دعم مشروط.. كيف ستتعامل واشنطن مع حكومة نتنياهو اليمينية؟
رئيس الوزراء المُكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يلعب وحيدًا فى ملعب فارغ، فمنذ انتصاره فى الانتخابات الأخيرة يحاول أن يناور على كل الأصعدة، فى معركة كبرى، لتشكيل الائتلاف الحكومى ومقايضة الشركاء بالحقائب الوزارية.
وتوازى تلك المعركة معركة أخرى، تدور من خلف الستار مع الولايات المتحدة، إذ يحاول نتنياهو أن يدفع فى الوقت نفسه نحو التهدئة مع الولايات المتحدة وإرسال «تطمينات» لها بأن الحكومة اليمينية الجديدة فى إسرائيل لن تخرج عن السياق السياسى الذى تريده إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، التى تتحفظ على نهج بعض شركائه، كما لا تنسى له علاقته الوثيقة بالرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
ترحيب أمريكى مبدئى مع تحفظات على سموتريتش وبن غفير.. و«بلينكن»: «نواصل دعم حل الدولتين»
عقب الفوز بالانتخابات، أجرى الرئيس الأمريكى، جو بايدن، اتصالًا هاتفيًا لتهنئة بنيامين نتنياهو بفوزه، وجاء فى بيان البيت الأبيض حول المكالمة، أن بايدن «أعاد التأكيد على قوة الشراكة الثنائية، وشدد على دعمه الثابت لأمن إسرائيل»، وأن الولايات المتحدة تتطلع إلى «مواصلة العمل مع الحكومة الإسرائيلية على مصالحنا وقيمنا المشتركة».
كما كتب السفير الأمريكى لدى إسرائيل توم نايدس، فى تغريدة له على موقع «تويتر»: «مكالمة هاتفية دافئة، حديث رائع.. علاقات غير قابلة للكسر».
فيما صرح وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، فى كلمته بالمؤتمر السنوى لمنظمة «جى ستريت» فى واشنطن، بأن إدارة بايدن ستحكم على الحكومة الإسرائيلية المتشددة المقبلة على أساس السياسات التى تنفذها، وليس الأفراد.
وقال بلينكن: «سنقيس الحكومة من خلال السياسات والإجراءات، وليست الشخصيات الفردية. سنلتزم بالمعايير التى وضعناها فى علاقتنا على مدى العقود العديدة الماضية. وسنتحدث بصدق واحترام مع أصدقائنا الإسرائيليين كما ينبغى دائمًا للشركاء أن يفعلوا».
ورحب بالتزام نتنياهو بقيادة حكومة ستعمل- على حد تعبيره- لـ«صالح جميع السكان فى دولة إسرائيل دون استثناء»، مضيفًا: «سنواصل الإعراب عن دعمنا المبادئ الديمقراطية الأساسية، بما فى ذلك احترام حقوق مجتمع الميم وإدارة العدالة على قدم المساواة لجميع مواطنى إسرائيل».
وجدد معارضة الإدارة لـ«إجراءات أحادية الجانب من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية»، قائلًا: «سنواصل أيضًا معارضة صريحة لأى أعمال تقوض آفاق حل الدولتين، بما فى ذلك على سبيل المثال، التوسع الاستيطانى، والتحركات نحو ضم الضفة الغربية، وتشويش الوضع التاريخى الراهن للأماكن المقدسة، وهدم المنازل، والإخلاء والتحريض على العنف».
وبعدها كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلى عن لقاء مطول جمع السفير الأمريكى فى إسرائيل توم نايدس، برئيس الوزراء المكلف، ونقلت عن «نايدس» قوله: «قضيت ساعات طويلة مع رئيس الوزراء المكلف نتنياهو، وأنا متأكد من أنه سيفعل ما هو ضرورى حتى لا تتفاقم الأمور إلى أزمة مع الفلسطينيين».
وتابع: «سنعمل مع هذه الحكومة ونتأكد من بقاء الأمور هادئة، وسنتأكد من أن الفلسطينيين يمكنهم العيش بسلام».
وجاءت التصريحات الأمريكية وسط تكهنات بأن مسئولى إدارة بايدن لن يتعاملوا مع بعض أعضاء اليمين المتطرف فى الحكومة الإسرائيلية المرتقبة، مثل رئيس حزب «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتش، المقرر أن يكون وزيرًا للمالية فى الحكومة الجديدة، ورئيس «القوة اليهودية» إيتمار بن غفير، المتوقع أن يصبح وزيرًا للأمن.
اهتمام إسرائيلى بترميم العلاقات مع الديمقراطيين بعد الجفاء مع أوباما
العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة أقوى بكثير من العلاقات الشخصية بين الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الإسرائيلى، لكن مع ذلك فإن الديمقراطيين لا ينسون لنتنياهو صداقته العميقة مع الرئيس الجمهورى السابق دونالد ترامب، والنهج الاستفزازى الذى اتخذه تجاه الإدارة الديمقراطية السابقة برئاسة أوباما.
وبالتالى سيكون من مهام الحكومة المقبلة، ووزير الدفاع الإسرائيلى الجديد على وجه التحديد، أن يحاول خلق علاقات طيبة مع الإدارة الديمقراطية، وهو ما يقف خلف منع نتنياهو إسناد حقيبة الدفاع إلى سموتريتش أو بن غفير. وكان الموقف الأمريكى واضحًا منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية، إذ عقب الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية بلغة غير دبلوماسية على مشاركة إيتمار بن غفير فى ذكرى الحاخام المتطرف مائير كهانا بقوله: «الاحتفال بإرث منظمة إرهابية هو أمر مقزز».
ورغم ذلك، لا يمكن اعتبار الحزب الديمقراطى معاديًا لإسرائيل، لأن الأغلبية الساحقة فى الحزب وقياداته لا تزال تحافظ على ولائها الشديد لإسرائيل، كما أن انتخابات التجديد النصفى فى الولايات المتحدة، وعلى عكس التوقعات، لن تشل إدارة بايدن بالكامل خلال العامين المقبلين.
فى المقابل، فإن نتنياهو، الذى تمكن فى الماضى من أن يناور بين الديمقراطيين والجمهوريين وأن يحظى بنجاحات مذهلة، سيكون مطالبًا بأن يجد ورقة لعب أخرى مع واشنطن، لأن مجال الصدام الذى ستقع فيه المواجهات سيكون مرتبطًا أغلب الظن بنية حكومة اليمين فى استئناف البناء فى شمال الضفة، مع إضفاء الشرعية على بعض البؤر الاستيطانية، وربما تغيير الوضع الراهن فى القدس، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة فتحت تحقيقًا فى قضية مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة.
خلافات متوقعة حول الملف الإيرانى ووضع القدس والمستوطنات والضفة.. وترجيحات بتأجيل الصدام لـ٢٠٢٤
التصريحات الدبلوماسية الأمريكية، تعكس بوضوح رغبة الولايات المتحدة فى الدفع قُدمًا بالعلاقات مع إسرائيل، رغم التحفظات، مما يعنى أن واشنطن ستتعامل بهدوء مع الحكومة المرتقبة، ولكن بعيون مفتوحة، إذ ستتعالى الانتقادت والاتهامات فى حال تجاوز الحكومة الخطوط الحمراء فى الملفات غير المتفق عليها.
ويعد الملف النووى الإيرانى إحدى ساحات المواجهة المرتقبة بين نتنياهو وحكومته الجديدة والإدارة الأمريكية فى واشنطن، ولكن فى ضوء التطورات الحالية، لا يبدو أنه سيكون هناك خلاف كبير فى المستقبل القريب حول هذا الأمر، بعد فشل وتعثر المفاوضات لإحياء الاتفاق النووى الإيرانى، الذى يقضى برفع العقوبات مقابل قيود على البرنامج.
فى الوقت ذاته، فإن إدارة بايدن أصبحت تعلن عن مجموعة جديدة من العقوبات ضد المسئولين والشركات الإيرانية كل أسبوع تقريبًا، وهو ما يراه نتنياهو جيدًا، ويتفق مع موقفه الشخصى. ومن بين الملفات المهمة المتوقع أن تتصادم فيها الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو ملف القدس، فمن المتوقع أن يشكل إيتمار بن غفير، رئيس حزب «القوة اليهودية»، عقبة فى سبيل التفاهم بشأن هذا الملف، بعد إعلاناته المتكررة عن توسيع الصلوات اليهودية فى الحرم، وإن كان من الملاحظ أنه توقف عن هذه التصريحات فى الفترة الأخيرة، مما يرجح نجاح نتنياهو فى الضغط عليه. وإن كانت إدارة بايدن قد اعتادت التعامل مع وزير الأمن الداخلى المنتهية ولايته عومر بارليف لمتابعة تطورات الوضع فى القدس، إلا أنه من غير المرجح أن تتعامل الإدارة مع خليفته المحتمل بن غفير، كما أن موقف الجمهوريين منه ليس واضحًا أيضًا. وسيكون وضع المستوطنات كذلك إحدى القضايا الخلافية الواضحة بين واشنطن ونتنياهو، الذى سيكون عليه أن يتحدى الضغط عليه من حكومته للقيام بخطوات فى ملف المستوطنات، مثل منع هدم المستوطنات، مع بناء مستوطنات جديدة، وتقنين أوضاع المستوطنات القائمة بالفعل، لتفادى إغضاب الولايات المتحدة، ومن غير الواضح كيف سيتعامل نتنياهو مع هذا الأمر. ويعد ملف ضم أراضٍ فى الضفة الغربية أحد الملفات الشائكة أيضًا، خاصة بعدما حذر السفير الأمريكى فى إسرائيل من أن واشنطن «ستحارب أى محاولة لضم أراضى الضفة»، وإن كان من غير المتوقع أن يتسبب هذا الملف فى صدام، لأن نتنياهو منع، فى السابق، ضم أراضٍ فى اللحظة الأخيرة، فى وقت كان يصرح فيه بتصريحات شديدة اللهجة تجاه هذا الأمر. كما أنه من المرجح أن يلتزم نتنياهو بتأجيل خطوة الضم حتى عام ٢٠٢٤، موعد الانتخابات الأمريكية الجديدة، بالإضافة إلى أنه من المستبعد أن يخاطر كذلك بتعريض اتفاقات تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية للخطر.