ماذا يحدث فى سوق الذهب؟| التجار يواصلون البيع.. أجانب يستثمرون.. ومواطنون يترقبون
- الأسعار ستظل فى ارتفاع حال عدم توافر المواد الخام من الذهب وعودة الاستيراد
- تصريح مواطن: ارتفاع الأسعار شجعنى على بيع بعض الأساور الذهبية
- صناعة المعادن الثمينة تحتاج إلى استيراد مستلزمات إنتاج وهى مواد لا تتوافر جميعها
- الاستثمار فى العقارات من أفضل القرارات حاليًا لأنه يتيح الشراء بالتقسيط
تعيش سوق الذهب فى مصر قفزات جنونية فى الوقت الحالى، وصِفت بأنها الأقوى فى تاريخ المعدن الأصفر، بعدما ارتفعت أسعاره بقوة مسجلة أرقامًا غير مسبوقة.
وتخطى سعر جرام الذهب عيار ٢٤ مبلغ ٢٠٩١ جنيهًا، واقترب من ٢٢٠٠ جنيه بالمصنعية والدمغة والضريبة لبعض المشغولات، بينما وصل سعر عيار ٢١ الأكثر تداولًا إلى ١٨٣٠ جنيهًا، حتى كتابة هذه السطور، علمًا بأن هذا المبلغ دون أى إضافات، وجاء مرتفعًا من ١٧٢٠ جنيهًا خلال ٢٤ ساعة فقط.
ودفع هذا منصة «أى صاغة» إلى إيقاف تحديد أسعار الذهب، وعددًا من أصحاب محال تجارة الذهب إلى وقف عمليات البيع نهائيًا فى الوقت الحالى، بعدما شهدت هذه الأسعار قفزات قوية دون مبرر، وسط اضطراب فى السوق وتباين فى الأسعار بين التجار.
ما الذى يحدث بالتحديد؟ وما سر هذا الارتفاع الجنونى؟.. أسئلة تحاول «الدستور» الإجابة عنها فى السطور التالية.
شعبة الذهب: زيادة الطلب على الشراء للاستثمار وراء الأزمة
قال هانى ميلاد، رئيس شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن هناك زيادة غير مسبوقة فى الطلب على شراء الذهب، ولا يقابل هذه الزيادة معروض، فالسوق تعانى من نقص المعروض بسبب وقف الاستيراد.
وأضاف «ميلاد»: «الأسعار ستظل فى ارتفاع حال عدم توافر المواد الخام من الذهب، وعودة الاستيراد»، ونفى الشائعات حول قفل الصاغة أو غلق التداول.
وأرجع رئيس شعبة الذهب الفارق الحالى بين السعرين المحلى والعالمى إلى نقص المعروض من المستورد، مختتمًا بقوله: «نسعى لإيجاد حلول من أجل ضبط السوق واستقرار الأسعار».
وقال المتحدث الإعلامى باسم شعبة الذهب، وائل شهبون، إن هناك العديد من الأسباب التى نتج عنها الارتفاع الجنونى الذى نشهده حاليًا فى سوق الذهب.
وأضاف: «منذ فبراير الماضى ونحن متوقفون عن الاستيراد، ما جعل تحديد سعر سوق الذهب فى مصر غير متوقف على سعره العالمى، وهو ما يفسر أن يجد المواطن السعر فى السوق العالمية مستقرًا، فى الوقت الذى يعانى من اضطربات متزايدة فى مصر، لذا المتحكم الأول فى تحديد السعر داخل مصر أصبح معيار العرض والطلب».
وواصل: «كما أن الذهب أصبح ملاذًا آمنًا والأسهل فى عملية (التسييل) والتحويل إلى نقود فورية، على عكس العقارات التى تحتاج إلى مدة زمنية لتحويلها إلى نقود، وبالتالى زاد الطلب على شراء المعدن، وتحول إلى طلب بغرض الاستثمار وليس الاستهلاك كما كان من قبل، خاصة بعد الصدمات الاقتصادية الكبرى التى خلفتها الأزمات العالمية المتلاحقة مثل كورونا والحرب الروسية الأوكرانية».
وأكمل: «هذا الأمر نتج عنه دخول ما يسمى الأموال الساخنة فى الاقتصاد الوطنى، وهى تلك الناتجة عن اندفاع المواطنين لشراء الذهب فور هبوط أسعاره بكميات كبيرة، وكذلك اتجاههم السريع إلى البيع فور ارتفاع أسعاره، وهذا يسبب أزمات كبيرة فى الاقتصاد».
وأشار إلى دخول متغير جديد على السوق المصرية من شأنه المساهمة فى المزيد من ارتفاع أسعار الذهب، وهو شراء الأجانب الموجودين فى مصر المعدن، بهدف الربح والاستثمار، فى ظل شهادتهم على الارتفاع الكبير فى سعره داخل مصر.
ونبه إلى أن كل تلك الأمور جميعها تتزامن مع وجود كمية محدودة من الخام فى مصر، وهو ما يفسر تلك الارتفاعات الجنونية التى تحدث فى سوق الذهب، لدرجة أن بعض الباعة يفاجأون بارتفاع وتغير السعر فى المدة التى يكتبون فيها الفاتورة للزبون.
وأضاف: «هذا يمثل خسارة كبيرة على هؤلاء الباعة، لأن المكسب الرئيسى لبائع الذهب هو فى المصنعية، ومع ارتفاع سعر المعدن، هذا من شأنه أن يقتطع من ربحه، الأمر الذى دفع العديد من الباعة إلى التوقف عن البيع فى الوقت الحالى لحين انتهاء الأزمة».
واختتم المتحدث الإعلامى باسم شعبة الذهب بقوله: «فتح باب الاستيراد مرة ثانية من شأنه أن يخفض سعر الذهب، أو على أقل تقدير استقرار سعره».
وقال عمرو مغربى، عضو شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن الذهب يشهد حالة من الطلب الكبير مقابل نقص فى المعروض خلال الفترة الحالية، ما تسبب فى ارتفاع الأسعار.
وأضاف «مغربى»: «أسعار الذهب تشهد ارتفاعًا كبيرًا بسبب زيادة الطلب من قبل المواطنين وكذلك المستوردين، حيث يلجأ المستوردون لشراء الذهب ثم بيعه مرة أخرى لتعويض ارتفاع سعر الدولار، ما تسبب فى نقص المعروض من المعدن فى السوق المصرية».
وأشار عضو شعبة الذهب إلى وجود إقبال كبير على شراء المعدن بكميات كبيرة من المواطنين والمستثمرين، ما أحدث فجوة بين المعروض والمطلوب تسببت فى ارتفاع الأسعار.
ونفى ما يتداول عن وقف الصاغة أو إغلاقها، مشيرًا إلى أن السعر مرتبط بالبورصة العالمية، وإذا حدث ارتباك يكون مؤقتًا، فيتم غلق التداول لمدة ربع ساعة فقط، ثم استكماله مرة أخرى، دون غلق للتداول.
ورأى أنه لا توجد توقعات مستقبلية بشأن أسعار الذهب فى الوقت الحالى، مؤكدًا أنه فى حال استمرار قلة المعروض سيظل السعر فى حالة ارتفاع، خاصة أن المواطنين يلجأون إلى تخزين الذهب فى الوقت الحالى، ما تسبب فى ارتفاع الأسعار، ووصول سعر عيار ٢١ إلى نحو ١٨٣٠ جنيهًا.
اقتصاديون: الاتجاه للسبائك على حساب المشغولات رفع الأسعار
قال الخبير الاقتصادى أحمد أبوعلى، إن سوق الذهب تعيش حاليًا فترة هى الأصعب فى تاريخها، نظرًا لما مرت به من اضطرابات، نتيجة ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وخام الذهب، إضافة إلى التراجع الكبير فى مبيعات المشغولات لصالح السبائك والعملات، الأمر الذى يضغط بقوة على المصانع، والتى تعانى من أعباء الرواتب والالتزامات الشهرية، مع استمرار تراجع الطلب.
وأضاف أن التحدى الأكبر الذى أثر على السوق المحلية، والذى قد يتغافل عنه الكثيرون، هو أن صناعة المعادن الثمينة تحتاج إلى استيراد مستلزمات إنتاج، وهى مواد لا تتوفر جميعها محليًا، موضحًا أن أسعار هذه المستلزمات ارتفعت بصورة كبيرة فى الآونة الأخيرة، مع استمرار تحرك الدولار، ومنها على سبيل المثال «الشمع، والكاوتش، والفرش، والفرايز».
وذكر أن ذلك أدى إلى تحميل المصانع الكثير من الأعباء، نتيجة استمرار دفع تكاليف العمالة والالتزامات الشهرية، مع استمرار التراجع فى مبيعات المشغولات، مشيرًا إلى أن هذا الوضع انعكس على الأسواق والأسعار.
وذكر أن هذا يتم فى الوقت الذى لم تتمكن فيه مصانع الذهب هى الأخرى من رفع سعر المصنعيات أكثر مما هى عليه الآن، وهو ما يفسر قلة صناعات المشغولات، والتركيز على صناعة السبائك، نظرًا لأنها لا تحتاج إلى مستلزمات إنتاج مستوردة من الخارج، ومصنعيتها منخفضة مقارنة بالمشغولات.
وأشار «أبوعلى» إلى ضرورة أن تفتح الدولة، فى الفترة المقبلة، الباب أمام تصدير المشغولات الذهبية لأنها تحمل العلامة التجارية «صنع فى مصر»، ما يوفر على الدولة ملايين الدولارات شهريًا، نتيجة حصيلة تصديرها للخارج.
وقال إنه لا يمكن التنبؤ بوضع السوق فى الفترة المقبلة، لافتًا إلى أن الحل الأمثل للتحدى الحالى يتمثل فى التصدير، وهو ما يخلق متنفسًا لتلك الصناعة وتحديدًا صناعة المشغولات، فى ظل ما تعانيه الآن من أزمات.
فى السياق نفسه، قال يوسف رشدان، الخبير الاقتصادى، عضو جمعية «شباب الأعمال»، إن الارتفاعات الجنونية فى أسعار المعدن أصبحت لغزًا محيرًا، مضيفًا أن هذه الارتفاعات أحدثت ارتباكًا كبيرًا فى المشهد الاقتصادى بمصر.
وفسّر الارتفاع الجنونى فى الأسعار لعدم توافر الدولار، ما أدى إلى عدم الاستيراد فى ظل نقص المعروض، فضلًا عن تلاعب التجار بالأسعار، فى ظل استقرار الوضع على الصعيد العالمى.
وذكر أن التضخم، وفق تحليل المؤسسات العالمية، له علاقة طردية بسعر الذهب، شارحًا أن ارتفاع مستوى التضخم يؤدى إلى رفع أسعار الذهب، فى ظل أن المستويات المنخفضة من التضخم أو الانكماش، يخفضها.
وتابع أن الأمر مرتبط أيضًا بسعر العملة المحلية أمام الدولار، لأن سعر الذهب يتم تقييمه وفق سعر الدولار، مشيرًا إلى أن الأزمة الكبرى هى أن التجار يقيّمون الأسعار وفق سعر الدولار فى السوق السوداء وليس البنوك.
وتوقع «رشدان» انخفاض الأسعار مع استمرار حملات الحكومة على الأسواق للسيطرة على أزمة الدولار، ناصحًا المصريين بعدم الشراء من أجل الاستثمار، لافتًا إلى أن الذهب ليس ملاذًا آمنًا دائمًا للاستثمار كما يعتقد الجميع، بسبب عدم ثبات أسعاره، بينما العقارات هى الأفضل فى هذا التوقيت.
فيما قال الخبير الاقتصادى محمود داود، إن هناك فرقًا كبيرًا بين مفهوم الاستثمار ومفهوم الادخار، مشيرًا إلى أن معظم السيدات المصريات يعتقدن أن الاستثمار الأفضل يكمن فى شراء الذهب وبيعه عند زيادة أسعاره فى السوق.
وأوضح أن هذا لا يعد استثمارًا، إنما ادخار للأموال، مردفًا أن الاستثمار يكون فى شراء شىء ما وتركه لمدة زمنية محددة دون أن تنقص قيمته، ثم الاستفادة من ذلك على المدى الطويل.
وتابع: «هناك ثلاث محافظ ادخارية، تسمى بالمحافظ الاستثمارية، وهى: الذهب، وفوائد البنوك الثابتة، والعقارات»، موضحًا أن المواطن إذا كان يملك نحو ٢٠ ألف جنيه، فإن الادخار فى الذهب فى هذه الحالة أفضل اختيار بالنسبة له، لأن سعر الذهب خلال الأسبوع الماضى، ارتفع فى عيار ٢١ من ١٢٨٠ إلى حوالى ١٨٣٠ جنيهًا.
وتابع أن الاستثمار فى العقارات من أفضل القرارات حاليًا، لأنه يتيح الشراء بالتقسيط، فى ظل الاضطرابات التى شهدتها سوق الذهب خلال الفترة الأخيرة، والتى كانت مرتبطة أيضًا بإجراءات البنك الفيدرالى الأمريكى لرفع سعر الفائدة، وهو ما دفع البنوك المركزية بعدد من الدول، وعلى رأسها مصر، أيضًا لرفع الفائدة، وبالتالى ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، ليتخطى حاجز الـ٢٤ جنيهًا للمرة الأولى فى التاريخ.
من جهته، أكد جورج نزيه، صاحب محل صاغة، أنه توقف عن البيع، معتبرًا أن ما يحدث فى السوق أمر غير طبيعى ولم تشهده من قبل، مضيفًا أن أسعار الذهب فى السوق المحلية مبالغ فيها وغير واقعية.
كما قال محمد سعد، صاحب صاغة، إنه أوقف البيع حاليًا بشكل كامل، إلى أن تتضح الرؤية النهائية.
مواطنون: يجب علينا التريث.. وواثقون فى قدرة الدولة على وقف الغلاء وتلاعب التجار
قالت أمل منصور، مفتشة بمكتب العمل من محافظة القاهرة، إن الارتفاع الجنونى لأسعار الذهب يجعل من الصعب اقتناء المصوغات الذهبية حاليًا للادخار أو الزينة أو تقديمها على سبيل الهدية، مشيرة إلى أن الشباب أكثر الفئات المتضررة من هذا الغلاء، خاصة المقبلين على الزواج. وأضافت أن زوجها كان دائمًا يهاديها فى المناسبات الخاصة بقطع ذهبية صغيرة تعبيرًا عن حبه لها، لكن منذ بدأت هذه الزيادة غير المسبوقة فى أسعار الذهب اتجه لشراء الهدايا البديلة التى تناسب إمكانياته.
وتابعت: «ارتفاع الأسعار شجعنى على بيع بعض الأساور الذهبية التى أملكها لتحقيق عائد جيد، لكن ننتظر من الدولة التدخل لوقف هذا الارتفاع الجنونى غير المبرر حتى تعود أسعار الذهب مرة أخرى إلى مستوياتها الطبيعية».
وقال أحمد سالم، من محافظة المنوفية، شاب مقبل على الزواج: «تشهد أسعار الذهب خلال الآونة الأخيرة قفزة غير مسبوقة، ما يجعل فكرة شرائه أمرًا صعبًا جدًا».
تابع أنه توجه إلى أحد محال الصاغة بمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية مصطحبًا خطيبته لشراء الشبكة، لكن كان سعرها غير متوقع ويفوق مقدرته الشرائية، معلقًا: «أنا كنت واقف مصدوم من السعر، بجد الدنيا ولعت ومش عارفين هنعمل إيه بعد كده، المفروض يلغوا فكرة الشبكة من الزواج».
واستكمل: «عند ملاحظة الارتفاع الكبير فى سعر الذهب، اختارت خطيبتى شبكة أقل فى الحجم والسعر، وكانت هذه مبادرة منها لتخفيف العبء»، موضحًا أن هذا الأمر قد يكون عسيرًا على بعض الشباب لوجود بعض الفتيات اللاتى لا تقبلن تقديم مثل هذه التنازلات.
وقال إن أسعار الذهب فى تفاقم وتغير مستمر، ما يجعل الشباب المقبل على الزواج فى دهشة وعجز عن اتخاذ أى قرار بشأن الارتباط، مؤكدًا أن الأسعار تتغير على مدار الساعة، وهو أمر مربك للجميع.
وقالت آية محمود، من محافظة الشرقية، إن الذهب المنتج الوحيد الذى يحقق نفعًا ومكاسب غير متوقعة، وإنها نجحت فى جنى مكاسب من ارتفاع الأسعار، لأنها كانت تدخر ذهبًا قديمًا باعته لتستفيد بفارق السعر.
وأضافت: «منذ فترة وأنا أبحث عن الذهب المستعمل فى محال الصاغة بالمحافظة لشراء بعض القطع من دون مصنعية انتظارًا لارتفاع الأسعار حتى أتمكن من بيعها وتحقيق مكاسب».
واستكملت: «اشتريت أسورة عيار ٢١، خفيفة الوزن وكانت تكلفتها آنذاك ٧ آلاف جنيه، وبعد ارتفاع الأسعار بعتها بسعر ١٥ ألف جنيه، وكان ذلك مكسبًا كبيرًا وغير متوقع وكنت فى قمة السعادة».
واختتمت: «نثق فى قدرة الدولة على التدخل لحل الأزمة ومساندة المواطنين على مواجهة الغلاء والسيطرة على الأسعار ومنع التلاعب بالأسواق».
وذكر إسلام عادل، من محافظة القاهرة، أن موجة الغلاء لا تقتصر على الذهب ولكنها طالت كل شىء تقريبًا بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية وتأثيراتها على اقتصاديات العالم.
وأضاف: «لن أشترى الذهب حاليًا لأن الأسعار تفوق قدرتى المالية، وزوجتى باعت مدخراتها من الذهب للاستفادة من فارق الأسعار».
واختتم: «يستوجب علينا جميعًا التصدى لأزمة ارتفاع الذهب بالتريث فى الشراء خلال الفترة الحالية لحين استقرار الأسعار، وأتوقع أن تشهد السوق هدوءًا نسبيًا خلال الفترة المقبلة بعد تراجع الطلب».