رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رموز وجنائز.. البنا بين سعد والريحانى ! (٣)

شهد النصف الأول من القرن العشرين مراسم تشيع "جنائز" شخصيات مهمة أثرت في التاريخ المصري، بقيت سيرتهم إلى اليوم بما أسهموا وأعطوا لهذا الوطن في هذه المرحلة التى تعد الأهم في تاريخ النضال الوطنى ضد الوجود الأجنبي والاحتلال، ويذكر التاريخ أن الشعب المصري رفض ولفظ كل من تقرب من المحتل، وسيذكر التاريخ أن أول حادث اغتيال سياسي في عصرنا الحديث كان لمن اتهم بالعمالة للمحتل، وأن ثاني حادث مشابه كان لوزير اتهم أيضًا بمحاباة الإنجليز ووصف علاقتهم بمصر كالزواج الكاثوليكى .
وكما سيذكر التاريخ أن جماعة الإخوان المسلمين هى أول من قامت بقتل المصريين من أجل أهداف ومطامع سياسية خاصة بها وبتوجيه من مؤسسها الإرهابي حسن البنا الذي شيع جنازته 7 سيدات ورجلان فقط هما والده ومكرم عبيد باشا.
وتذكر صفحات تلك الفترة إن أضخم جنازتين شهدهما النصف الأول من القرن العشرين هما لزعيم الأمة سعد باشا زغلول والفنان المصري الوطنى نجيب الريحاني، بما يمكن وصف جنازتيهما بأول مليونيات شعبية تشهدها شوارع المحروسة، وتم تسجيلهما بكاميرات سينمائية.
ففي يوم 23 أغسطس عام 1927 رحل زعيم الأمة سعد زغلول، ولم تكن مكانة سعد باشا عند عموم المصريين بصفته رئيسًا للوزراء، ولا زعيمًا لحزب الوفد، ولا حتى قائدًا لثورة 19، وإنما كانت مكانته في قلوب ملايين المصريين كالأب الروحى الذي خرج من أجله الفلاحين ليوقعوا له على توكيل بتبنى قضيتهم، هذا ما قاله أديب مصر العالمي نجيب محفوظ الذي شارك في الجنازة وقت ما كان شابًا صغيرًا.
لذا كانت مشاهد وداعه مهيبة، وصفها محفوظ بأنها الأضخم في تاريخ مصر وقتها، «طبعًا باستثناء جنازة الزعيم جمال عبدالناصر التى امتدت الى كل ربوع مصر في القاهرة والمحافظات وفي المدن والقرى، وتكرر ذلك بطريقة عفوية في معظم ربوع الوطن العربي تقريبًا» ويذكر محفوظ بأنه خرج في الصباح مع مجموعة من أصدقائه ينتظرون تحرك موكب جنازة سعد باشا من ميدان الأوبرا، ليكمل المسيرة حتى دفن بمقابر الإمام الشافعي، وذلك قبل نقل رفاته منها بعد نحو عام إلى ضريحه المقابل لبيت الأمة . 
أما جنازة الفنان الكبير نجيب الريحانى فقد وصفت بأنها ثاني أضخم جنازة في تاريخ مصر بعد جنازة الزعيم سعد زغلول، وبدأت مراسمها من كنيسة السريان الكاثوليك بشارع الظاهر بالعباسية، ثم انتقل الجثمان إلى محطة كوبرى الليمون أو ميدان رمسيس الحالي، حيث أقيم سرادق العزاء، وسارت الجنازة حتى ميدان الأوبرا، ثم نقل الجثمان الى سيارة ملكية مذهبة أرسلها الملك فاروق خصيصًا لتقل جثمان الريحاني إلى مقابر السريان الكاثوليك أو الروم الكاثوليك القريبة من محطة مترو أنفاق الملك الصالح حاليًا.
واتخذت جنازة الريحاني شكلًا رسميًا وشعبيًا، فقد خرج فيها كل سكان القاهرة تقريبًا بما يمثل الجانب الشعبي منها، بينما أشرفت الدولة والديوان الملكي على الجانب الرسمى منها، فقامت بتنظيم المجموعات الممثلة للفئات التى شاركت فيها من وزراء وبرلمانيين وسياسيين وطلبة وفنانون وسفراء أجانب، وتم تصوير الجنازة بأمر من الملك على شريط سينما مدته 18 دقيقية .
الغريب أن زوجته السابقة الفنانة بديعة مصابنى التى كانت على خلاف مع الريحاني قبل وفاته كانت تبكى بحرقة وتقدمت المشيعين وأصرت على حمل الصندوق الخشبي الذي يقل الجثمان  كالرجال، كما حمل الجثمان  كل من أنور وجدى ويوسف وهبى وشقيقه يوسف الريحانى، وهى دى مصر التى لا تنسى أبناءها المخلصين.. وللحديث بقية.