خبراء: قمة واشنطن تبحث مواجهة الحروب والأزمة الغذائية العالمية
شدد خبراء وسياسيون على أهمية القمة الإفريقية الأمريكية، المقرر انطلاقها فى واشنطن اليوم، خاصة لما تعكسه من حرص للإدارة الأمريكية على إيجاد وخلق مجالات للتعاون مع إفريقيا، ودورها فى منح القارة حضورًا كبيرًا وموقعًا متميزًا على المستوى العالمى، الذى يشهد تغيرات كبيرة منذ الحرب الروسية الأوكرانية.
ورأى الخبراء والسياسيون، فى تصريحات لـ«الدستور»، أن توقيت عقد القمة هام جدًا، وتأتى استنادًا إلى الاستراتيجية الأمريكية المعلنة منذ أشهر، وتركز بشكل كبير على إفريقيا.
وليد فارس: تؤكد أن مصر شريك وحليف ثابت فى مواجهة الإرهاب
قال وليد فارس، الخبير السياسى الأمريكى، إن إفريقيا تحتل موقعًا مهمًا واستراتيجيًا بفضل موقعها الوسيط بين الشرق والغرب، وهناك علاقات تاريخية لها مع الولايات المتحدة، لكنها بحاجة أيضًا إلى علاقات مع الصين وروسيا.
وأضاف «فارس»: «القيادات الإفريقية عازمة على التشاور حول استمرار لعب دور إما حيادى أو وسطى فى العلاقات والمواجهات الدولية، خاصة منذ الحرب الروسية الأوكرانية، لأنه بات هناك تغيير فى العلاقات الدولية، مع استمرار شل قدرة مجلس الأمن على اتخاذ القرارات العالمية بسبب تبادل الفيتو».
ورأى أن من الملفات التى ستتم مناقشتها فى القمة الإفريقية الأمريكية، الاقتصاد والأمن، ووضع حد للحروب والمواجهات من ليبيا إلى إثيوبيا، ودول أخرى بطول وعرض القارة، فضلًا عن ملفات هامة أخرى، مثل الاحتباس الحرارى والصحة.
واعتبر أن واشنطن لها اهتمامات كبيرة بإفريقيا، وقدمت جهدًا واستثمارات كبيرة منذ الحرب الباردة، لمنع دخول دول القارة تحت سيطرة النفوذ السوفيتى، مع تقديم مساعدات لها من أجل الوصول بها إلى حالة اقتصادية مقبولة، خاصة مع امتلاك القارة ممرات هامة جدًا للاقتصاد العالمى، بما فيها قناة السويس وباب المندب وجنوب إفريقيا.
وواصل: «الإدارة الأمريكية تبذل جهودًا لإقامة التحالفات والعمل المشترك مع الدول الإفريقية وخاصة مصر، وانعقاد هذه القمة فى حد ذاته نتيجة مهمة، وسيعطى إفريقيا حضورًا كبيرًا وموقعًا متميزًا فى العالم».
وتوقع أن تعيد القمة موقع مصر للولايات المتحدة، لأن مصر لا بديل عنها، وشريك وحليف ثابت فى مواجهة الإرهاب ودعم الاستقرار فى المنطقة.
وشدد على أن التعاون فى ملف الطاقة مهم جدًا، لأن إفريقيا مساحة جغرافية اقتصادية هامة فى هذا الملف، وهناك العديد من دولها منتج للنفط أو الغاز.
عبدالقادر بريش: الأولوية لملفات الاقتصاد والتجارة والسلم والأمن
أشار عبدالقادر بريش، عضو البرلمان الجزائرى، إلى أن أبرز الملفات التى سيتم بحثها خلال القمة، المسائل الاقتصادية والتجارية، والشراكة الاستراتيجية فى المجالات الاقتصادية، بالإضافة إلى مسائل السلم والأمن فى القارة السمراء.
وأضاف «بريش»: «بالنظر إلى التواجد الصينى اللافت فى القارة الإفريقية، واستحواذها على حصة معتبرة من السوق الإفريقية، سواء فى الجانب التجارى أو الاستثمارات، والتنافس الأمريكى الصينى بصفة عامة، أعتقد أن المسائل الاقتصادية ستطغى على جدول أعمال القمة، ومن خلالها ستعمل الولايات المتحدة على إغراء القادة الأفارقة بالشراكة الاقتصادية، وبالتالى تعويض تأخرها تجاه القارة السمراء».
واعتبر عضو البرلمان الجزائرى أن عقد القمة فى هذا التوقيت هو محاولة من الولايات المتحدة لاستدراك تأخرها عن الاهتمام بالقارة السمراء، مضيفًا: «ستحاول الولايات المتحدة فرض أجندتها على القارة الإفريقية، فى إطار محاولاتها لفرض منطق الاصطفاف الغربى ضد روسيا».
وواصل: «أعتقد أن هذا المنطق لا يخدم إفريقيا، فالذى يجب أن يدافع عنه القادة الأفارقة، هو كيف يمكن بناء شراكة حقيقية تعود بالنفع على إفريقيا فى تحسين المستوى المعيشى للشعوب الإفريقية، ومواجهة تحديات التغيرات المناخية، ومواجهة المشاكل المرتبطة بالأمن الغذائى والأمن المائى والأمن الصحى وأمن الطاقة، فهذه هى المسائل الجوهرية التى يجب أن تكون على طاولة وأجندة النقاش فى القمة الأمريكية الإفريقية».
وأكمل: «يبدو لى أن إفريقيا أصبحت مثل الحسناء، الكل يود قربها دون تقديم المهر المناسب، صحيح أن المستقبل لنا، نظرًا للموارد التى تزخر بها إفريقيا، لكن يجب على شركاء إفريقيا احترام سيادتها وأولوياتها وخياراتها».
طارق فهمى: عودة الروح للعلاقات بين الطرفين ومحاولة لاحتواء النفوذ الصينى
أوضح الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة القاهرة، أن الاستضافة الأمريكية لهذه القمة تؤكد حرص إدارة جو بايدن على إيجاد وخلق مجالات للتعاون مع إفريقيا، وتعكس وجود ملفات دولية مشتركة وذات اهتمام وأولوية، خاصة بعد تعرض العلاقات الإفريقية الأمريكية لـ«هزة كبرى» بسبب دخول الدول الكبرى الأخرى على الخط مثل الصين وروسيا.
ورأى «فهمى» أن الهدف الأساسى من القمة هو تقديم دور الحكومات الإفريقية ومنظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص فى إفريقيا، وعرض مختلف وجهات النظر.
وأضاف أن هناك مساعدات ستقدمها واشنطن لإفريقيا، خاصة فى مشروعات الموانئ والسكك الحديدية، وستكون القمة بمثابة عودة الروح للعلاقات الأمريكية الإفريقية، وتكوين شراكات فى الاقتصاد الرقمى والتكنولوجيا، وضمان أمن الطاقة، ومعالجة الأزمات وإيجاد حلول لقضية الديمقراطية، واحتواء دور الصين المتزايد.
إسماعيل خلف الله: تحقيق الاستقرار القارى والسلام ومواجهة الحركات المسلحة
شدد المحلل السياسى الجزائرى، إسماعيل خلف الله، على أن القمة الإفريقية الأمريكية تأتى فى ظل أزمة حادة تعيشها دول العالم، مشيرًا إلى أن ملف مكافحة الإرهاب سيكون على رأس الأولويات، وسيجرى طرح كيفية إيجاد الحلول وإحلال الأمن والسلام وتحقيق الاستقرار على مستوى القارة، خاصة فيما يتعلق بمنطقة الساحل وما تشهده من نشاط قوى للحركات المسلحة.
وأوضح أن ملف الإرهاب يؤثر سلبًا على مشاريع التنمية والاستقرار، خاصة أن عدم الاستقرار الأمنى يحول دون إقامة أى مشاريع تنموية، حتى لو رغبت الحكومات فى ذلك.
ولفت «خلف الله» إلى أن القمة ستناقش أيضًا ملف التعاون الأمريكى الإفريقى لمواجهة التمدد الروسى الصينى فى القارة.
وأضاف: «نعلم أن تمددًا ناعمًا يلاحظ حاليًا بقوة فى داخل القارة الإفريقية، ويلاحظ الجميع أن هناك تواجدًا قويًا لشراكة روسية وأخرى صينية».
البشير دهب: تواجه أزمة ثقة.. ومخرجاتها تحتاج لإرادة جادة وآليات تنفيذ
قال الإعلامى السودانى البشير دهب إن القمة الإفريقية الأمريكية ستركز على مناقشة ملفات رئيسة مهمة للجانبين، وعلى رأسها ملفات الطاقة والأمن الغذائى والاقتصاد والسلام والديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان والأمن الصحى الإقليمى والدولى، إلى جانب عدد من الملفات الأخرى.
وأوضح أن توقيت انعقاد القمة يأتى فى ظل صراع بين القوى العظمى، وتراجع النفوذ الأمريكى فى المنطقة، مع صعود صينى وروسى، كما أن الولايات المتحدة تواجه ظروفًا اقتصادية استثنائية، فيما يخص أمن الطاقة وتأمين المواد الخام، وأيضًا تأمين مصالحها فى القارة، فى ظل التوترات الأمنية التى شهدتها إفريقيا فى السنوات الأخيرة، وكذلك تداعيات جائحة كوفيد- ١٩.
وأشار إلى أن كل هذه المعطيات دفعت الإدارة الأمريكية للاهتمام بالملف الإفريقى فى هذا التوقيت، الذى يأتى فى إطار الاستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا، والتى تعد مصالح واشنطن الحيوية والاستراتيجية بإفريقيا جوهرها، كما أنها تهدف للحفاظ على هذه المصالح مهما استجد من أمور، خاصة فيما يتعلق بالفاعلين الجدد الذين أصبحوا يكتسبون نفوذًا كبيرًا، خاصة فى الملف الاقتصادى.
وأضاف: «لا يمكن النظر لتوقيت انعقاد القمة بمعزل عن المعطيات الدولية والمخاوف الأمريكية والمنافسة بينها وبين الصين وروسيا، أو بمعزل عن البيت الإفريقى ذاته وما يواجهه من تحديات اقتصادية مثل أزمة الغذاء، واجتماعية مثل الصراعات والحروب والبطالة، وسياسية مثل عدم الاستقرار السياسى، وصحية أيضًا بعد أزمة كورونا».
ولفت إلى أن ما يمكن أن تتوصل إليه القمة يتوقف على مدى جدية الإدارة الأمريكية، مشيرًا إلى أنه، وبعد القمة الأخيرة فى العام ٢٠١٤، تقلصت الثقة لدى القادة الأفارقة تجاه النوايا الأمريكية، لأن مخرجات القمة السابقة لم يرافقها عمل أمريكى حقيقى وجاد على الأرض.
واستطرد: «إذا غيرت الولايات المتحدة من نظرتها تجاه إفريقيا، وتعاملت بجدية ونوايا حسنة على أساس تبادل المصالح المشتركة، فهذا سيرفع مستوى الثقة لدى القادة الأفارقة، ويطور من آليات العمل، ويمكن أن تفضى القمة إلى شراكات اقتصادية وأمنية كبيرة، وتفاهمات مستقبلية، وخطة عمل مشتركة فى ملفات الطاقة والأمن الغذائى، والتنمية، والاقتصاد، وحقوق الإنسان والسلام وغيرها».
وأردف: «لتنفيذ مخرجات القمة فإنها تحتاج لاستراتيجية عمل، وآليات واضحة لبناء الثقة، وإرادة جادة، خصوصًا من الطرف الأمريكى».
نسرين الصباحى: تشمل مبادرات جديدة لزيادة مشاركة الولايات المتحدة مع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية
أكدت نسرين الصباحى، الباحثة بوحدة الدراسات الإفريقية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن أجندة القمة ستركز على مناقشة مجموعة من القضايا والتحديات العالمية وأهمها تعزيز الشراكات الاقتصادية الجديدة وتعزيز السلام والأمن والحكم الرشيد وتعزيز الالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدنى، والعمل بشكل تعاونى لتعزيز الأمن الصحى الإقليمى والعالمى، وتعزيز الأمن الغذائى.
وأوضحت أن القمة ستشمل أيضًا مبادرات جديدة لزيادة مشاركة الولايات المتحدة مع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، بالإضافة إلى مبادرات لتعزيز تعافى القارة من جائحة «كوفيد- ١٩»، وتشجيع الاستثمار فى مشاريع البنية التحتية والصحة والطاقة المتجددة.
وأضافت: القمة ستعبر عن التزام الولايات المتحدة تجاه القارة الإفريقية والرغبة فى تعزيز التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة والاستراتيجيات المختلفة التى يمكن أن تتبناها الولايات المتحدة لتعزيز التجارة والاستثمار فى إفريقيا، فضلًا عن تعزيز القيم المشتركة بشأن قضايا الأمن الغذائى وظاهرة التغير المناخى والصحة العالمية والبنية التحتية.
وتابعت أن انعقاد القمة يأتى بعد أشهر فقط من إعلان وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكين» عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بشأن إفريقيا، كما تنعقد وسط تحديات متعددة ومتشابكة تواجه القارة الإفريقية، فى مقدمتها ظاهرة الإرهاب الممتدة فى أنحاء البلدان الإفريقية من قبل الجماعات الإرهابية، وانعدام الأمن الغذائى والتداعيات السلبية لظاهرة التغير المناخى، فضلًا عن موجة وعدوى الانقلابات العسكرية وتعثّر المرحلة الانتقالية التى اجتاحت عددًا كبيرًا من دول غرب إفريقيا، وتفاقم الصراعات الداخلية والنزاعات المسلحة النشطة فى دول القارة مثل الصومال وجنوب السودان ومالى وموزمبيق وإفريقيا الوسطى ونيجيريا وغيرها، بالإضافة إلى تصاعد أهمية القارة الإفريقية على الساحة الدولية، والتنافس الدولى على استقطاب دول القارة الإفريقية لصفهم.