إنجلترا والإضرابات.. وسقوط الأقنعة!
(١)
ماذا بينك وبين الله يا مصر حتى يفضح الله بهذه السرعة كل من أراد كسرك؟!
فلم تمض سوى أيام قليلة على فشل مخطط إحراج مصر وإفساد عرسها الدولى فى مؤتمر المناخ حتى تفاجئنا وسائل الإعلام بهذه الأخبار وهذه التصريحات من قادة دولة تورطوا فى ذلك المخطط..
بالأمس القريب اعتبرت قيادات دولية مسئولة أن من حقها الضغط على دولة أخرى– مصر– والتدخل فى شئونها القضائية لإرغامها على الإفراج عن مواطن مصرى مدان جنائيًا بالتحريض على قتل قضاة وضباط وأسرهم!
لقد هرولوا إلى مصر لا لكى يقدموا نصيبهم العادل لمحاولة إنقاذ الأرض من أخطار التغيرات المناخية إنما ليملوا على الدولة المصرية ما يصب فى صالح استكمال مخطط الشر المسمى كذبًا الربيع العربى!
وتشاء الأقدار فى غضون أيام قليلة أن تنطق نفس تلك القيادات بتصريحات وتهديدات عنيفة ضد مواطنيها الذين يستخدمون حقهم فى الإضراب العمالى!
فى تصريحات رئيس وزراء بريطانيا يتحدث صراحة عن استخدام قوة الشرطة لفض اعتصامات العمال!
تلك الاعتصامات التى لم تتورط– بعد– فى جرائم عنف أو حرق منشآت أو حمل سلاح أو تهديد بالاعتداء المسلح على رجال الدولة من جيش وشرطة وقضاة!
إنهم يعرفون تمامًا أن مصر كانت تحمى نفسها ومواطنيها وتحمى أمنها الداخلى والقومى وتذود عن حدودها!
لقد كان الرئيس السيسى يعلم ما يقول تمامًا حين كشف اللعبة وأزاح الستار عن أهل الشر الذين جعلوا من مصطلح حقوق الإنسان مطية توهموا أنها مازالت صالحة للامتطاء للخوض والعبث بها فى بنيان الدول والتحكم فى قراراتها ومصائر شعوبها!
إن الذى بين مصر وبين الله أنها داعية سلام وتعاون ومعايشة ولا تريد أكثر من حقها فى الحياة، فأنصفها الله وفضح لها على رءوس الأشهاد كل من كاد لها، أشخاصًا كانوا أو مؤسسات إعلامية أو حكومات دول!
(٢)
يقول الخبر الثانى أن الحكومة– الإنجليزية– تدرس استدعاء الجيش لكى تستطيع مواجهة تداعيات الإضرابات فى القطاعات الخدمية الصحية ووسائل النقل و....!
خبر كهذا لا ينبغى أن يمر هكذا فى مصر! فكم من الأحجار ألقيت على قواتنا المسلحة فى العقد الأخير لأنها قامت بواجباتها الوطنية الدستورية حين أوفت باحتياجات المصريين فى فترة ميوعة المؤسسات الأخرى للدولة، وحين أراد البعض الإثراء على جسد مصر والمصريين!
كم واجهنا– ونواجه- عبارات الاتهام للمؤسسة العسكرية الوطنية، وارتكنت كل الاتهامات على استنكار قوة واستقلالية اقتصاد المؤسسة، وكأن ذلك بدعة ابتدعها الجيش المصرى!
فإن لم تكن للجيوش المعاصرة قوتها الاقتصادية، فمن أين للجيش الإنجليزى حين يتم استدعاؤه الآن بالموارد التى سيفى من خلالها بما سيطلب منه؟!
لقد سئلنا كثيرًا فى السنوات التى أعقبت ثورة يونيو من بعض الزائرين عن سبب تداخل الجيش المصرى فى تفاصيل الحياة الاقتصادية المصرية.. وكل منا أجاب بما يمليه عليه ضميره الوطنى وحقائق الأمور..
أخبرناهم بأن ما تقوم به القوات المسلحة المصرية هو من طبائع الأمور وليس بدعة فى سياسة الدول المعاصرة، فصمت بعضهم صمتًا مريبًا حتى رأوا فى عقر دارهم ما عابوه علينا!
(٣)
أما ثالث التصريحات الآتى إلينا من عاصمة الضباب فيقول على لسان رئيس الوزراء، إن الدولة لن تستطيع إجابة طلبات المضربين لأن هذا سوف يتسبب فى زيادة نسبة التضخم!
معنى هذا بوضوح أن تذهب تلك الاعتراضات للجحيم، وإما إنهاء الإضرابات أو قمعها بمنتهى القوة!
منذ فبراير ٢٠١١م والدولة المصرية تعانى الأمرين فى إقناع مواطنيها باللين ما فرضه رئيس وزراء إنجلترا على مواطنيه فى أيام قليلة!
اعتصامات وإضرابات فئوية ضربت مصر شمالًا وجنوبًا.. أكثر من مليون ونصف مليون وظيفة حكومية لا حاجة لها تم فرضها على الدولة المصرية بينما كانت تخوض حرب وجود على حدودها الشرقية!
بريطانيا العظمى- التى لم يزد عدد سكانها فى سبعة عقود ما زادته مصر فى عقد واحد ولم تتنصل مصر من مسئولياتها الوطنية تجاه الملايين التى تضاف كل عام لخانة المواليد– لا تقدر على ما قامت به مصر!
ورغم ذلك تتململ تلك الملايين المصرية وترفض الاعتراف بأن دولتها قامت بما عجزت عنه اقتصاديات عظمى!
(٤)
أراد الله أن تسقط كل الأقنعة ونرى الشيطان وجهًا لوجه بينما يأبى كثير من المصريين أن يروا وجهه الحقيقي!
يقول الشيطان إن تخريب مصر هو حراك سياسى ومن يحمل السلاح ضد الدولة هم معارضون سياسيون، وأن تبقى دولة على فوهة بركان هو قمة الديمقراطية!
بينما المضربون فى عواصم العالم الأول عليهم إنهاء إضراباتهم أو سيتم قمعها حماية للمجتمع، وذلك أيضًا قمة الديمقراطية!
إنها سنوات سقوط أقنعة القوى العظمى، أو عدم اقتناعها فى الأصل بوجود تلك الأقنعة ومحاولتها اتباع سياسة (البجاحة والخشونة) ضد الدول التى تقبل قياداتها الرضوخ!
فى هذه السنوات لا مكان على خريطة العالم للدول الضعيفة! كل دولة عليها أن تحسم خياراتها التى تبقيها على قيد الحياة وتحفظ لشعبها حق الوجود!
الثبات الانفعالى الدبلوماسى كان هو كلمة سر الدولة المصرية فى مقابلة الصغوط التى تم التخطيط لممارستها عليها أثناء قمة المناخ!
ولم تكن الدولة المصرية لتقدر على ذلك الثبات لولا ما سبقه فى السنوات السابقة من التقاط الأنفاس وإعادة تعظيم قدراتها المعلوماتية والعسكرية والاقتصادية!
لكن كيف يصل عموم المصريين لنفس ذلك الثبات الانفعالى السياسى ويثقون فى عدالة ومنطقية توجه بلادهم؟! بل وكيف يثقون فى النتائج؟!
كلمة سر المصريين المفقودة هى النقص المعرفى فى ملف التاريخ السياسى المعاصر!
جنبًا إلى جنب مع مادة التربية الوطنية نحتاج إلى تدريس المصريين التاريخ السياسى المعاصر لمصر!
نحتاج إلى تدريس تلك المادة الوثائقية المعلوماتية فى المرحلتين الثانوية والجامعية كمادة معلومات عامة تثقيفية إلزامية للجميع بغض النظر عن تخصصاتهم الأكاديمية!
يحتاج المصريون إلى قراءة ملفات سياسية مثل دور أجهزة المخابرات الأجنبية للدول العظمى فيما مرت به منطقة الشرق الأوسط وفى القلب منها مصر!
يحتاج المصريون لمعرفة كل ما يتعلق باتفاقية سايكس بيكو ومشروع برنارد لويس!
وإلى معرفة كيف أوحت إسرائيل فى نهاية سبعينات القرن الماضى للدول الغربية بفكرة تفتيت الدول داخليًا بتكوين وتقوية الجماعات الراديكالية الدينية!
فعلتها فى فلسطين، وحذت حذوها القوة الأعظم فى العالم فى بلاد الشام والرافدين..
وأرادوا فعلها على أرض مصر فرد الله كيدهم فى نحرهم وحفظ مصر!
هذه المعرفة لم تعد من قبيل الدراسات الأكاديمية المتخصصة، بل أصبحت لشعوب هذه المنطقة مثلها مثل محو الأمية تمامًا!
يحتاج عموم المصريين لذلك حتى تخرج الأجيال الجديدة قادرة على رؤية وجه الشيطان بلا أقنعة.. وتتشبث بالرباط الوطنى المقدس!