حُلم ومفكرة صغيرة: ماذا دوّن مفيد فوزي في رحلته إلى كندا؟
كانت القاهرة تقف على أعتاب انتصار حرب أكتوبر 1973- وكان هو وقتها مسؤولًا عن مجلة الشباب التابعة لمنظمة الشباب آنذاك، فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى، وصحفياً فى مجلة "صباح الخير" يدوّن في مفكرته الصغيرة من أمام مصلحة "الجوازات والجنسية" والسفارة الكندية بالقاهرة ملاحظة لفتت انتباهه حيث يصطف العشرات والمئات من الشباب والأسر المصرية أمام السفارة والمصلحة للإنتهاء من إجراءات الهجرة إلى كندا .
وقتها كان مفيد فوزى يعمل مع رئيس تحرير مجلة "صباح الخير" لويس جريس الذى جاء خلفاً لحسن فؤاد؛ الذى تعلم من جريس مهارة أن تصنع القصص الصحفية الكبيرة معتمداً على التفاصيل الصغيرة؛ وهى مهارة صنعت من مفيد فوزى محاوراً صحفياً وتلفزيونياً وإذاعياً عابر للأجيال فى العمل الإعلامى؛ لكن هناك سر آخر احتفظ به مفيد صاغ تجربته فى صنعة الكتابة هو.. الرحلات.
وشكلت رحلات مفيد فوزى خارج مصر تجربته الإبداعية؛ وهو ما برز فى كتابيه الأول" كندا حلم المهاجرين" الناشر دار المعارف 1973، والثاني "جواز سفر إنسان" «رحلات صحفية» الناشر دار المعارف 1977، حيث الاحتكاك بالناس من كل شكل ولون وثقافة.
مفيد فوزى قدم لنا فى أولى مؤلفاته "كندا..حلم المهاجرين" الصادر عام 1973 عن دار المعارف معايشة بلد جديد أضيف إلى جواز سفره، قضى بين ارجائها الفسيحة رحلة استمرت لشهرين حاول ان يتعرف إلى كندا بشكل أعمق بعد أن لفت إنتباهه.
لماذا كندا بالذات؟
يجيب مفيد فوزى عن التساؤل؛ قائلاً:" إن كندا – ولديها تربة غنية – يتطور اقتصادها من عام إلى عام.. وأدركت البلاد الغنية يثراوتها الطبيعية أن الاستمرار فى التطور يحتاج غلى ثروة بشرية.. يحتاج إلى عدد من السكان أكبر من الزيادة الطبيعية فى عدد المواليد.. ومن هنا بدأت كمدا تفتح ذراعيها للمهاجرين من كل أرض، وأصبحت حلم الشباب.. وأصبحت إمكانيات كندا الاقتصادية من الضخامة بحيث يمكننا – والكلام هنا لميشيل برنارد، وهو ناشر كندى كبير- "أن تدخل تعديلاً على نصيحة "هوراس جريلى" للشباب فى منتصف القرن التاسع عشر لتصبح فى منتصف القرن العشرين" اتجه شمالا، أيها الشباب" بدلاً من" اتجه غرباً".
ماذا دونت مفكرة مفيد فوزى من ملاحظات عن رحلته الى كندا؟
"سيارات (مونتريال) التى تقع فى مقاطعة (الكوبيك) الفرنسية مكتوب على لوحة ارقامها (البلاد الجميلة)، تعصباً من افلرنسيين الكنديين لمقاطعتهم الفرنسية الروح والذوق، وفى "كوبيك" غير مسموح للصيدلى "اليهودى" أن يعمل فى المقاطعة.. يفضل "الفرنسى" على أية جنسية، وفى أثناء اجتماعات البرلمان فى "أتاوا" العاصمة تضاء القبة وقبل انتهاء الجلسة تدق الموسيقى تعلن قرب الانتهاء، وأمام البرلمان "شعلة مضاءة" فوق ثناة صناعية، لا تكف عن الخفقان.. دلالتها أن الحياة غير الخاملة، جديرة بالإنسان، وقفت نصف ساعة أمام إشارة مرور حمراء احتراماً مبالغاً منى لقواعد المرور، ثم اكتشفت بعد نصف ساعة من الملل أن هناك "زراً" يجب ان يضغط عليه المشاة أمثالى، فتصبح الإشارة خضراء وتتوقف السيارات، وأعبر فى أمان، واحترمت هذه الرعاية للمشاة واحترمت احتراماً أكثر استخدام الآلة فى سلامة الإنسان.. ولعنت غبائى".
شبابها يغرى الرجال دائمًا
زار مفيد فوزى اليابان التى أحبها قبل زيارته كندا التى وقع فى هواها وودعها بدموعه؛ أما كندا التى وقع فى هواها واكتشف أن فى قبله يخبىء "إعجاباً" لم يرتق إلى مرحلة الحب لها، ودعها بابتسامة فراق اللقاء الاول.
ويعدد مفيد فوزى للمهاجرين مآثر الهجرة الى كندا فى هذا الفصل؛ حيث يقول:"لك الحق فى الحصول على إعانة شهرية قدرها 6 دولارات عن كل طفل سنه أقل من عشر سنوات، و8 دولارات على كل طفل ما بين عشرة وستة عشر عاماً خلال العام الأول من إقامتك فى كندا، وتسمى هذه الإعانة "مساعدة عائلية"، وبعد العام الأول تتحول إلى "بدل الأبناء"، ويدفع لكل شاب بدل يبلغ 10 دولارات شهرياً فى حدود سن 16 و 17 بشرط أن يظل فى دراسته أو يكون غير قادر على الدراسة لنقص فى نموه الذهنى وتخلفه "المتبسرين"، ليس هذا وحسب بل هناك تأمينات متعددة توفر للكنديين الرعاية الطبية اللازمة.
كندا من كبار السن الى الأطفال: كالنحلة.. ترشف رحيق كل الحضارات
مفيد لم ينس أيضاً كبار السن إذا هاجروا الى كندا، حيث يقول:" إذا بلغت سن 56 زكنت مقيماً فى كندا العشر سنوات السابقة فإن لك الحق فى الحصول على معاش شهرى قدره 80 دولاراً حتى لو لم تكن كندي الجنسية، وهذا المبلغ يدفع سواء كنت تعمل أم لا بغض النظر عن أى إيراد آخر يدخل جيبك، وإذا لم يكن لك إيراد آخر سوى معاش الشيخوخة البالغ 80 دولاراً، فإن الحكومة الكندية تدفع تكملة قدرها 32 دولاراً شهرياً قابلة للزيادة حسب مستوى الطالب".
ينتقل مفيد فوزى بين فصول كتابه عبر رقعة شطرنجية ما بين حالة الطقس التى يراها معادية للمهاجرين لما فيها من ثلوج ورايح عاصفة، وكذلك لم كيف يتعامل المهاجرين من المصريين مثل المدرسين مع المصفوفة الحضارية لأبناء كندا وكيف يتأقلم هؤلاء مع أبناء القارة، ولم ينس مفيد فوزى فى هذا الكتاب أن يتتبع تأثر الكنديين بالثقافة الأمريكية فى الفصل الخامس من كتابه وهو بعنوان " بشر..صناعة أمريكية"، وكيف صور المجتمع الكندى بمعكسر عمل صارم له لوائحه من يتبعها ينجو ومن يصطدم بها يواجه متاعب جمة، وفى الفصل السابع " لا تهاجر قبل ان تعرف كيف تروضها" يكشف مفيد فوزى إن الهجرة ليست نزوة، ولا مغامرة ولا رحلة، ولا نزهة، إنها موقف، ولها اسلحة للنجاح، وإلا أخفق المهاجر.
فى الفصل الثامن من الكتاب" أهلاً بالصفر.. ولهذا نجحوا!"، يرى مفيد فوزى أن الهجرة تجربة، نجاحها يتوقف عليك، وعلى استعدادك النفسى، وعلى إجادتك اللغة، وعلى طموحك، ومثابرتك وعلى عدم يأسك وعلى مواجهتك الطقس!، وفى الفصل التاسع من الكتاب"الأسود خرجت من الأقفاص!" يأخذنا مفيد فوزى فى رحلة بين شجيرات كندا وحدائقها الغناء وفنونها فى جولة فى شوارعها ووجوه المقيمين فيها، ويذهب بنا الى عالم الطفل فى كندا فى فصول هذا الكتاب الذى ينتمى إلى أدب الرحلات حتى يصل بنا الى رحلة العودة من خلال أمريكا ومنها إلى مصر وفى جيبه قصاصات ورق دون فيها هذه الجملة التى أختتم بها كتابه البديع قائلاً :" حضارة كندا كالنحلة.. ترشف رحيق كل الحضارات.. تمتص خلاصتها.. تذيبها فى وعاء" صنع فى كندا". ترفض العنف الأمريكي برغم أن أمريكا جراتها المجاورة".