى يرجع تاريخ دخولها إلى مصر إلى أكثر من ١٥٠ عامًا، حيث أدخلت إلى مصر خلال الأسرة الخديوية فى عهد محمد على وأبنائه.
كما أن هناك فضلًا كبيرًا لأحمد عرابى فى هذا الأمر، حيث نقل سلالات وأصنافًا جديدة إلى مصر بعد عودته من المنفى فى جزيرة «سيلان».
وتطورت زراعة المانجو فى مصر على مدار ١٥٠ عامًا، وأصبحت هناك أصناف سريعة الإنتاج منشأها الولايات المتحدة الأمريكية.
ويعتبر من أشهر الأصناف صنف «الكيت»، وهو صنف متأخر يبدأ حصاده من شهر ٩، ويستمر حتى شهر ديسمبر، وهذه ميزة من مميزات الصنف الذى نعتبره موسم مانجو مستقلًا بذاته.
وصنف الكيت تتم زراعته على مساحة صغيرة جدًا مما يجعله يعطى كميات كبيرة من الإنتاج، ومن الأصناف الواردة حديثًا إلى مصر فى أوائل الألفينيات الكيت والكنت التومى، بخلاف الأصناف المحلية التقليدية، المنتشرة فى مناطق الإسماعيلية والصالحية والجيزة والبحيرة مثل الزبدية والسكرى والفجر كلان والعويس المنتشر فى المناطق الساحلية فى مصر مثل رشيد وإدكو وصنف الجحراوى، وهو منتشر فى منطقة دمياط، وهذا دليل على أن مصر بها تنوع كبير فى الأصناف وتنوع فى توقيتات الحصاد.
هناك أنواع يبدأ حصادها فى شهر يوليو فى أسوان وينتهى الحصاد فى ديسمبر فى مزارع الطريق الصحراوى والسواحل الشمالية، حيث إن مصر لديها موسم غزير من المانجو ومتنوع جدًا، على مدار ٦ أشهر.
■ ما مساحة الأراضى المزروعة بالمانجو؟
- مساحة مزارع المانجو فى مصر تصل إلى ٤٠٠ ألف فدان وقد تصل إلى نصف المليون فدان، والمانجو من المحاصيل الرئيسية التى تأخذ حصة كبيرة فى التصدير ونأمل فى تطويرها وزيادتها.
فى حالة مقارنة الإنتاج الكبير جدًا للمانجو مع الصادرات نجد أن كمية الصادر بالنسبة للإنتاج قليلة جدًا. الإنتاج يتراوح بين المليون ومليون وربع المليون طن مانجو سنويًا، ومن الممكن أن يصل خلال العام الحالى لأرقام أكبر.
بلغ متوسط الصادرات من المانجو بين ٣٥ ألفًا و٥٥ ألف طن وهو رقم ضئيل مقارنة بالإنتاج والقيمة التسويقية للمنتج قليلة جدًا، لأن المانجو المصرية تباع فى أسواق الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية بأسعار منخفضة جدًا مقارنة بالأصناف الأخرى.
■ هل هناك قائمة بأبرز الدول المنافسة لمصر فى إنتاج المانجو؟
- مصر لديها عدد كبير من الدول المنافسة، أبرزها جنوب إفريقيا والبرازيل وشيلى وبيرو وباكستان والهند، لكن المانجو المصرية تمتاز بطعم ولون ورائحة مميزة جدًا عن أى نوع من الأنواع الأخرى، والدليل على ذلك فى الأنواع والأصناف الواردة الجديدة هناك فرق كبير بينها وبين المزروع خارج مصر وهى نفس الأصناف، ولكن مختلفة تمامًا فى مصر من حيث اللون والرائحة والطعم.
مصر تحتل المركز الخامس بين عمالقة زراعة المانجو، منها الهند وباكستنان وجنوب إفريقيا والبرازيل والبيرو، ومصر فى مركز متقدم جدًا فى صناعة المانجو، وتعتبر الهند أكبر دولة منتجة للمانجو حول العالم، والدول العربية من أكبر الدول التى تستورد المانجو المصرية.
■ كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على صادراتنا من المانجو؟
- العلاقات المصرية الروسية ممتازة جدًا على المستويين السياسى والاقتصادى، والقيادة المصرية الحكيمة بأسلوبها وبطريقتها فى التوازن وحبها السلام والاستقرار صنعت روابط وثقة شديدة بينها وبين كل الأطراف العالميين، فالتأثير بالنسبة للتصدير قليل جدًا، حيث إن التصدير جيد جدًا لروسيا على الرغم من الأزمة القائمة، ولا يوجد تراجع بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن أكاد أجزم أن موسم ٢٠٢٢ شهد زيادة فى كمية الصادرات المصرية لروسيا، حيث إن هناك ثقة بين المصدر والمستورد والعلاقات السياسية الجيدة.
■ وما أبرز التحديات الأخرى؟
-العقبات التى تواجه الصادرات المصرية من المانجو هى عقبات فنية من المصدر نفسه لا عقبات من الدولة، حيث إن هناك عقبات فنية فى الـ«فنش» بالعبوة فى التسويق والدعاية، حيث ينقصنا الترويج للمنتج المصرى بطريقة أفضل من الوضع الحالى.
يعتبر أيضًا أكبر التحديات التى تواجهنا أو التحديات المستجدة منذ أزمة أو وباء كورونا، ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج ١٥٠٪، حيث إن الأزمة شديدة، وأيضًا ارتفاع أسعار الشحن، بسبب وجود نسبة كبيرة من مستلزمات الإنتاج فى مصر مستوردة، ثم ارتفاع أسعار الدولار، ثم تأتى أزمة روسيا وأوكرانيا، حيث إن مصر تستورد من روسيا بعض الخامات، منها كلوريد البوتاسيوم، حيث إنه عامل أساسى يدخل فى عمليات التصنيع، ونستورد نترات الكالسيوم من أوروبا الشرقية، حيث إن تلك المواد المستوردة صنعت أزمة كبيرة جدًا على المستوى الزراعى، وأيضًا أزمة الإغلاق والفتح للصين أثناء وباء كورونا، فتعتبر الصين من موارد مستلزمات الإنتاج فى مصر.
والتحدى الثانى بخلاف ارتفاع الأسعار هو البيئة، كتحديات التغيرات المناخية، ونأمل بعد توصيات مؤتمر المناخ تكون هناك تغيرات على الزراعة فى مصر، حيث استضافت الدولة المصرية قمة مؤتمر المناخ، فهو مؤتمر ناجح جدًا على مستوى التوصيات ومستوى المناقشات وعلى مستوى الحضور، والاهتمام العالمى بمؤتمر المناخ المنعقد فى شرم الشيخ.
وهناك تحد آخر يواجه زراعة المانجو هو أن مصر دولة شبه صحراوية ما يجعل المناخ لدينا مضطربًا ومتقلبًا، فمن أشد الدول فى العالم تأثرًا بالتغيرات المناخية هى مصر، خاصة مع محصول المانجو، فهو فى الأصل «محصول استوائى»، فمصر تزرع محصول المانجو فى بيئة غير بيئته الأساسية، فهو محصول حساس جدًا، خاصة أثناء التقلبات والتغيرات المناخية، وقد شهدنا الموسم الحالى تأثيرًا فى إنتاجية صنف الكيت، وشهدنا أيضًا الموسم الماضى تأثيرًا فى الإنتاجية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وفى عام ٢٠٢٢ كان هناك انخفاض شديد فى درجات الحرارة أثر على إنتاجية صنف الكيت بالذات.
وهناك تحديات أخرى خاصة فى أسلوب التسويق والتسعير، حيث تسعير المزارع وتسويق الحاصلات الزراعية عمومًا فى مصر يواجهان مشكلة، ويجب حلها من خلال وجود بورصة للسلع، حيث إن كيلو المانجو يصل متوسط سعره من مزرعته لـ١٠ جنيهات، فيما يصل إلى المستهلك بين ٢٥ و٣٠ جنيهًا، حيث إن التعامل مع صاحب المزرعة ليس من تاجر واحد، ولكن سلسلة من التجار، حيث إن التاجر يشترى من المزارع، ثم يورد لتاجر آخر فى الوكالة، ثم لموزع يأخذ يدى وسيط، والوسيط يعطى تاجر التجزئة، وكل هذه السلسلة تضع أرباحها ومكاسبها، ولحل تلك الأزمة تفعيل بورصة حاصلات زراعية فى مصر.
■ ما المطلوب للنهوض بزراعة المانجو؟
- يجب أن تكون هناك «داتا بيز» لمساحة وأنواع المانجو فى مصر، وتوزيعة خريطة للأصناف، وهذا أمر مهم للمزارعين، بضرورة إضافة وجود إرشادات للأصناف والأماكن التى يمكن التواجد بها، حيث تحديد الأصناف، متى تكون زراعتها صالحة فى الصحراء أم فى منطقة قبلى، لذلك يجب أن تكون هناك قواعد بيانات بتوزيع الخريطة الصنفية، ويجب حصر الأنواع والأصناف والمساحات وأماكنها فى أقرب وقت وطريقة لتوزيع الأصناف.
مطلوب أيضًا ربط المناخ والطقس بالزراعة، وللأسف صدر قرار من الأرصاد «متأخرًا» يقيد ويحجم ويوقف المهندس الزراعى أو الخبير أو الأرصاد الجوية -أيًا كان تخصصه- أن يقدم معلومة للمزارع كإنذار مبكر عن التقلبات الجوية والمشاكل الجوية مثلًا «أنا النهاردة جالى إنذار إن فيه مطر جاى.. أنا كمزارع أقوم بوقف عملية الرش»، فيجب أن يكون هناك ارتباط توأمى بين الزراعة والأرصاد الجوية، حيث إن مصر لديها هيئة الأرصاد الجوية، ولكن لا يوجد القسم الزراعى بها، فيجب أن يكون داخل هيئة الأرصاد الجوية متخصصو الزراعة أو الطقس الزراعى أو الأرصاد الزراعية حتى تعطى إنذارًا مبكرًا.
وهناك مشكلة العمالة، الهجرة.. فمثلًا فى موسم معين يأتى عمال من الصعيد، وفى وقت حصاد القصب يترك المزارع، وهى المشكلة الأساسية فى العمالة عندنا أى عدم وجود علاقات بينه وبين صاحب المزرعة، بالإضافة إلى التدريب غير الكافى، لأنها تكون عمليات مؤقتة وليست عمليات ثابتة أو متخصصة.
ويجب أن تكون لدينا عمالة مدربة، وبالفعل لدينا معهد ولكن على نطاق المهندس وليس العامل، حيث إن هناك دورات يقدمها مثلًا معهد البساتين فى القاهرة فيقدم دورات ممتازة جدًا، وأما معهد المناخ، فأشكره بقيادة الدكتور محمد عبدربه، حيث يقدم دورات ممتازة جدًا فى الرى والتسميد، وكيف نواجه التغيرات المناخية عن طريق إدارة الرى والتسميد، وهناك نقابة الزراعيين فى الإسكندرية نشكرها لتقديمها دورات عن القص والتقليم، ودورات تدريبية للمهندسين الصغار.
ونحن كقطاع خاص ومنتجى مانجو ومشرفين وأصحاب خبرة نقدم أيامًا حقلية للطلبة، ولكن هذا كله مجهودات فردية وليس عملًا منظمًا، بمعنى أننا يتقدم لنا طلبة جامعة الإسكندرية، وطلبة جامعة دمنهور، وجامعة شبين الكوم جامعة المنوفية، حيث يقومون بزيارة المزارع خلال أيام حقلية فنقدم لهم الإرشاد عن كيفية التقليم والقص وتدبير عمليات زراعية، ونعلم الطالب كيف ينزل الحقل بالمعنى التنفيذى، لكنها كلها مجهودات فردية وعمل تطوعى، أو عمل يعتبر كتقديم يد المساعدة للطلبة وصغار المهندسين.
■ تعانى مصر من نقص فى الموارد المائية.. فما أبرز الحلول المقترحة للحفاظ على إنتاجنا من المحاصيل ومضاعفته رغم محدودية الموارد؟
- نحن كخبراء زراعة طالبنا كثيرًا بترشيد المياه من خلال تطوير وسائل الرى، وبالفعل تم ذلك من خلال مشروع تبطين الترع والرى بالرش، وتطوير الرى بالفعل والتحول من الرى بالغمر إلى الرى الحديث بالتنقيط، والرى الحديث الدولة تدعمه وتعطى من أجله قروضًا بدون فوائد، والدولة ملزمة للفلاحين خصوصًا، وهو بدء المرحلة الأولى فى البساتين فى المزارع القديمة، والبساتين كلها تتحول للرى الحديث وهى فكرة تأخرت خمسين سنة.
لو تحدثنا عن الحفاظ على المياه يجب أن أرجع للنقطة الأساسية التى تم ذكرها، فهى القضية الأساسية وهى الحصر، فيجب حصر كل المحاصيل من خلال خريطة توضيحية لكل المحاصيل والكمية والنوع، حيث إن ذلك سوف يكون له عائد اقتصادى كبير، وفى حالة استغلال المياه جيدًا يجب أن أبيع المحصول بشكل جيد، وفى تلك الحالة يكون هناك عائد لقيمة المورد المائى الذى نستغله، والحصر سوف يوضح لنا ماذا نزرع، والحصر سيوضح إذا كان المحصول سيهدر مياهًا أم لا، وأيضًا يجب أن أمنع زراعة الموز الصحراوية، حيث نحن نحتاج مياهًا كثيرة، والموز الصحراوى يستهلك كميات كبيرة من المياه.
أيضًا يجب تعميم فكرة إعادة تدوير مياه الرى، حيث يمكن أن نستخدم مياه الرى أكثر من مرة بدل إهدارها فى الصرف وأعماق التربة، وذلك من خلال الزراعة المغطاة أو المحمية، حيث إنها تقلل استهلاك المياه على الأقل ٤٠٪ من الزراعة المكشوفة.
المحصول يكون عبارة عن كمية مياه نصدرها، وكمية المياه يجب أن آخذ حقها مثل محصول البرتقال المصرى، ومشاكل التصدير أنه لا يصدر بالقيمة الحقيقية له، ويتم بيعه بعشرة أضعاف ثمنه فى مصر، حيث إنه يصل للمستورد مثلًا بستة دولارات، والمزارع المصرى الذى تعب طول العام «وبيرش وبيسمد وبيصرف بيبيعه بأربعة جنيهات فقط من المزرعة»، وفى هذه الحالة يكون ذلك إهدارًا للمياه وللموارد، وندعم طرفًا غير منتج، وهو التاجر، وندعم اقتصاديات الخارج وهو المستهلك الخارجى سلعة بسعر.
■ بصفتك خبيرًا زراعيًا ما أبرز النصائح التى تقدمها لمنتجى ومصدرى المانجو؟
- أولًا يجب أن نطور الزراعة فى مصر، حيث إننا نحتاج قواعد بيانات، ونحتاج خريطة محصولية لكل المحاصيل خاصة البساتين، مثل البرتقال والمانجو والعنب والموالح، لذلك نجب وضع خريطة محصولية، ولا بد أن يصدر قانون وقرار ملزم ألا تزرع بساتين إلا بتصريح، أن يكون هناك حصر، وحتى يكون هناك حصر يجب ألا نتوسع فى البساتين أكثر من اللازم، حتى لا نهدر قيمة المنتج، إضافة إلى أنه يجب أن نرفع قيمة المحاصيل الحقلية مثل القمح والقطن والذرة.
ويجب أن نشجع وندعم المزارعين، ونتوسع فى زراعة فول الصويا، ونوقف ونمنع تصدير البرسيم الحجازى والأعلاف والخضروات نهائيًا، خاصة البرسيم الحجازى، حيث إنه محصول يستهلك كمية كبيرة من المياه، ويتم التصدير بأسعار رخيصة جدًا، وبذلك ندعم الإنتاج الحيوانى فى الدول الأخرى.
كما أن المانجو يجب ألا تصدر بالصورة التى تصدر بها حاليًا، ويجب أن يكون هناك تطوير فى التصنيع الزراعى وإعطاء قيمة مضافة للمنتج المصرى، وعلينا عدم تصدير المنتج خامًا، حيث إنه إذا تم التصدير بشكل خام يؤخذ بسعر قليل والآخر يأخذه ويطوره ويعطى له قيمة مضافة حتى فى الحد الأدنى، والتغليف والتعبئة فيربح أفضل من المنتج الأساسى.
كما يجب الاهتمام بالقيمة المضافة، وأن تكون لدينا وسائل نقل مصرية للخارج من طيران ولوجستيات مهمة طيران، وخطوط ملاحية، ويجب أن نفتح أسواقًا مع إفريقيا، ومع دول شرق أوروبا، وخاصة دول إفريقيا مهمة جدًا، ونحن لا يوجد لدينا تواصل جيد لعدم وجود مكاتب للتمثيل التجارى.